إذا أردت أن تملأ القلم بالحبر في مكاتب الدولة فهناك موظف لإحضار المحبرة فقط، وموظف ثانٍ لفك غطاء المحبرة، وموظف ثالث لفتح غطاء القلم، وموظف رابع لإدارة حقنة القلم، وموظف خامس لإرجاع المحبرة إلى مكانها، وموظف سادس لتغطية القلم بعد ملئه. وأيّ غياب لأي موظف سيجعل القلم فارغاً وستجابه بعبارة "تعال بكرة".نسيت أن أقول، إن فوق كل هؤلاء مديرَ "وحدة ملء القلم حبراً" ونائب مدير "ملء القلم حبراً".أقول بكل أسف إذا رأيت الحافلات تفرغ من جوفها مئات الموظفين، فلا تظن أن عملاً يساوي هذا العدد سيُنجز، بل كلّ المسألة هي "سبل كسب العيش في السودان".وأقول بأسف شديد إن الطُفرة التي نُقبل عليها لن تسعها مواعين هذه الدولة. فعليّاً لم أجد اهتماماً بالخدمة المدنية مقنعاً حتى الآن، فالهمّ الذي يصيبك وأنت ذاهب إلى مكتب من مكاتب الدولة لتنجز عملاً همّ حقيقي لا يساويه إلا همّك بدخول مستشفى. متى تدخل خدمتنا المدنية عصر التكنولوجيا والمعلومات؟ وعلى أي أساس تصرف هذه الرواتب وهذه الترقيات؟ أليست هناك معايير غير الأقدميّة.إلى متى تظل اللوائح المنظمة للعمل جامدة وساكنة وكأنها كتاب مقدس؟ وإلى متى تظل القوة البشرية العاملة في تمدد والإنجاز إن لم يكن في تناقص فهو على حاله...
من مدونة "استفهامات" السودانية