(نعتذر عن الخطأ في العنوان السابق للمقال، الوارد في النشرة البريدية للسفير العربي)
الباحث في قضية العنف ضد المرأة في تونس يروعه مدى تضارب الأرقام والإحصائيات، مما يمنعه من تكوين فكرة موضوعية عن مدى تفشي هذه الآفة الاجتماعية وعن أهميتها. هناك دراسات تقول بأن امرأة من اثنتين تعرضت هنا للعنف، وهو رقم قريب من دراسة أخرى تؤكد أن نسبة النساء المعنفات هو 47 في المئة، ثم تأتي دراسة ثالثة صادرة عن جمعية النساء الديمقراطيات لتؤكد أن نسبة 99 في المئة من التونسيات تعرّضن لشكل من أشكال العنف، بما في ذلك التحرّش الجنسي. وهذا غيض من فيض، فالدراسات كثيرة ولكل دراسة أرقامها المختلفة..
والتفسير الأرجح لتضارب الأرقام وعدم دقتها هو أولاً سياسي، وهو نتيجة حتمية للتعتيم الكبير والمقصود، وللعمل في السنوات السابقة للثورة على طمس مشاكل المجتمع التونسي تطبيقا للشعار الشهير "تونس بخير"، الذي اعتمده أصحاب القرار أيام بن علي حرصاً منهم على إظهار صورة ناصعة وجميلة لا تشوبها شائبة للبلاد، ولهذا كانت الثورة التونسية صدمة كبيرة وغير متوقعة بالنسبة للكثيرين. وهؤلاء روّجوا لتميّز المرأة التونسية بالدعاية لمجلة الأحوال الشخصية التي تنتصر قوانينها لها وتبدو فيها موفورة الكرامة، حائزة على حقوقها الاجتماعية كاملة.. في حين أن للواقع رأي آخر. فالعنف لا يستثني أياً من النساء تقريبا مهما كان سنهن، ودرجة تعليمهن أو انتمائهن الطبقي. وهم اكتفوا بهذا الترويج، عوضاً عن وضع اليد على مكامن الوجع وإيجاد حلول جذرية لها.. على الأقل بتفعيل القوانين التي تحميها.
سجلت حالات تتوجه فيها النساء المعنّفات لمؤسسات الدولة لتقديم شكوى فيتمّ تعنيفهن هناك!
وأما التفسير الثاني فيتعلّق بالاعتبارات القائمة في المجتمع وقيمه المعلنة، حيث تتأرجح حياة المرأة بين الخوف من المعتدي نفسه، ومن المجتمع الذي يحمّلها مسؤولية ما تعرضت له، كما في حالات الاغتصاب. والمثير للاهتمام وربما للدهشة أيضاً أنه وحتى بعد الثورة فإن تناول موضوع العنف المسلط على النساء موسمي، وكثيراً ما يثار بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، ويبهت بمجرد مروره. وفي العام 2014 تبنى "الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري" مشروع قانون اجتمع لصياغته خبراء في القانون وعلم الاجتماع والصحة، استناداً "لاستشارات قانونية شملت مختلف الولايات في شمال البلاد وجنوبها، بهدف التعرف على مختلف أشكال العنف وأسبابه"، وخلص إلى الاعتراف بتزايد مهمّ في أعداد النساء ضحايا العنف.. بل إن العنف ضد النساء كان أكبر وأكثر بشاعة. وقد سجلت حالات تتوجه فيها النساء المعنفات لمؤسسات الدولة لتقديم شكوى فيتمّ تعنيفهن هناك! وفي الأمر مفارقة لأن الثورة أحيت أمل المرأة التونسية في تفعيل قوانين حمايتها.
هل على النساء الثورة في الثورة من أجل الحصول على الحماية القانونية المقرة لهن واللائقة بهن؟
.. وفي بلادنا، التي يُبرّر فيها العنف ضد النساء دينياً ويُنظَر للمرأة نظرة دونية، فإن لذلك نتائج كارثية ليس فقط على الأسرة، وصحة المرأة، وإنما أيضا على الاقتصاد الذي تنخرط فيه النساء بنسبة كبيرة. فكائن معنّف بهذا الشكل، وحتى لو افترضنا اقل النسب المئوية المقدمة في المجال، لا يمكنه أن يعطي عمله كل الطاقة التي يملكها. هل على النساء الثورة في الثورة من أجل الحصول على الحماية القانونية المقرة لهن واللائقة بهن؟