يقف الإنسان الأول أمام حلة الشوربة. الشوربة تغلي. يأتي بسكين ليزيل الفقاعات. يزيلها وتواصل الشوربة الغليان. يبدأ في الشعور بالضيق، البخار الساخن يهب في وجهه ويجعله يعرق، يقلب فيها بالمعلقة، ما زالت تغلي. هو لا يستطيع أن يشربها هكذا. لابد أن تتوقف عن الغليان ثم تبرد قليلاً. يغطيها بغطاء الحلة. يرفع الغطاء بعد دقيقتين ويشعر بالغضب لأنها لم تتوقف عن الغليان. ينمو لدى الإنسان الأول ما يمكن أن نسميه بثأر شخصي مع الشوربة. هو لا يكرهها في الأصل، بالعكس، كان يشربها بكل استمتاع فيما مضى، في الأيام الخوالي الطيبة. ما الذي حدث إذن؟ لا يعرف. يبدأ في التفكير في المطرقة. أكيد ستنفعه المطرقة. ضخمة ولا تمزح. لا يعرف ما هو أقوى منها. يمسك بالمطرقة، يطرق بها خفيفاً على الشوربة، خفيفاً، برفق، لا يزال يحمل لها مشاعر طيبة وغامضة، الشوربة نفسها – فيما يبدو له – لا تبادله المشاعر. الآن وأمامه عينيه ما زالت تغلي، هناك شيء شرير في الشوربة، لعنة ما، يطرق بقوة، بعنف، ما زالت تغلي. بعض القطرات الساخنة تتناثر على وجهه أيضاً. اللعنة، كل هذا الحقد تضمره الشوربة؟ يضرب بعنف أكبر، طراااخ، ولا زالت تغلي. يمسك بالحلة بكلتا يديه، يلقيها بعيداً، تنسكب الشوربة كلها على الأرض، تتوزع هناك، تتسرب في مسام السجاد والسيراميك، يعود للصالون فخوراً بقدرته على إيقاف الشوربة عن غليانها.
(نص نائل الطوخي ورسم مخلوف)