لديك خمس دقائق للإخلاء

العدوان يعني الاستباحة، ويعني الوضوح، وهو إجابة إجبارية قصوى على سؤال: «كم تستطيع أن تحتمل من الحقيقة؟». كل مواطني الدول الهادئة يتجنبون الإجابة على هذا السؤال. لا يريد القطري أن يعرف أن مخزون بلده من المياه، في حال تعطل محطة التحلية، بالكاد يكفي لأسبوع.لا يريد الأردني أن يجري العمل على تذكيره بشكل مستمر أن دولته ما هي إلا مشروع مموّل من الخارج. يحاول اللبناني باستمرار الهرب من
2014-07-16

شارك

العدوان يعني الاستباحة، ويعني الوضوح، وهو إجابة إجبارية قصوى على سؤال: «كم تستطيع أن تحتمل من الحقيقة؟». كل مواطني الدول الهادئة يتجنبون الإجابة على هذا السؤال. لا يريد القطري أن يعرف أن مخزون بلده من المياه، في حال تعطل محطة التحلية، بالكاد يكفي لأسبوع.
لا يريد الأردني أن يجري العمل على تذكيره بشكل مستمر أن دولته ما هي إلا مشروع مموّل من الخارج. يحاول اللبناني باستمرار الهرب من حربه الأهلية لكنه أبداً لن يهرب. لقد كان لفض اعتصام رابعة ومجزرة الحرس الجمهوري أن دفعا كثيراً من المصريين لاعتناق فكرة أن 30 يونيو كانت جميلة في المخيلة، وكارثة على الأرض. كل عربي يمكن له أن يحاول وضع الحقيقة في الثلاجة، لكنها ستخرج.. اسألوا السوريين.فلسطينياً، الوضع مختلف قليلاً. نحن لا نقاتل بعضنا، ولسنا دولة تحارب دولة. نحن مستعمَرون. طبقتنا الحاكمة، وهي ماكينة إنتاج الوهم بشكله المحلي، لا تعمل لحسابها الشخصي بقدر ما تعمل في خدمة مشروع أكبر اسمه إسرائيل.
بكلمات أخرى، نحن عندما نؤيد المقاومة فإنما نفضل مواجهة الحقيقة المؤسفة على العيش المستمرّ في الكذب اللعوب. أما العدوان فهو لحظة تجلٍّ وامتداد هذا الخيار شعبياً على المستوى الديكارتي. شبكات الهاتف المحمول «الفلسطينية» أبسط مثال: إن الهاتف المحمول أداة بالغة الخصوصية. عليه رسائل وصور لا نريد أو لن نسمح أن يقرأها أحد، وهي - إن تسربت - من شأنها أن تجلب لنا المشاكل والفراق والطلاق، وربما خطر الوفاة. إن هاتفنا المحمول لنا، ولنا وحدنا.
هكذا نفكر وفي هذا الاتجاه تدفعنا البنية القائمة.العدوان ينسف هذا الوهم: إن هاتفك المحمول، قطعة البلاستيك هذه التي تحبها وتحملها معك أينما ذهبت، ستكشف لك عن أنيابها وقت اللزوم. سيتضح أن هاتفك المحمول ليس لك، ليس ملكك، بل ملك عدوك، يستخدمه ويراقبه كيف يشاء، عندما يهاتفك مجند تافه في جيش الدفاع الإسرائيلي قائلاً: لديك خمس دقائق لإخلاء البيت.

من صفحة «محمود عمر» على فايسبوك