بأصوات الشباب والمهاجرين: زمن ممداني الجديد

صار عمدة مدينة نيويورك المنتخب بـ50.4 بالمئة من الأصوات، بأصوات أكثر من مليون ناخب، بما يتجاوز عدد الأصوات التي حصل عليها منافساه كومو والجمهوري كورتيس سليوا مجتمِعَين. حصل ممداني على 62 في المئة من أصوات من هم دون الثلاثين، وأكثر من نصف أصوات الفئة بين 30 و44 عاماً. واستطاع الحصول على 33 في المئة من أصوات يهود المدينة.
2025-11-06

شارك
عمدة نيويورك المنتخَب زهران ممداني في أحد شوارع نيويورك أثناء حملته الانتخابية (غيتي).
إعداد وتحرير: صباح جلّول

"ما لا أمتلكه من الخبرة، يمكنني التعويض عنه بنزاهتي. لكن ما لا تملكه أنتَ من النزاهة لا يمكن التعويض عنه بأي مقدار من الخبرة". بهذه الكلمات اختصر زهران ممداني، ابن الـ34 عاماً، سباقه الانتخابي على منصب عمدة نيويورك ضد أندرو كومو، حاكم مدينة نيويورك السابق.

في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2025، وجدت مدينة نيويورك نفسها أمام لحظة تاريخية نادرة. فاز زهران ممداني، الديمقراطي الاشتراكي، "الشاب"، "ابن المهاجرين"، "المسلم" بمنصب عمدة نيويورك، بعد أشهر حامية، حشد فيها كومو (الديمقراطي المستقل المدعوم من دونالد ترامب) كل ما يستطيع لشيطنة غريمه.

شيء من الأمل

منذ أربع سنوات فقط، كان ممداني محبَطاً بشدّة من فوز إريك آدامز بمنصب العمدة. نقلت مجلة "النيويوركر" عن أحد أصدقاء ممداني إن الأخير قال: "من سنرشّح بعد أربع سنوات ضد هذا الرجل؟"، وعندما اقترح أصدقاءه أن يترشح هو، كان رده بأنه "صغير جداً في السن" و"لن يأخذوني على محمل الجدّ إطلاقاً". برهن ممداني بنفسه على سوء تقديره الأولي ذاك. صار عمدة مدينة نيويورك المنتخب بـ50.4 بالمئة من الأصوات، بأصوات أكثر من مليون ناخب، بما يتجاوز عدد الأصوات التي حصل عليها منافساه كومو والجمهوري كورتيس سليوا مجتمِعَين، وذلك بعد حملة انتخابية غير تقليدية قادها فريقه، شكلت سابقة من نواحٍ متعددة لجهة كيفية إدارة الحملات: تكلّم ممداني مع ناخبيه بالعربية والإسبانية، أمضى معظم وقته في التحشيد في شوارع المدينة والأماكن العامة والمحلات التجارية متحدثاً مع المواطنين، ظهر مبتسماً وخفيفاً وسريع البديهة، يذيّل مقاطع فيديو ترويجية على منصة انستغرام بأغنية بوب ديلان "هلمّوا أيها الناس، من كلّ حدبٍ وصوب"، التي ينتهي كل مقطع منها بجملة "لأنّ الأزمنة تتغيّر"...

خلف تلك الحملة وبصرياتها، كان برنامج ممداني هو المادة الدسمة التي حصلت على انتباه الناس، ثمّ دعمهم: الوعود بتجميد الإيجارات في مدينة نيويورك، جعل النقل العام مجانياً، حماية مجتمعات المهاجرين ومكافحة عنف الشرطة، دعم العمّال والنقابات وفرض ضرائب على الفئات الأغنى. الأسباب نفسها التي جعلته عدوّ أغنياء نيويورك وأقويائها، جعلته محبوب جزء واسع من الطبقات العاملة. بهذه الأسباب، مضافاً إليها خيبة النيويوركيين من إدارات المدينة السابقة، والغلاء الفاحش، استطاع ممداني الفوز، بلا خبرة إدارية طويلة، وبدون شبكة علاقات متغلغلة في النظام السياسي، وبخلفيته الهندية-الأوغندية، وانتمائه الديمقراطي الاشتراكي، وهويته المسلمة والمهاجِرة. "اليوم نتنفس هواء مدينةٍ وُلدتْ من جديد"، قال للنيويوركيين في خطاب فوزه.

من صوّت لممداني؟

شهدت نيويورك أعلى نسبة تصويت في تاريخها الحديث: أكثر من مليوني ناخب أدلوا بأصواتهم، في أكبر مشاركة في انتخابات عمدة نيويورك منذ العام 1993. أمّا عنصر الحسم، فكانت فئة الشباب. 

حصل ممداني على 62 في المئة من أصوات من هم دون الثلاثين، وأكثر من نصف أصوات الفئة بين 30 و44 عاماً. في تناقض واضح، حصّل منافسه كومو أصواتاً أكثر مع ارتفاع الفئة العمرية. وُصِفت هذه الانتخابات بأنها استفتاء على ما يريده جيل كامل يريد استعادة مدينته. وقد وجد هذا الجيل، المثقَل بهموم معيشية وديون وانغلاق أفق سياسي، في ممداني نسمة أمل. مرشح يكلّمهم بأسعار الباص والمترو والايجارات والوظائف.

إلى جانب فئة الشباب، كان واضحاً حصول ممداني على نسب عالية من أصوات الأقليات والمهاجرين الذين شكّلوا جزءاً كبيراً من خطاب ممداني وبرنامجه. "ندير ظهرنا لسياسة تفيد قلة وتتجاهل الأكثرية"، يقول ممداني.

"مدينة يمكننا تحمل كلفة العيش فيها"، "مسكن لذوي الدخل المحدود"، "رعاية صحية لأطفال الجميع"، "زهران لعمدة نيويورك".. بعض شعارات حملة ممداني ومناصريه. (غيتي)

في حين لم تعارض إدارة العمدة الديمقراطي المنتهية ولايته، إريك آدامز، مداهمات دائرة الهجرة والجمارك (ICE) سيئة الذكر، لخطف المهاجرين وترحيلهم، عبّر ممداني عن رفضه لتلك الإجراءات. "نيويورك مدينة من المهاجرين، بُنيت بأيدي المهاجرين، قوتها العاملة مهاجِرة، وبدءاً من هذه الليلة، يقودها مهاجر"، جاء في خطاب فوزه.

هلع ترامب والصهاينة

"هكذا يبدأ الأمر"، كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على منصته "تروث سوشال" بعد إعلان فوز ممداني، بدون أي تعليق إضافي. ما كتبه ترامب مُتّسِق مع جهده لتخويف الأميركيين من المدّ "الإسلامي" تارة، و"المهاجر" تارة أخرى، و"الشيوعي" أحياناً. فترامب يرفض وصف ممداني بالتقدمي الاشتراكي ويصرّ على وصفه بالشيوعي، لأن الأدبيات الأميركية جعلت من الشيوعية "بعبعاً أحمر". أضاف ترامب إنّ أي "يهودي من نيويورك يصوت لممداني هو شخصٌ غبي"، محاوِلاً القول إن ممداني معادٍ للسامية، لكن الشاب استطاع الحصول على 33 في المئة من أصوات يهود المدينة حسب استطلاع أجرته شبكة سي.إن.إن. ردُّ ممداني على ترامب جاء مباشِراً في خطاب فوزه: "دونالد ترامب، أعلم أنك تشاهد. لدي كلمتان لك: ارفع الصوت".

يافطة مرفوعة من يهود معادين للصهيونية من نيويورك: "زهران ممداني، صديق لليهود، صفر بالمئة تمويل من اللوبي الصهيوني/ آيباك" (رويترز).

"مؤيد لحماس" هي العبارة التي تلفّ على ألسنة الإسرائيليين. دعا وزير ما يُسمّى الشتات الإسرائيلي يهود المدينة إلى "الهجرة إلى إسرائيل" بحال فاز ممداني، قائلاً "إن المدينة التي كانت يوماً رمزاً للحرية العالمية قد سلّمت مفاتيحها لمؤيد لحماس". لجأ الإعلام الإسرائيلي والأميركي العنصري إلى مقارنته بتنظيم القاعدة وتذكير النيويوركيين بأحداث 11 أيلول/سبتمبر!

ممداني في تظاهرة احتجاجية أمام البيت الأبيض أثناء رئاسة بايدن، مطالباً بإنهاء الإبادة والتجويع على غزة.

روّج أعداء ممداني في الأسبوع السابق للانتخابات مقطع فيديو لوالده الكاتب والباحث الانثروبولوجي محمود ممداني يقول فيه "أنا لا أرى نموّاً لمعاداة السامية، إنما نمواً لمعاداة الصهونية. الأمران مختلفان تماماً". وخرج مقطع آخر يقول فيه إن إبادة الأميركيين الأصليين، ومن ثم نفي من بقي منهم في محميات منفصلة هي النموذج الذي ألهم هتلر، ولاحقاً الصهاينة، وحاولوا أن يدينوا ممداني الابن بهذا الإرث. لم يستسغ هؤلاء وصف ممداني لإسرائيل بـ"نظام الفصل العنصري"، ولا تصريحه بأنه بالتأكيد سيلقي القبض على بنيامين نتنياهو إذا زار مجرم الحرب المدينة أثناء توليه مسؤوليته كعمدة.

لم يتسلم ممداني منصبه الجديد عمدةً لنيويورك رسمياً بعد، إلا أنه تسبب بالفعل بانزياحات كبيرة في داخل الولايات المتحدة. "لقد أطحنا بسلالة سياسية حاكمة"، أعلن ممداني منتصراً.

مقالات من العالم

صون شعاع الأمل المتجدِّد

هذا صراع عنيف وشرس، لم يتوقف يوماً، منذ فجر التاريخ وإلى اليوم. ينتصر الخير أحياناً، وينتكس في أحايين أخرى، وينهزم مرات. وحين ينتصر، يُصاب البشر بالنشوة، وحين ينهزم يهبطون إلى...

عمال المرافئ الإيطاليون: العرقلة سلاح الشعوب

2025-10-02

لا يعوّل العمال بكل تأكيد على حكومتهم اليمينية الصديقة للاحتلال، بل على تصعيدهم الجدّي، الذي كان جلياً مع المظاهرات التاريخية التي خرجت تحت عنوان "لنعطِّل كلّ شيء" الأسبوع المنصرم، والتي...

بانكسي يضع مرآة أمام أوروبا

2025-09-11

قال الفنان نفسه ذات مرة: "إنّ أكبر الجرائم في العالَم لا يرتكبها الأشخاص الذين يخرقون القانون، بل يرتكبها أولئك الذين يتبعون القوانين. أولئك الذين يتبعون الأوامر هم مَن يلقون الصواريخ...