وُلد فريق عمل «دراسات» في كنف كلية العلوم
الانسانية والاجتماعية بجامعة تونس في العام 1999، كوحدة أبحاث تحت إشراف الأستاذ الجامعي
الشهير في مجالات علم الاجتماع والتاريخ عبد الحميد هنية. ونمت مهمات الفريق سريعاً
ليصبح عنوان عملها «جمع باحثين ينتمون إلى اختصاصات جامعية متنوّعة في العلوم الاجتماعية
والانسانية، معظمهم متحدرون من منطقة المغرب العربي، لكن اهتماماتهم لا تحدّها جغرافيا
المنطقة»، بحسب تعريف فريق العمل بنفسه. ومنذ تأسيس «دراسات»، يطغى همّ رئيسي على عمله،
هو تقديم قراءة «محلية» للمجتمعات المغاربية تنقض القراءة الاستشراقية لها حين يستوجب
الأمر أو تصحّحها، تكمّلها أو تبطلها من أساسها. هكذا، يبقى السؤال الذي يشغل بال عبد
الحميد هنية وزملائه وزميلاته: كيف نقارب ونحلل مجتمعتنا المغاربية من دون أن نكون
ناطقين باسم معرفةٍ مُنتجة ومبلورة في الخارج؟ ومع مرور السنين، بات بالإمكان القول،
من دون مبالغة، ان «دراسات» أصبح من الشخصيات المعنوية القليلة في العالم العربي التي
تؤدّي أدواراً متعددة في آن: مختبر للأفكار ولاحتكاكها المتبادل، وفريق دراسات، ومركز
أبحاث ودار نشر لمؤلفات بعضها جماعية، وبعضها الآخر لباحث واحد أنجز دراسته في إطار
أحد برامج ومشاريع «دراسات». من هنا، أمست مجموعة العمل تلك تؤدي وظائف أكاديمية تتمثل
في تعليم أصول البحث العلمي في المجالات الاجتماعية، وتأمين مكان لتبادل الأفكار وتصارعها
إن لزم الأمر، من خلال ورش العمل والندوات و«السيمنارات» والمحاضرات، وتوفير مساحة
للتعاون بين الجامعات المغاربية من جهة، وبينها وبين الجامعات الأجنبية المهتمة بمنطقتنا
من جهة ثانية... باختصار، يرغب فريق العمل بأن يصبح «مكاناً لإنتاج المعارف» المولودة
بفعل العمل الميداني، وتخريج الباحثين الشباب والحفاظ على «شباب» المكرّسين منهم عبر
حثّهم على الاستمرار في إنتاجهم المعرفي.
الغلبة واضحة للغة الفرنسية على نشاطات «دراسات»
وموقعه الالكتروني، وهي سمة طاغية في دول المغرب العربي. وبالنسبة لدَور النشر الذي
يؤدّيه، فقد صدر عنه العديد من المؤلفات الجدية بالعربية والفرنسية، منها «المصنع والجهات
في تونس، انفكاك المناطق الداخلية عن الصناعة» لـ حمادي تيزاوي (L’usine et la région en
Tunisie : le décrochage industriel des régions intérieures) و«في الثورة من منظور علم الاجتماع السياسي» للكاتب المولدي الأحمر، والمؤلف
الأحدث لمحمد الأزهر الغربي، بعنوان «تونس رغم الاستعمار»، وقبله «القداسة والسياسة»
لمصطفى تليلي
(Sainteté et politique).
أما حلقات النقاش التي ينظمها «دراسات»، فهي بدورها
مثيرة بمواضيعها ومحرّكيها، وقد تمحورت حول عنوان «الفضاءات العامة المتعددة لدول المغرب
العربي»، حيث تتداخل المجالات السياسية والدينية ووسائل الاعلام والاتصال والتكنولوجيات
الحديثة. ومن المواضيع اللافتة لندوات وورش عمل ومؤتمرات «دراسات»، «تجديد المشروع
الحداثي التونسي»، وآخر حول الثورة التونسية بين التسوية التاريخية والمواطنة...