المجانية.. حصان طروادة

وزير التعليم في مصر صرح مؤخرا أن "التعليم سلعة يجب أن يدفع ثمنها" وهذه محاولة جديدة للالتفاف على مكسب  مجانية التعليم كحق للجميع، كما يؤكد عليه دستور البلاد. وموقفه يواجه بمعارضة كبيرة.
2017-03-21

إيمان رسلان

صحافية من مصر مختصة بالتعليم


شارك
تلاميذ في مصر

"التعليم كالماء والهواء".. هكذا قال د. طه حسين وهو يوقع أول قراراته بمجانية التعليم قبل الجامعي حينما تولى منصبه كوزير للتعليم عام 1950.

"التعليم سلعة يجب أن يدفع ثمنها".. هكذا أعلن د. طارق شوقي وزير التعليم عام 2017، وهو المنصب الذي تولاه مؤخراً بعد التعديل الوزاري الذي تمّ الشهر الماضي. ما بين التاريخين والفكرتين قصة تعكس ما جرى للتعليم المصري على مدار سبعة عقود كاملة.

للمجانية شعب يحميها..

كان د. طه حسين قبل أن يتولى منصب وزير التعليم مفكراً ليبرالياً ومثقفاً كبيراً، حتى أنه رُشّح لجائزة نوبل للآداب عام 1948 ولكنها حُجبت عنه (وعنا) بسبب حرب 1948 والبداية الفعلية للصراع العسكري العربي ضد إسرائيل. وكما كتب محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب العرب، فإن مسئولي نوبل في ستوكهولم هم من صرحوا له بذلك، وقالوا إن من أسباب ترشيحه في ذلك الوقت كتاباته عن التعليم التي أحدثت ثورة على المستوى العربي ومنها الحق في التعليم الجيد المجاني للجميع، وهو ما أكمله الرئيس عبد الناصر بعد ذلك في أوائل ستينات القرن الماضي بمجانية التعليم العالي والجامعي.

يتم كذباً الربط بين المجانية وبين تدني الحالة التعليمية، إذ قال الوزير الجديد إن مصر في المرتبة الأخيرة أو قبل الأخيرة عالمياً في جودة التعليم، وذلك تلميحاً الى أن المجانية هي أحد أسباب ذلك، مستنداً إلى أن الواقع الآن في مصر يقول إن التعليم ليس مجانياً، والدليل تفشي الدروس الخصوصية!

أما د. طارق شوقي وزير التعليم الجديد، فهو ترك مصر فور حصوله على الشهادة الجامعية في الهندسة في أوائل ثمانينات القرن الماضي ليبْتعث الى الولايات المتحدة الأمريكية حيث مكث كما قال قرابة عقدين من الزمن، ثم ارتحل إلى اليونسكو في باريس قبل أن يعود لمصر نهائياً بعد ما يقرب من ثلاثين عاماً في الخارج، ليعمل أستاذاً في الجامعة الأمريكية في القاهرة، ويتم تعيينه رئيس"المجلس الاستشاري التخصصي للتعليم" التابع للرئيس السيسى، فور توليه منصبه قبل ثلاثة أعوام. وكانت تصريحات الوزير الجديد منذ تولى منصبه الاستشاري الرئاسي تثير اللغط خاصة أن أغلبها محوره هو "عبثية مجانية التعليم في الوقت الحالي"، حيث قال بوضوح فور عودته من حلف اليمين كوزير "إن التعليم سلعة لها ثمن، ويجب أن يدفع مقابل ذلك"، كما قال قبل ذلك "إن المجانية يجب أن تتاح للمتفوقين". لكنه لم يحدد التفوق أو يعرّفه في حديثه ولا عين شروطه والضوابط اللازمة لتطبيقه. وزاد على ذلك الأسبوع الماضي فكرة أنه "يجب أن نتخلص من صداع الثانوية العامة حتى يعود للتعليم بهجته"، وطرح - كعادة كل وزير للتعليم - إجراء تعديلات على شكل البكالوريا المصرية لتكون شهادة منتهية بذاتها وأن تكون درجاتها هي محصلة درجات امتحانات الشهور مثل الشهادة الأمريكية، وأن يكون القبول في الجامعات نتيجة امتحانات مستقلة.

تحفظ الأساتذة

من جانب آخر تحفّظ عدد كبير من الأساتذة على فكرة امتحانات القبول بالجامعات وأعلن د. محمد كمال (المتحدث باسم النقابة المستقلة لأعضاء هيئات التدريس بالجامعات) عن رفض الفكرة واصفاً إياها بأنها "بيع رسمي للشهادات وامتحانات القبول التي ستتم، لأن مناخ "الوساطة" المنتشر كعُرف في المجتمع سيحوّل هذه الامتحانات إلى عدم العدل (الكوسة)، وهي ستؤدي إلى فساد الأجواء وعلاقات العمل في الجامعات بسبب الأساتذة الحقيقيون الذين سيجرون اختبارات القبول بحياد تام وينجحون من يستحق فقط. ولذلك فنحن نرفض امتحانات القبول ونفضّل امتحانات المواد المؤهلة التي تضاف درجاتها على مجموع الطالب في شهادة البكالوريا من خلال مكتب التنسيق الذي هو الضمانة الحقيقية لتكافؤ الفرص".

الهجوم على المجانية وربطها بسوء العملية التعليمية بدأ الترويج له في عصر السادات، عقب تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي، بهدف فتح التعليم أمام المدارس الخاصة والممولة من الخارج (وتحديداً من الخليج)

لم تكن هذه هي المعركة الوحيدة ضد الوزير الجديد، فالأشد والأقوى هي معركة المجانية التي أطلق عليها الأساتذة اسم "حصان طروادة"، لأنه يتم كذباً الربط بين المجانية وبين تدني الحالة التعليمية إذ قال الوزير الجديد أن مصر في المرتبة الأخيرة أو قبل الأخيرة عالمياً في جودة التعليم، وذلك تلميحاً الى أن المجانية هي أحد أسباب ذلك، مستنداً إلى أن الواقع الآن في مصر يقول أن التعليم ليس مجانياً والدليل تفشي الدروس الخصوصية وأنه مع المجانية المشروطة!

يا ويلكم!

وطبقا لآخر الدراسات الميدانية، فإن 42 في المئة من دخل الأسر المصرية يذهب للتعليم، وعدد طلاب المدارس يقترب من 20 مليون طالب 80 في المئة منهم في التعليم الحكومي.

الهجوم على المجانية وربطها بسوء العملية التعليمية بدأ الترويج له في عصر السادات، عقب تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي، بهدف فتح التعليم أمام المدارس الخاصة والممولة من الخارج (وتحديداً من الخليج)، ويضيف د.عبد اللطيف محمود أستاذ اقتصاديات التعليم "أن عصر مبارك جاء بعد السادات ليكمل المسيرة، وتمّ التوسع في "التعليم بمصروفات" حتى داخل المدارس والجامعات الحكومية. وما يتم من سياسات الآن هو من أجل الالتفاف على مفهوم المجانية واحتكار التعليم لصالح الفئات القادرة مادياً، من أجل زيادة ثروات فئات محددة وأصحاب مصالح، وتسببت تلك السياسات في تآكل البنية التحتية للتعليم الحكومي وقدراته. وقد طرحت مشروعات شكلية لإصلاح التعليم. وكل هذه أسباب أدت لتدهوره ومن ثم التأثيرعلى الاقتصاد المصري وانخفاض مستوى جودته وإنتاجيته، وهو ما يتجسد حالياً". وحذر من أن تكون المجانية هي "حصان طروادة".

تشير التقديرات إلى ارتفاع تكلفة الدروس الخصوصية والتي وصلت إلى حوالى 40 مليار جنيه سنوياً وهي تعد في الأساس تعويضاً عن تدني مرتبات المعلمين، حيث يصل مرتب بداية التعيين لخريجي الجامعات الجدد الى حوالي 1200 جنيهاً (حوالى 80 دولار) شهرياً للمعلم المساعد خريج الكليات صاحبة المجموع الأعلى والمتفوقين

وتقول دراسات البنك الدولي - الذى انضمت مصر مرة أخرى لناديه في الاقتراض - أن الإنفاق الجيد على التعليم يخلق كوادر جيدة تساعد اقتصاداً قوياً وتبنيه. كما أشارت الدراسة الدولية أيضاً الى تدني الإنفاق الحكومي على التعليم وهو يدور في حدود معدل 3 في المئة فقط من الناتج الإجمالي للدولة، بل إن أغلب هذا الإنفاق المتدني يذهب إلى إنشاء البنية التحية في التعليم، كما أن 85 في المئة من موازنته يذهب إلى بند الأجور والمرتبات للمدرسين، وهي متدنية المستوى. بينما تشير التقديرات إلى ارتفاع تكلفة الدروس الخصوصية والتي وصلت إلى حوالى 40 مليار جنيه سنوياً (أي ما يعادل 2.2 مليار دولار بعد تعويم الجنيه المصري). وهي تعد في الأساس تعويضاً عن تدني مرتبات المعلمين، حيث يصل مرتب بداية التعيين لخريجي الجامعات الجدد الى حوالي 1200 جنيهاً (حوالى 80 دولار) شهرياً للمعلم المساعد خريج الكليات صاحبة المجموع الأعلى والمتفوقين، بينما يحصل المعيّنون حديثاً جداً بالنيابة وسلك القضاء على أكثرمن عشرة أضعاف مرتب المعلم.

معركة المجانية التي تتصاعد وأصبحت تحتل مجالاً كبيراً في الإعلام ومواقع التواصل جعلت الوزير الجديد (حسب مصادر موثوقة) يلتقي برئيس مجلس الوزراء منفرداً. ويبدو أن تصريحاته كانت محور اللقاء لأنه خرج من الاجتماع مصرحاً "أن المجانية موجودة في الدستور المصري" (الذي كان قد أقسم على احترامه وهو يحلف اليمين الوزاري). ومن الواضح أن الحكومة الحالية لاتريد فتح جبهات جديدة عليها في ظل تداعيات احتجاجات رغيف الخبز الأسبوع الماضي وارتفاع معدل التضخم بصورة غير مسبوقة، حيث وصلت إلى نسبة 30 في المئة وهو الأمر الذي يقارنه  البعض مع تاريخ الثورة المصرية عام 1952.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

مصر: المندوب السامي التعليمي؟

مدراء مشروع "المعلمون أولاً" الذي ترعاه وزارة التربية ويهدف الى تطوير وتدريب مليون ونصف معلم مصري.. كلهم أجانب: لم يُعرَف للمشروعات  التعليمية بمصر مدير أجنبي إلاّ فى عهد الاحتلال الانجليزي.

المعلمون في مصر: الحرامية الشرفاء

وزير التعليم وصف المعلمين بالحرامية، ما أثار ضجة كبيرة غطى عليها ارتفاع رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة وقلق المعلمين على وظائفهم بعدما اعتبرهم الوزير فائضون عن...

فقراؤك يا وطن

قصة مريم وعبد الراضي، الشابان الآتيان من عائلات موغلة في الفقر، واللذان حصلا على مجموع تام في شهادة البكالوريا هذا العام، وسؤال مصيرهما لولا وجود مجانية التعليم التي يُسعى لإلغائها...