احتلّ خبر إخلاء سبيل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وفرض الإقامة الجبرية بحقّه من قبل رئيس الوزراء، بصفته نائب الحاكم العسكري، صدارة الأحداث المصرية، لدلالته السياسية، وبسبب التفسير الذي لاقاه لدى البعض مِن أنه شبه تبرئة لرأس النظام السابق ولعهده. في هذا المقال، يفنّد الأستاذ في جامعة الاسكندرية، الدكتور فتوح الشاذلي، هذا القرار القضائي ــ السياسي من أوجهه القانونية البحتة، ليخلص إلى اعتباره مخالفاً لحالة الطوارئ التي تعيش مصر في ظلها منذ 14 آب/أغسطس الجاري، على ضوء قرار المحكمة الدستورية العليا في الثاني من حزيران/يونيو 2013 بعدم دستورية تخويل رئيس الجمهورية اتخاذ إجراءات القيود على الحرية والإقامة والتنقل. مخالفة يرى فيها الشاذلي خطورة، لا على المعني بالحكم (أي مبارك)، بل على فكرة سيادة القانون نفسها، وعلى نظرية مساواة المواطنين في انطباق الأحكام القانونية عليهم.
في البداية، يوضح كاتب الدراسة لموقع «المفكرة القانونية»، أنّ الإقامة الجبرية هي تدبير من تدابير الأمن التي يقررها قانون الطوارئ لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ. وبناء على ذلك، تكون الإقامة الجبرية المفروضة على مبارك، من قبيل تدابير الأمن التي تخولها حالة الطوارئ السارية في مصر منذ 14 آب/أغسطس الجاري وحتى 13 أيلول/سبتمبر 2013، ما لم يتقرر إنهاؤها قبل هذا التاريخ إذا زال موجب فرضها. وهنا يطرح الشاذلي التساؤل عن ضوابط فرض الإقامة الجبرية، وعن صاحب الحق بفرضها. ويشير في هذا السياق إلى أن فرض الإقامة الجبرية من اختصاص رئيس الجمهورية أو من ينوب عنه في اختصاصاته المنصوص عليها في قانون الطوارئ كلها أو بعضها. ويذكّر بأن الرئيس الموقت عدلي منصور قرّر في 22 تموز/يوليو 2013 تفويض رئيس مجلس الوزراء «بعض» اختصاصاته المنصوص عليها في قانون الطوارئ، لافتاً إلى أن الاختصاص بفرض قيود على حرية وحقوق الأشخاص في الإقامة والتنقل والمرور في أماكن وأوقات معينة ليس من بين الاختصاصات الواردة في التفويض. بالتالي، فإنّ قرار رئيس الوزراء فرض الإقامة الجبرية على مبارك يشكل مخالفة صريحة لقانون الطوارئ، وللمعني به أن يتظلم منه وأن يطعن فيه أمام القضاء الاداري.
وينتقل الشاذلي إلى موضوع مدّة حالة الإقامة الجبرية التي يجب أن تتقيد بمدة حالة الطوارئ، وأن تنقضي مع انتهائها ما لم يكن قرار فرضها قد حدّد لها مدة أقل من مدة الطوارئ.
أما عن الحجة التي بررت فيها السلطات قرار فرض الاقامة الجبرية على مبارك، وهي «تهدئة الرأي العام في هذه الظروف الاستثنائية»، فيلفت الشاذلي إلى أن هذه الحجة «قد تعطي إشارة خاطئة مفادها أن الدولة غير قادرة على توفير الحماية الواجبة لمبارك»، علماً أنّ قرار المحكمة بإخلاء سبيل الرئيس الأسبق قضى باسترداده لحريته كاملة من دون قيود، شأنه شأن أي مواطن آخر.
ويختم الشاذلي مطالعته القانونية بالتشديد على أن «فرض الإقامة الجبرية على الرئيس الأسبق مبارك أو على غيره من المسؤولين أو المواطنين العاديين في ظل الطوارئ، من دون تقيد بالضوابط والشروط التي نص عليها قانون الإجراءات الجنائية، هو إجراء غير دستوري ويخالف صحيح القانون».
ولا يفوت الكاتب التنبيه إلى أنّ دراسته تلك قد يُساء تفسيرها من خلال وضعها في خانة الدفاع عن مبارك ورموز حكمه، فيجزم في الخلاصة بأن «ذلك لا يعني دفاعاً عن الرئيس الأسبق أو انحيازاً له أو لغيره، لكنه دفاع عن الحق والعدل وانحياز للدستور ولسيادة القانون الذي يحمينا جميعاً».
عن المفكرة القانونية