ضرب الكنيستين: يفضح النظام العربي ويوحّد الأمة

ليست ضربة لأقباط مصر، بل هي ضربة لمسلميها قبل أقباطها. وهي ليست ضربة لمصر، بشعبها جميعه، بل ضربة موجعة للأمة جميعاً، بكل مكوناتها الدينية والطائفية والمذهبية
2017-04-12

شارك
تصوير: ابراهيم عزت / مدى مصر

تشلعت "الأمة" وتفرقت أيدي سبأ: ضُربت الوطنية بالإقليمية والقومية بالكيانية والأممية بالدين فافتقد أهل الأرض الواحدة والطموحات المشتركة ما يجمعهم من أسباب التقدم والحياة الكريمة في الحاضر والمستقبل. قاتل العرب العرب، وسط ضياعهم، بذريعة تحرير فلسطين، فخسروا تضامنهم وعجزوا عن مواجهة العدو الإسرائيلي.. وقاتل العرب عروبتهم بالإسلام، والإسلام بالعروبة، والعروبة والإسلام معاً بالتغرب، بذريعة التقدم واللحاق بالعصر ومواجهة عدوهم الإسرائيلي الذي انتصر عليهم مجتمعين ومتفرقين، بامتلاكه أسباب التقدم التي وفرتها له دول العالم أجمع، بغربه وشرقه، ثم بالمستوطنين الذين تدفقوا عليه من أربع رياح الأرض ليستعمروا البلاد التي تبدت وكـأنها بلا أهل هم من بنوها وحفظوها عبر التاريخ.
ها هم العرب يكادون أن يكونوا بلا هوية الآن: يهرب المتطرفون من عروبتهم إلى الدين الحنيف وقد تناسوا "إنا أنزلناه قرآناً عربياً"، ثم يهربون من الدين الحق إلى البدع، فإذا هم خارج الدين يحترفون قتل المؤمنين، جماعياً، لا فرق بين المسلمين، سنة وشيعة، ولا بين المسلمين والمسيحيين، وصولاً إلى الأزيديين والصابئة وسائر المؤمنين..
والعمليتان الإرهابيتان لـ"داعش" اللتان استهدفتا الكنائس القبطية في طنطا والإسكندرية هما حلقتان في مسلسل الإرهاب الذي يستهدف إثارة الفتن بين المسلمين والمسلمين، بين الشيعة والسنة كما في لبنان، وبين السنة والعلويين، كما في سوريا، وبين المسلمين والأقباط، والعرب والأقليات القومية (كما في العراق)، وبين القبائل العربية المسلمة وإنْ توزعت في مختلف أنحاء ليبيا..
إنّ "داعش" تهدف إلى اصطناع تاريخ جديد لهذه الأرض، بدماء أهلها. إنّها تستهدفهم في دينهم، كما في هويتهم الوطنيّة، كما في هويتهم القومية التي تؤكد انتماءهم إلى هذه الأرض حتى الذوبان فيها، وحقهم فيها بقوة التاريخ الذي صنعوه بتضحياتهم التي أضفت على الأرض قداستها بوهج دمائهم الطاهرة التي حفظتها.
إن المسؤولية التاريخية عن استيلاد هذا المسخ المتستر بالدين زوراً وبهتاناً، إنّما تقع على عاتق أنظمة القمع التي دمرت آمال الأمّة وأحلامها في الوحدة والتقدم، وضربت هويتها الجامعة ليسهل تقسيمها طوائف ومذاهب شتى تقتتل وتتنازع على كيانات مبتدَعة لا تملك مقومات الحياة إلّا بالاستناد على الدول الكبرى التي ساعدت على إقامة الكيان الإسرائيلي لتفتيت وحدة الأمّة ومنع تلاقي أقاليمها المختلفة على ما فيه مصلحة مجموعهم.
إن نسف الكنيستين في طنطا والإسكندرية، ومِنْ قبل في القاهرة وجهات أخرى من مصر، يأتي في سياق إثارة الفتنة في مصر، تماماً مثله مثل محاولة الفتنة السنّيّة - الشيعية في العراق وفي اليمن وفي سوريا، وفي لبنان المبتلى بالسرطان الطوائفي.
إنّها بعض المؤامرة على الأمّة في حاضرها وفي مستقبلها، في أمنها واستقرارها، في طموحها إلى التوحد والتقدم والمنعة وتوفير القدرة لهزيمة المشروع الصهيوني الذي يمهد لعودة الاستعمار القديم بقواته العسكرية، كما يحصل الآن في جهات عربية عدة، فضلاً عن الاستعمار الجديد (أو الإمبريالية) بالهيمنة على مقدرات الأمة جميعاً، فوق الارض وتحتها.
انها ليست ضربة لأقباط مصر، بل هي ضربة لمسلميها قبل أقباطها.
وهي ليست ضربة لمصر، بشعبها جميعا، بل ضربة موجعة للامة جميعاً، بكل مكوناتها الدينية والطائفية والمذهبية.
انها ضربة في سياق واضح هدفه تمزيق وحدة الامة، بشعوبها جميعاً، ودفعها إلى الاقتتال الداخلي بما يتسبب في خسارتها مستقبلها بعد حاضرها.
على أن وعي الامة المحصن بالتجارب والمعزز بالإيمان سيظل اقوى من موجات الارهاب بالشعار الديني والمسخر لخدمة العدو الاسرائيلي ومشاريع الهيمنة الاجنبية، سيهزم المؤامرة الجديدة.
وستكون دماء الشهداء الجدد في الكنيستين مصابيح وعي في مسيرة التقدم نحو الغد الافضل بتعزيز الوحدة بين ابناء هذه الامة المستهدفة في غدها كما في يومها، والتي ستؤكد -مرة أخرى -وعيها المضرج بدمائها والمؤهل لرسم طريقها إلى مستقبلها الأفضل.

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

دول آبار النفط والغاز تتهاوى

طلال سلمان 2020-11-18

اليوم، بتنا نفهم حرص المستعمر- بريطانيا بالأساس - على إقامة دول تتضمن رمالها أو سواحلها احتمالات بوجود النفط والغاز. فاذا ما ظهر هذا او ذاك من أسباب الثروة كانت لغير...