لأن غـزة بعيدة عن أقاربها ولصيقة بالأعداء.. لأن غـزة جزيرة کلما انفجرت، وهي لا تکف عن الانفجار، خدشت وجه العدو وکسرت أحلامه وصدته عن الرضا بالزمن. لأن الزمن في غزة شيء آخر.. لأن الزمن في غـزة ليس عنصراً محايداً. إنه لا يدفع الناس إلى برودة التأمل، ولكنه يدفعهم إلى الانفجار والارتطام بالحقيقة. الزمن هناك لا يأخذ الأطفال من الطفولة إلى الشيخوخة ولكنه يجعلهم رجالاً في أول لقاء مع العدو.. ليس الزمن في غزة استرخاء ولكنه اقتحام الظهيرة المشتعلة.. لأن القيم في غـزة تختلف.. تختلف.. تختلف.. القيمة الوحيدة للإنسان المحتل هي مدى مقاومته للاحتلال. هذه هي المنافسة الوحيدة هناك.
ليست غزة أجمل المدن ..ليس شاطئها أشد زرقة من شواطئ المدن العربية، وليس برتقالها أجمل برتقال على حوض البحر الأبيض.
وليست غزة أغنى المدن ..وليست أرقى المدن وليست أکبر المدن. ولکنها تعادل تاريخ أمة. لأنها أشد قبحاً في عيون الأعداء، وفقراً وبؤساً وشراسة. لأنها أشدنا قدرة على تعکير مزاج العدو وراحته، لأنها کابوسه، لأنها برتقال ملغوم، وأطفال بلا طفولة وشيوخ بلا شيخوخة، ونساء بلا رغبات، لأنها کذلك فهي أجملنا وأصفانا وأغنانا وأکثرنا جدارة بالحب.
من قصيدة «صمت من أجل غزة!»