في محاولة لتجديد دماء العمل الدعوي في مصر، قررت وزارة الأوقاف المصرية في شباط / فبراير الماضي تعيين 144 امرأة في مهنة واعظ ديني بالمساجد، وتقديم دروس دينية للسيدات. وقد صاحب تلك الخطوة جدل ديني حول أهلية المرأة لمثل تلك الوظيفة، ارتبط بجدل سياسي حول ضرورة تجديد الخطاب الديني في مصر.
شروط القبول وكيفية العمل
في منتصف 2015، أعلن رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف عن إجراء مقابلات مع 430 سيدة ترغبن في العمل كواعظات دينيات بالمساجد، موضحاً أن ذلك العمل بلا مقابل مادي. ويشترط أن تكن جميعاً حاصلات على مؤهل أزهري أو خريجات معاهد الثقافة الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف، على أن تعملن على إلقاء الدروس بالمساجد بمعدل درسين كل أسبوع. وطوال أكثر من عام ونصف لم يتمّ إحراز أيّ تقدُّم ملموس في هذا الموضوع، سوى محاولة متواضعة بتعيين أربع سيدات فقط في العمل الدعوي بمحافظة الغربية من قِبل وزارة الأوقاف، في تموز/يوليو 2015. وتعتبر تلك المرة الأولى في تاريخ الوزارة التي تعمل بها المرأة في المجال الدعوي.
ثم أعلنت الوزارة في شباط / فبراير الماضي عن قبول 144 واعظة أخرى، وأوضحت أنه لا يجوز لأيّ واعظة التوجُّه إلى أيّ مسجد إلا بخطاب معتمد من مديرية الأوقاف، ويتم تحديد الموضوعات بشكل شهري، مع إعلام المساجد بالمواعيد، على أن يكون هناك دفتر خاص بتسجيل يوم وتاريخ وموضوع الدرس، ويلتزم إمام المسجد ومفتش الأوقاف برفع تقرير شهري عنهن، وتتطلع الوزارة إلى زيادة أعدادهن إلى عشرة آلاف واعظة خلال المرحلة المقبلة.
يمرّ عمل الواعظة المتطوعة بثلاث مراحل، الأولى ومدتها ستة أشهر تلتزم فيها بالجوانب الوعظية وعدم التسرُّع في إصدار فتاوى للناس، أما في الثانية فيتم تكثيف الدورات التدريبية بالتنسيق مع الأزهر، على أن يصرف بدل انتقال للواعظات في حال تحركن من المحافظات إلى القاهرة لحضور الدورات، أما المرحلة الثالثة فستتألف من دورات متخصصة اختيارية لتأهيلهن على الإفتاء في بعض القضايا المتعلقة بالنساء وفتاوى الزكاة والمعاملات البنكية.
رفض بعض رجال الدين
هناك تيار بين رجال الدين اعترض على عمل المرأة الدعوي، ومن المفارقات أن بعضهم أئمة من داخل وزارة الأوقاف نفسها، حيث يرى هؤلاء أنه من الخطأ الجسيم أن تخرج المرأة من بيتها حتى لو كان لإذاعة العلم، و"إن كانت أعلم أهل الأرض"، مؤكدين أنه أمر "في غاية الخطورة والفساد" وفق تعبيرهم.
في قراءة دقيقة لتوجُّه وزارة الأوقاف نحو إدخال المرأة إلى العمل الدعوي، يتبدى أن الأمر لا يخرج عن كونه مجرد حركة تريد بها وزارة الأوقاف كسب رضا الرئيس السيسي، الذي أشار في أكثر من خطاب له منذ تسلُّمه السلطة إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني هو الذي دشّن عام 2017 باعتباره عام المرأة المصرية
وفي السياق ذاته، فإن هناك مجموعة أخرى من رجال الدين غير معترضين على عمل المرأة الدعوي ولكنهم يربطونه بشروط يمكن وصفها بأنها غير جوهرية، مثل السنّ، حيث أن بعض رجال الدين ارتأوا أن عمل المرأة الدعوي له سن مناسب، وأنه يكون بعد الأربعين، ويُفسّر أحدهم ذلك بأن المرأة وظيفتها الأساسية هي الحمل والولادة والتربية، وأنها في حالة انشغال دائم بين العمل والبيت والأولاد ومتطلبات الزوج، ولذا فإنه "يكون عطاء المرأة أفضل في وقت الرشد أي بعد سن الأربعين، وأن العمل الدعوي يحتاج إلى عقلية حاضرة مما يتطلب البحث والتفرُّغ".
هل تقتنع وزارة الأوقاف فعلياً بأهمية عمل المرأة الدعوي؟!
في قراءة دقيقة لتوجُّه وزارة الأوقاف نحو إدخال المرأة إلى العمل الدعوي، يتبدى أن الأمر لا يخرج عن كونه مجرد حركة تريد بها وزارة الأوقاف كسب رضا الرئيس السيسي، الذي أشار في أكثر من خطاب له منذ تسلُّمه السلطة الى ضرورة تجديد الخطاب الديني، واعلن عن غضبه اختزال الوزارة لذلك الأمر في الخطبة الموحدة، منتقداً وزير الأوقاف شخصياً في خطاب علني في أواخر عام 2016 ومن جانب آخر فإن اختيار وزارة الأوقاف الإعلان عن الواعظات في هذا التوقيت بالتحديد يأتي انطلاقاً من تدشين السيسي لعام 2017 باعتباره عام المرأة المصرية.
هناك تيار بين رجال الدين اعترض على عمل المرأة الدعوي، ومن المفارقات أن بعضهم أئمة من داخل وزارة الأوقاف نفسها، حيث يرى هؤلاء أنه من الخطأ الجسيم أن تخرج المرأة من بيتها حتى لو كان لإذاعة العلم، وحتى "إن كانت أعلم أهل الأرض"، مؤكدين أنه أمر "في غاية الخطورة والفساد" وفق تعبيرهم
وفي السياق ذاته، فإن عدة أسباب يؤكد أن الأمر برمته لا يخرج عن كونه محاولة لإرضاء الرئيس ولا ينطلق من قناعة مؤسسية، أولها هو أن عدد الواعظات ضئيل للغاية لا يعبر بأيّ حال من الأحوال عن توجُّه فعلي، وبالتأكيد لا يمكن اعتبار هذا العدد قادر على إحداث فوارق جوهرية في العمل الدعوي للمرأة المصرية. وحتى مع التسليم بوجود نية لدى الوزارة بأن يكون ذلك العدد مستقبلًا 10 آلاف واعظة فهذا مازال قليل أيضاً، لوجود 115 ألف مسجد وزاوية تابعة لوزارة الأوقاف في مصر. ما يعني أنه ستكون هناك واعظة واحدة لكل 777 مسجد تقريباً!
ومن جانب آخر فإن هناك إشكالية في تعامل الوزارة مع الواعظات، فهي تراهن متطوعات، حيث أن المقابل المادي لا يتجاوز مئة وعشرون جنيه في الشهر، بل وكانت الشروط في البداية تؤكد على أنه لا يوجد أيّ مقابل مادي، ما يتناقض مع حقوق المرأة العاملة وأهمية أن يكون لها مصدر دخل كريم وتأمين اجتماعي وصحي جيّد، حيث يبدو الأمر وكأنه تفضُّل من الوزارة على بعض الشغوفات بالعمل الدعوي. كذلك فإن تحديد الموضوعات بشكل شهريّ وفرضه على الواعظة يحدّ من انطلاقها في تقديم ما يتناسب مع الشريحة النسائية التي تقدم لها الوعظ من جانب، وكذلك قد يُقلل من اهتمام السيدات بالحضور. ولذا تبدو المبادرة "ديكورية". أما تحولها الى خطوة فارقة فيفترض وجود عدد أكبر من النساء الواعظات، وتوفير كافة الامتيازات المادية والمعنوية لهن، وإعدادهن بما يوازي تقدير قيمة المرأة وأهمية دورها الدعوي.