أريد أن أثبت لكم أن مصر دولة وسطية.
مصر الآن تواجه خطر الإلحاد، تواجه المفطرين في رمضان. وقبلها وبالتوازي، تواجه خطر التطرف الديني. نواجه خطر الدين ونواجه خطر اللادين. نحن وسطيون. مصر تقع في الوسط. وسط العالم القديم، أفريقيا وأوروبا وآسيا. وفي وسط العالم الحديث، مصر تقع بين ليبيا وفلسطين، وهذا دليل على أنها تقع في الوسط. تقع بين السودان والبحر المتوسط، وهذا دليل ثانٍ على أنها تقع في الوسط. مصر وسطية ونحن وسطيون.
بقوة الجغرافيا نحن وسطيون، وبقوة التاريخ أيضاً. مصر في العصر المملوكي كانت تقع بين العصر الأيوبي والعصر العثماني، وفي العصر الإسلامي كانت تقع بين العصر القبطي والعصر الحديث. وقبل كل شيء، فمصر الآن تقع بين الماضي والحاضر. نحن تاريخياً وسطيون.
مصر دولة لها هوية. أحمق من يقول عكس ذلك، وهوية مصر هوية وسطية. تخيل أي نقطتين في العالم، فستجد مصر تقع بينهما، وإذا لم تقع بينهما، ضعها أنت بينهما. هذا هو دور المثقف. أن يثبت أننا وسطيون، وإذا لم يستطع هذا، فليجعلنا وسطيين. دور الفلاسفة تغيير العالم وليس فهمه، لا بد أن نكون وسطيين. لا نحبّ التطرف في شيء. التطرف عدو الدولة المصرية. نحن وسطيون. نقع في المنتصف بين أي نقطتين موجودتين، وبين أي نقطتين لا نعرفهما، وحتى بين أي نقطتين لم يخلقهما الله بعد. حتى لو ساحت الكواكب على بعضها فسنظل وسطيين. لماذا نحن وسطيون؟ هذا ليس خياراً. إنه قدر. التطرف يجعلك تتحرك في اتجاه أشياء، يجعلك تقول أشياء. ولماذا تتحرك طالما أنه يمكنك ألا تتحرك، ولماذا تتكلم طالما أنه يمكنك السكوت. هذه عقيدتنا التي لن نحيد عنها. سنظل سائرين بين الخطين. أو أفضل: سنصنع خطين ونسير بينهما، نسير بينهما ونضربهما، وإذا وقعا، فسنعيد وضعهما ثم نعيد ضربهما ثم نعيد السير بينهما.
(نص نائل الطوخي ورسم مخلوف)