إعداد وتحرير: صباح جلّول
"أنا من السودان. اسمعوا صوتنا!
في الوقت الذي أقوم فيه بكتابة هذه الرسالة، ثمة عشرات المواطنين يُقتلون قصفاً أو تصفيةً ، وآخرون جوعاً بسبب الحصار.
الناس في مدينة الفاشر يموتون بأبشع الطرق، يُبادون دون أي سبب، لا يستطيعون حتى النزوح إلى اللامكان.
الموت يلوح في كل شبر في تلك المدينة، وأنا ليس بوسعي سوى أن أُخبر العالم بذلك، والدعاء لهم.
كل هذا بفعل قوات مليشيا الدعم السريع"... هكذا كتبت شابّة سودانية.
"هؤلاء يتكلمون العربية، لكنّهم صهاينةُ الفعل"، هكذا كتب شاب سوداني، معلّقاً على مقطع مصوّر – واحدٍ من عشرات المقاطع الرهيبة المنتشرة للفظائع التي تُرتَكب في الفاشر. في الفيديو شاب يبدو أنه لم يتجاوز العشرين من عمره، يقول "بتتكلموا عن محرقة، دي المحرقة"، بابتسامة كبيرة ترتسم على وجهه، ووجه بضعة شبان حوله. يضيف "الحمد لله. انحرقوا والله، صاروا مشاوي"، بلا تردد ولا وَجل، بلا أن يهتزّ صوته ولو قليلاً، فيما تمتد خلفه فوق الرمال سيارات محروقة وجثث وخراب.
"لا إصابات في الفاشر، الجميع شهداء". تطالعنا الجملة متكررة على صفحات سودانية عدّة. صفحات كانت يوماً مخصصة لشباب الثورة السودانية بكل ما مَلأهم بالأمل بغدٍ أفضل صرخوا ملء حناجرهم لأجل تحقيقه، يملؤها الآن الخوف على بلاد تعيش رثاءً مفتوحاً. قد تبدو الجملة مبالَغة هائلة، فكيف يُقتَل كلّ من في المدينة؟ الجواب في أن من نجا قد "قُتل" جزء منه كذلك من هول ما جرى ويجري.
سقطت الفاشر في يد ميليشيات الدعم السريع، وفُتحَت عليها أبواب الجحيم بين 26 و28 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي. يمثل سقوط المدينة نقطة تحول مفصلية، فهي آخر ولايات دارفور الخَمس التي كانت ما تزال بيد الجيش، ومع سيطرة الدعم السريع عليها، تكون دارفور بالكامل قد باتت تحت سيطرة هذه الميليشيات.
تكتب زميلتنا الصحافية شمائل النور: "الدعم السريع إن انهزم أقام المجازر، وإن انتصر أقام المجازر". الأدلة على ذلك في كلّ مكان... وكأنّ الاحتلال الإسرائيلي فتح الأبواب على مصراعيها تطبيعاً لتصوير جرائم الحرب والاعتراف بها ونشرها على منصات التواصل بخفّة تثير الجنون.
مرة يكون مقطعاً مصوراً لتصفية حرجى ومصابين في المستشفى السعودي في الفاشر، ومرة لحرق مدنيين أحياء، مرة للدوس على أجساد الأحياء بالجيبات العسكرية، أو لقتل أمّ عزلاء أمام أعين أطفالها... فظاعات لا تنتهي، وتجعل المرء في حيرة من أمر قسوة قلب البشر. ما يسميه الدعم السريع انتصاراً ليس سوى مجزرة منفلتة مقززة...
حتى اللحظة..
حسب الأرقام الأولية المتدَاولة، فقد أُعدِم أكثر من ألفي مواطن أعزل بين 26 و27 تشرين الأول/ أكتوبر لوحدهما، بينهم عشرات النساء والأطفال وكبار السن. تؤكد تقارير المنظمات الدولية توارد أدلة عن انتهاكات متعددة مدعّمة بصور من الأقمار الاصطناعية.
قال متحدث عن مختبر جامعة ييل الأميريكة الذي حلل هذه الصور الجوية إن المدينة "تشهد على ما يبدو عملية تطهير عرقي ممنهجة ومتعمَدة لمجتمعات الفور والزغاوة والبرتي الأصلية غير العربية، من خلال التهجير القسري والإعدام"، مضيفاً أن ذلك يتم في ما يبدو أنه "عمليات تطهير من منزل إلى منزل" في المدينة.
تكتب زميلتنا الصحافية شمائل النور: "الدعم السريع إنْ انهزم أقام المجازر، وإنْ انتصر أقام المجازر". الأدلة على ذلك في كلّ مكان... وكأنّ الاحتلال الإسرائيلي فتح الأبواب على مصراعيها تطبيعاً لتصوير جرائم الحرب، والاعتراف بها، ونشرها على منصات التواصل بخفّة تثير الجنون.
حسب المدير التنفيذي لمختبر جامعة ييل، فإن أدلة الأقمار الصناعية أظهرت وجود جثث على الأرض وتغيُّر لونها إلى الأحمر، قائلاً إن هذا المستوى من العنف الذي شوهد في الساعات الأربع والعشرين الأولى يمكن مقارنته بالإبادة الجماعية في رواندا.


تقصَّدت ميليشيا الدعم السريع استهداف عدة شخصيات سودانية بارزة، بينها أصغر برلمانية في تاريخ السودان، النائب السابقة سهام حسن حسب الله، وهي شابة معروفة بنشاطها في العمل المجتمعي، وما يخص قضايا النساء والشباب، ومشهود لها بجهدها التطوعي في إدارة تكايا لمواجهة الجوع وتوزيع الطعام في المدينة. وبشكل مريع، خرجت صور ومقاطع فيديو مؤلمة للجريمة التي "يفخر" بها منفذوها.

كما تواردت أخبار عن استشهاد عدد من المتطوعين في مبادرات المطابخ الجماعية، وتم التداول بفيديو لعناصر الدعم السريع يأمرون شباباً بحفر قبورهم بأنفسهم...
تضم الفاشر عدداً كبيراً من مخيمات النزوج للاجئين الذين نزحوا من دارفور إلى شمالها وغربها، منها مخيم زمزم الذي يحتوي لوحده أكثر من 400 ألف إنسان يعيشون في ظروف صعبة.
المنطقة غنية جداً بالموارد الطبيعية والثروات الحيوانية والمعدنية. هي ذات أهمية اقتصادية، عسكرية وسياسية. في المناطق القريبة من الفاشر، مثل جبل عامر، تنتشر مناجم الذهب والتعدين. وهو ما يفسّر تمويل الميليشيا ودعمها من دول أخرى تسعى لنفوذ ما، ولوضع اليد على مصارد المعادن والذهب في المنطقة.
قبل هذا كله، عاشت الفاشر حصاراً قاسياً امتدّ لأكثر من عام، وأدى إلى تفشي الجوع بين الناس. حسب التقديرات، توفي 23 مواطناً في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي بسبب سوء التغذية، منهم خمسة نساء حوامل و18 طفلاً!
نظراً لموقعها الاستراتيجي، كانت الفاشر مسرحاً أساسياً لمعارك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ليست هذه الفظاعات بجديدة عليها، ففي 23 حزيران/ يونيو الماضي، هاجمت قوات الدعم السريع المركز الوحيد لغسيل الكلى في شمال دارفور، فحكمت بذلك على كل مصابي الكلى بالموت سريعاً... أو بطيئاً.
والفاشر تضمّ عدداً كبيراً من مخيمات النزوج للاجئين الذين نزحوا من دارفور إلى شمالها وغربها، منها مخيم زمزم الذي يحتوي لوحده أكثر من 400 ألف إنسان يعيشون في ظروف صعبة.
تعتبر الفاشر موطناً لمجموعات قبلية وإثنية شديدة التنوع، منها الزغاوة والفور والمساليت، الذين يقيم أكثرهم في معسكرات النزوح المتعددة. كما أن هناك قبائل ذات أصول عربية تسكن جنوب دارفور.

لماذا الفاشر؟
تعرف الأطراف المتقاتلة أهمية إقليم دارفور ومدينة الفاشر. المنطقة غنية جداً بالموارد الطبيعية والثروات الحيوانية والمعدنية. هي ذات أهمية اقتصادية، عسكرية وسياسية. في المناطق القريبة من الفاشر، مثل جبل عامر، تنتشر مناجم الذهب والتعدين. وهو ما يفسّر تمويل الميليشيا ودعمها من دول أخرى تسعى لنفوذ ما، ولوضع اليد على مصارد المعادن والذهب في المنطقة.
السودان: لماذا تدعم الإمارات قائد مليشيا؟
07-11-2019
حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، نُشر في 28 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، فقد عُثِر على معدات عسكرية بريطانية في ساحات القتال بالسودان، استخدمتها قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب إبادة جماعية، وذلك وفقاً لوثائق اطلع عليها مجلس الأمن الدولي.
عَرَّض هذا المملكة المتحدة لمساءلة حول استمرار تصديرها الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة، بما أن الأخيرة هي المتهم الأول بتزويد ميليشيات الدعم السريع في السودان بالأسلحة التي يتم استخدامها تالياً في ارتكاب جرائم الحرب والتطهير العرقي.


