التلاميذ مستواهم ضعيف، ولم يكتسبوا الكفايات التعليمية اللازمة لاستيعاب "لغة موليير"، ولا حتى التعبير بلغة الجاحظ، أو حتى تفكيك خوارزميات الرياضيات.. هكذا اعترفت الجهات الرسمية في المغرب بالكارثة، وأقرّت ضمنياً بأن المدرسة المغربية تعيش أسوأ أيامها.
اعتراف رسمي بالمعضلة
طيلة عقود مضت، لم تدق الجهات الرسمية ناقوس الخطر بشكل مدوٍّ، بل كانت تكتفي بإصدار تقارير تغلب عليها لغة خشبية تسرد واقعاً، وتحصي أرقاماً تبشّر بأن المدرسة لا زالت بخير.
الآن، لم يعد هناك ما يستحق التستر عليه كما يبدو: المدرسة المغربية على قاب قوسين من غرفة الإنعاش، فأصبح لزاماً على "المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي" أن يعترف بالمشكلة.
في دراسة أُفرج عن أرقامها في الأسابيع الماضية، أفاد المجلس بأن تلامذة الآداب والعلوم الإنسانية في التعليم الثانوي لم يكتسبوا الكفايات اللغوية في العربية والفرنسية المطلوبة في حدها الأدنى. المفاجئ في الدراسة أن التلامذة العلميين، الذين يدرسون في السنة الأولى من التعليم الثانوي، متمكنون من مادة التعبير الكتابي بالعربية بنسبة 9 في المئة مقارنة بالتلامذة الأدبيين، الذين لم يتجاوزا 4 في المئة، في حين حصد التلامذة العلميون معدلات جد متدنية في الفرنسية.
الدراسة التي شملت 34109 تلميذاً، بينت أن الرياضيات، هي الأخرى، تعاني ضعفاً في الأداء الدراسي، إذ لم يتجاوز معدل تحصيلها 38 في المئة.
وتبقى المعضلة الأشد هي ضعف تكوين المدرسين، إذ أن خُمس التلامذة لم يتلق مدرسوهم في مواد اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والفيزياء والكيمياء، وكذا علوم الحياة والأرض، أي تكوين أساسي قبل تكليفهم بمهام التدريس، ولم يستفد 60 في المئة منهم من أي تكوين مستمر خلال السنوات الخمس الأخيرة.
تعليم لا ينتج عباقرة
تقول جمعية "أماكن" لتحسين جودة التعليم في تقريرها أن "النظام التعليمي لا ينتج عباقرة إذا اعتبرنا الكفايات المقدمة"، مضيفة أنه "لم ينجح بما فيه الكفاية في إكساب رواده الكفايات التي تصنف في خانة الكفايات الدنيا". "أماكن" أفادت أن"المناهج التعليمية لا تسهم في تنمية الفكر النقدي والقدرة على حل المشكلات لدى التلميذ المغربي".
وبحسب التقرير فإن المدرسة المغربية تظل فاقدة لمهامها التعليمية، إذ غُيِّبَ دورها التربوي، وتراجعت قيمتها في المجتمع، وصار دور الأسرة مقتصراً على البعد الاقتصادي.
في الوقت نفسه، تشير الجمعية إلى أن مستوى النقاط التي نالها المغرب في "مؤشر تيمس" 2015، "لم يترجم بتقدم مماثل على مستوى الترتيب العام للدول". ففي الرياضيات، احتل الرتبة الثانية ما قبل الأخيرة متبوعاً بجنوب إفريقيا والكويت، أما في العلوم، فقد احتل الرتبة ما قبل الأخيرة، ويفسر التقرير احتلال المغرب لهذه المراتب بكون "جميع الدول ذات الأداء الضعيف أو المتوسط عرف أداؤها تحسناً ما بين سنتي 2011 و2015". و''تيمس'' يعتبر بمثابة مؤشر يبنى على معطيات دراسة دولية تقييمية في مجال الرياضيات والعلوم، موجهة لتلاميذ المستوى الرابع ابتدائي وتلاميذ المستوى الثاني إعدادي، وتجري مرة كل أربع سنوات منذ 1995.
وعلى الرغم من الإصلاح الذي تبناه المغرب على مدار العقود الماضية، تبقى جودة التعليم أقل من متوسط دول إفريقية فقيرة في جنوب الصحراء الكبرى. فبحسب دراسة أنجزها الباحث المغربي يوسف السعدني، فإن 79 في المئة من التلاميذ الذين تبلغ أعمارهم 10 سنوات لا يتقنون أساسيات القراءة.
صحيفة لوموند الفرنسية، أكدت أن الوضع التعليمي بالبلد يزداد سوءاً منذ بداية الألفية الثالثة، بعدما حصد المغرب مراتب متأخرة في مؤشر جودة التعليم، خصوصاً ما سجله في ترتيب "الرابطة الدولية لتقييم التحصيل التربوي"، إذ تذيل التصنيف الدولي في تدريس الرياضيات في الصف الرابع، حيث نال المرتبة 48 من بين 52 بلداً تم تقييمها.
وعلى الرغم من التقدم الملموس في التعليم الابتدائي، فإن المغرب يعتبر من بين البلدان البعيدة عن أهداف "التعليم للجميع" التي حددها المؤتمر العالمي (1990) وفق تقرير اليونسكو لعام 2014 عن حالة التعليم في العالم.
في غضون ذلك، توصي جمعية "أماكن" بأن "تعمل الإدارة المسؤولة عن القطاع على تحديد قاعدة الكفايات، وتنظيم التعلمات حسب الكفايات الفردية، ودعم التلاميذ المتعثرين، وتشجيع المتفوقين والاهتمام بأطر التدريس وتكريس ثقافة الواجب، والتعاون مع الأسر لتحسين جودة التعلمات، واعتماد نظام وطني لتقويم المؤسسات التعليمية، واستثمار نتائج مشاركة المغرب في المباريات الدولية، وتطوير التقويمات المنجزة على الصعيد الوطني".