عزيز قوم ذلّ.. رحلة انهيار العملة اليمنية من الوحدة إلى الحرب

مع شهر تموز/ يوليو 2025، تسارعتْ وتيرة تهاوي قيمة الريال بصورة مُفزعة. كان لا بدّ من تدخّل حكومي، لحفظ ماء وجه الدولة التي ينخرها الفساد والإحباط، وحال مزرية من اللامبالاة. حينها تجاوز سعر صرف الدولار الواحد حاجز 2800 ريال، وكان يقترب من 2900 ريال، والانهيار مستمر. تتّضح هنا بعض خيوط التلاعب المصرفي - وربّما السياسي أيضاً - المتجرِّد من المسؤولية. تتّضح كذلك فداحة الغفلة الحكومية عن ضبط المتلاعبين بالعملة، باعتبار المضاربة بالعملة الوطنية جريمة أمن قوميّ. فما الذي ينتظر الريال؟ ما الذي ينتظر البسطاء الذين ليس لديهم قدرة الكسب بالدولار أو بالريال السعودي؟
2025-08-18

لطف الصَّرَاري

قاص وصحافي من اليمن


شارك
الريال اليمني

مع استمرار تهاوي عملتهم الوطنية أمام العملات الأخرى، لاسيّما في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً، يتذكّر اليمنيون قيمتها الشرائية منذ منتصف القرن العشرين. يتذكرون قيمتها حتى منذ ما قبل ذلك، حين كانت البلاد، شمالها وجنوبها، تستعير عملات وسيطة للتداول، مثل شِلِن شرق إفريقيا، والريال النمساوي الفضي "ماريا تريزا"، أو ما كان يُعرَف محلياً بالريال "الفِرَنصي". نوع من الحنين يجتره كبار السنّ بحسرة، ويستقبله بسخط وتذمّر كلّ من وعى الدنيا قبل الحرب الأخيرة، التي لم تضع أوزارها بعدُ، منذ سنة 2014. حنينٌ قاتل، لكن يبدو أنه، بالنسبة إليهم، أرحم من التهاوي الفتّاك للريال وقيمته الشرائية، بطريقة العدّ التنازلي لأيام شخص يحتضر.

في تموز/ يوليو 2024، كانت قيمة الدولار الواحد في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، تساوي 1890 ريالاً. وفي الشهر نفسه من سنة 2025، وصلت قيمة الدولار إلى 2865 ريالاً، مع استمرار الانهيار. كما كانت قيمة الريال السعودي تساوي 495 ريالاً يمنياً، ثمّ حال الحول وهو حالياً يساوي 745 ريالاً. وعلى الجانب الآخر، قد تبدو قيمة الريال شبه ثابتة في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين (أنصار الله)، إذ هبط خلال الفترة نفسها من 524 ريالاً، إلى 534 ريالاً للدولار الواحد، بينما يتراوح الريال السعودي بين 139 و140 ريالاً يمنياً. 

غير أن القيمة الشرائية الفعلية للريال في مناطق سيطرة جماعة "أنصار الله"، أقلّ مما تعكسه قيمته أمام الدولار والريال السعودي. وبحسب مختصين في مقارنة الأسعار، فإنه حين يتم تسعير السلع الأساسية بما يعادلها من الدولار أو الريال السعودي، يتّضح أن هناك سلعاً، لا سيما بعض السلع الغذائية والدوائية، سعرها في مناطق سيطرة الحكومة أرخص من سعرها في مناطق سيطرة الحوثيين (أنصار الله). لكن بمقارنة الأرقام الفلكية المتصاعدة لأسعار السلع في مناطق الحكومة، بمداخيل العمال والموظفين الذين يتقاضون أجور عملهم بالريال اليمني، فلن يكفي راتب شهر كامل لشراء كيس من طحين القمح. وهذا لا يعني بالطبع، أنّ المواطنين لا يعانون أيضاً في مناطق سيطرة الحوثيين.

نقاط انهيار

بصرف النظر عن الهبوط التدريجي، هناك عدة نقاط انهيار للريال، أُولاها كانت عقب حرب صيف 1994. حينها كانت هناك عملتان رسميتان للبلد الذي تَوحّد لتوه: الريال، والدينار.

قبل أن يصبح الريال المتداول حالياً العملة الرسمية الوحيدة، كان عملة الجمهورية العربية اليمنية (شمال)، بينما كان الدينار العملة الرسمية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب). بعد توحيد الدولتين تحت اسم وراية الجمهورية اليمنية في 22 أيار/ مايو 1990، ظلّ الريال والدينار عملتين متداولتين رسمياً في اليمن الموحّد. وفي حزيران/ يونيو 1996، أيْ بعد سنتين من حرب صيف 1994 بين شريكَي الوحدة، تمّ إلغاء التعامل بالدينار.

إذا ما نظرنا قليلاً إلى الخلف، سوف نرى أن الريال والدينار كلاهما أُصدِرا مع أولى خطوات النظام الجمهوري الوليد في الشطرين (1962 في الشمال، و1963 في الجنوب). وكان سعر الدينار ثابتاً أمام الدولار والعملات الرئيسية الأخرى، كالريال السعودي وغيره. بدأ إصدار الأول في صنعاء سنة 1964، والثاني في عدن سنة 1965، وكان هناك بعض الفروق بين العملتين خلال السنوات الـ23 التي سبقت الوحدة، ومنها على سبيل المثال، أنّ السكّ المبكر للريال كان يتم في "دار السَّكة" بصنعاء، وهو إحدى تركات الاحتلال العثماني الثاني (1872-1918)، ولاحقاً في مصر التي كانت تدعم الجمهورية الوليدة في الشمال كما هو معروف. أمّا الدينار، فكان أول إصدار له في 1965، وظلّت جميع إصدارات فئاته تُسكّ أو تُطبَع في بريطانيا.

لم يكن البنك المركزي في عدن قادراً على وقف انهيار العملة بدون إسناد قراراته من قبل السلطة القضائية والضبطية. فشكّل لجنة حكومية "لتنظيم وتمويل الواردات". وبين 29 تموز/ يوليو و6 آب/ أغسطس 2025، أصدر البنك ثمانية قرارات قضت بسحب وإيقاف تراخيص 23 شركة صرافة عاملة في عدن. تولى تنفيذ هذه القرارات مجلس القضاء الأعلى، وقوات مكافحة الإرهاب في التنفيذ الميداني، وإغلاق مقرّات شركات ومنشآت الصرافة المخالِفة.

بحسب المعلومات المتداولة على نطاق واسع عن فترة ما قبل الوحدة، كان الدينار في الجنوب يعادل قرابة ثلاثة دولارات، نظراً لعدة أسباب أهمها: ارتباطه بالجنيه الإسترليني، إضافة إلى ما يسمى بالاقتصاد المغلق، أي احتكار الدولة للعملات الأجنبية والتجارة الخارجية، وإشرافها المباشر على التجارة الداخلية. أما الريال في الشمال، فكانت قيمته خلال أول خمس سنوات من إصداره (1964-1969) تساوي 1.25 دولاراً. ظلت قيمة الريال تهبط كلّ عشر سنوات أو أقل. فمثلاً خلال السنوات من 1973-1982، هبط إلى 4.5 ريالات للدولار الواحد، وعند الإعلان عن الوحدة عام 1990، كان الدولار يساوي 12 ريالاً، ثمّ بقفزة واحدة، هبطت قيمة الريال سنة 1995 إلى 50 ريالاً للدولار الواحد. 

كانت تلك نقطة الانهيار الأولى، ولم يكن السبب خافياً: حرب 1994، وما تلاها من أزمات سياسية أعاقت حكومات دولة الوحدة عن مواكبة التطورات الاقتصادية المتسارعة عالمياً. بحلول سنة 2010، كان سعر الدولار الواحد 240 ريالاً، ولم يتعاف الريال قليلاً (215 ريالاً/ 1 دولار) سوى خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة شباط/ فبراير 2011 (ثلاث سنوات)، وهو تعافٍ مصطنع، لجأت فيه الحكومة الانتقالية إلى دعم استقرار العملة من خلال احتياطي النقد الأجنبي.

على إثر اندلاع الحرب الراهنة في أيلول/ سبتمبر 2014، مروراً بانعطافتها الكبرى في آذار/ مارس 2015، ظلت قيمة الريال تهبط تدريجياً إلى أن تجاوزت حاجز 400 ريال للدولار الواحد سنة 2018. حينها، كانت الحكومة المعترف بها دولياً قد أكملت نقل إدارة البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، وطبعت أكثر من أربعة مليارات ريال بدون غطاء اقتصادي، مع تغيير شكل الورقة النقدية لتمييزها عن الطبعة القديمة المتداوَلة في مناطق سيطرة الحوثيين. غير أن تلك الخطوة عادت بالوبال على قيمة الريال، في حين منعت سلطات الحوثيين ("أنصار الله") تداول الطبعة الجديدة في مناطق سيطرتها.

حتى ذلك الوقت، كانت لا تزال قيمة الريال موحدة، على الرغم من وجود طبعتين بمقاسين مختلفين. لكن الحوثيين كانت لهم تقديرات مختلفة عن تقديرات الحكومة. ففي حين تغاضوا في البداية جزئياً عن تداول الطبعة الجديدة في مناطق سيطرتهم الواقعة على تماس مع مناطق سيطرة الحكومة، عادوا إلى منع تداول الطبعة المتعارف على تسميتها "قُعَيطي" نسبة إلى محافظ البنك المركزي أثناء إصدارها، مُنصّر القعيطي. ومع بداية سنة 2019، بدأت رحلة انهيار جديدة للريال، وصولاً إلى 606 ريال للدولار الواحد في منتصف سنة 2020 في صنعاء، و760 ريالاً في عدن، بينما وصلت قيمة الريال أمام الريال السعودي في صنعاء إلى 157 ريالاً، وفي عدن 198 ريالاً. 

مئة ريال يمني معدني

السقوط المُذل

ظلّ هذا السعر ثابتاً في صنعاء، لكن في عدن أسفر تأرجح سعر الصرف عن تجاوز حاجز الألف ريال للدولار الواحد في آب/ أغسطس 2021، واقتراب سعر الريال السعودي من 300 ريال يمني. وفي ما يشبه السقوط المذلّ، تهاوتْ قيمة الريال اليمني في ما بين مطلع آب/ أغسطس ومطلع كانون الأول/ ديسمبر من السنة نفسها، من 1015 ريالاً، 1700 ريال. ومع تدفق بعض المنح المالية والودائع السعودية لتعزيز احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي، بدأ الريال يتعافى نسبياً، وصولاً إلى 800 ريال للدولار الواحد، و225 ريال للريال السعودي في بداية كانون الثاني/ يناير 2022. 

كان بالإمكان البناء على هذا التعافي، لاسيما أنه جاء إثر إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي، وما لبث أن حلّ شهر نيسان/ أبريل 2022، الذي شهد توقيع الهدنة بين طرفي الحرب الرئيسيين، كما شهد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، الذي نُقلت إليه صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة. كذلك، كان بالإمكان البناء على تعافي الريال إثر منحة الثلاثة مليار دولار من السعودية والإمارات، بالتزامن مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، لكن الأحداث اللاحقة أكدت أن قيمة الريال ليست مهمة سوى لمن يتقاضى راتبه أو يكسب رزقه بالريال. أما من يتقاضى راتبه بالدولار أو بالريال السعودي، كما هو حال كبار قادة السلطة المعترف بها دولياً، فقد بدى ذلك التعافي للريال أشبه بعرض دعائي مرافق لتشكيل مجلس القيادة.

بحلول سنة 2010، كان سعر الدولار الواحد 240 ريالاً، ولم يتعاف الريال قليلاً (215 ريالاً / 1 دولار) سوى خلال المرحلة الانتقالية، التي أعقبت ثورة شباط/ فبراير 2011 (ثلاث سنوات)، وهو تعافٍ مصطنع لجأت فيه الحكومة الانتقالية إلى دعم استقرار العملة من خلال احتياطي النقد الأجنبي.

كان بالإمكان البناء على تعافٍ جاء إثر إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي، ثم توقيع الهدنة بين طرفي الحرب الرئيسيين في نيسان/ أبريل 2022، وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي. كان بالإمكان البناء على تعافي الريال إثر منحة الثلاثة مليار دولار من السعودية والإمارات... لكن الأحداث اللاحقة أكدت أن قيمة الريال ليست مهمة سوى لمن يتقاضى راتبه بالريال. أما من يتقاضى راتبه بالدولار أو بالريال السعودي، فقد بدى ذلك التعافي للريال أشبه بعرض دعائي...

في صبيحة اليوم الذي أُعلن فيه عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي (7 نيسان/ أبريل 2022)، ارتفعت قيمة الريال من 1150 إلى 750 ريالاً للدولار الواحد، ومن 305 ريالات إلى 180 ريالاً لكلّ ريال سعودي. غير أن الأمر تغيّر جذرياً في مساء اليوم نفسه، بعودة سعر الدولار إلى 1000 ريال، والريال السعودي إلى 265 ريالاً.

بالتزامن مع ذلك، اتخذت سلطات الحوثيين، في مناطق سيطرتهم، إجراءات صارمة ضد شركات الصرافة التي تشتبه بتلاعبها بأسعار صرف العملة، بما في ذلك إجراءات قمعية ومصادرة أموال، وهكذا ظلّ سعر الريال في مناطق سيطرتها مستقراً، على الرغم من تصاعد أسعار السلع، لاسيما الوقود والسلع الاستهلاكية. وعلى إثر توقيع هدنة نيسان/ أبريل 2022، استفادت سلطة صنعاء من تعافي الريال في مناطق الحكومة، وخفّضت سعر الدولار من 600 ريال إلى 530 ريالاً، ثم استغلت زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء في الشهر نفسه، وخفضت سعر الريال السعودي من 158 إلى 140 ريالاً. أما على الجانب الآخر، فلم تُجدِ أيّ إجراءات من جانب الحكومة المعترف بها دولياً لوقف انهيار العملة، وظلّ الإجراء الوحيد الذي يمكن أن يوقِف الانهيار مؤقتًا، مقتصراً على إيداع نقد أجنبي إلى البنك المركزي في عدن، وهي غالباً ودائع أو مِنَح سعودية بالدولار أو بالريال السعودي. غير أن هذه المنح سرعان ما تتبخر، في المزادات التي يطلقها البنك المركزي، لبيع العملة الصعبة لكبار التجار المستوردين.

قعر الهاوية

ما من قعر معلوم للهاوية التي يواصل الريال اليمني سقوطه فيها، وعلى الأخص في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً. لا يزال يهوي متعثراً بمحاولات إنقاذه، وما إن يَعْلَق بجرف أو نتوء على جوانب الهاوية، حتى يركله مُضارِب جشع، من دون أن يعرف إلى أين يمكن أن توصله ركلته ولا ما تأثيرها على الناس البسطاء. 

في تموز/ يوليو 2024، كانت قيمة الدولار الواحد في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، تساوي 1890 ريالاً. وبعد عام بالظبط، وصلت إلى 2865 ريالاً. كما كانت قيمة الريال السعودي تساوي 495 ريالاً يمنياً، ثمّ هو حالياً يساوي 745 ريالاً يمنياً. وبمقارنة الأرقام المتصاعدة لأسعار السلع في مناطق الحكومة، بمداخيل العمال والموظفين الذين يتقاضون أجور عملهم بالريال اليمني، فلن يكفي راتب شهر كامل لشراء كيس من طحين القمح.

على الجانب الآخر، قد تبدو قيمة الريال شبه ثابتة في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين (أنصار الله)، إذ هبط خلال الفترة نفسها من 524 ريالاً، إلى 534 ريالاً للدولار الواحد، بينما يتراوح الريال السعودي بين 139 و140 ريالاً يمنياً. غير أن القيمة الشرائية الفعلية للريال في مناطق سيطرة جماعة "أنصار الله"، أقلّ مما تعكسه قيمته أمام الدولار والريال السعودي.

في منتصف سنة 2024، نشبت أزمة مالية بين طرفي الحرب الرئيسيين، كادت أن تعيد الحرب إلى مربعها الأول. أصدر البنك المركزي في عدن مجموعة من القرارات بهدف تضييق الخناق مصرفياً على جماعة الحوثيين "أنصار الله"، فهدد زعيم الجماعة باستهداف بنوك الرياض ومطاراتها، ثم تدخلت السعودية ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، فعَدَلت الحكومة عن قراراتها. آنذاك، أصدرت سلطات الحوثيين في صنعاء عملة معدنية من فئة المئة، ريال التي كانت ورقية في الإصدارات السابقة، فاشتعلت تلك الأزمة. وهذه السنة، أعلنت سلطات بنك صنعاء عن اعتزامها إصدار عملة معدنية أخرى من فئة الخمسين ريالاً، وهي فئة كانت ورقية أيضاً في الإصدارات السابقة. نفّذتْ سلطات صنعاء سكّ هاتين الفئتين من الريال، إضافة إلى إعادة طباعة فئة المئتي ريال الورقية. فما الذي ينتظر الريال إذاً؟ ما الذي ينتظر البسطاء الذين ليس لديهم قدرة الكسب بالدولار أو بالريال السعودي؟

هل تدوم تدخّلات البنك المركزي؟

مع بدء الثلث الأخير من شهر تموز/ يوليو 2025، تسارعتْ وتيرة تهاوي قيمة الريال بصورة مُفزعة، خصوصاً أمام الدولار الأمريكي والريال السعودي. كان لا بدّ من تدخّل حكومي، على الأقل، لحفظ ماء وجه الدولة التي ينخرها الفساد والإحباط، وحال مزرية من اللامبالاة. حينها تجاوز سعر صرف الدولار الواحد حاجز 2800 ريال، وكان يقترب من 2900 ريال، وتجاوز سعر صرف الريال السعودي حاجز 750 ريالاً يمنياً، والانهيار مستمر.

على إثر تدخّل البنك المركزي اليمني في عدن، تراجع سعر الصرف في غضون أسبوع واحد إلى 1630 ريالاً للدولار الواحد، و428 ريالاً بالنسبة إلى الريال السعودي.

في منتصف سنة 2024، نشبت أزمة مالية بين طرفي الحرب الرئيسيين كادت أن تعيد الحرب إلى مربعها الأول. أصدر البنك المركزي في عدن مجموعة من القرارات بهدف تضييق الخناق مصرفياً على جماعة الحوثيين "أنصار الله"، فهدد زعيم الجماعة باستهداف بنوك الرياض ومطاراتها، ثم تدخلت السعودية ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، فعَدَلت الحكومة عن قراراتها.

أمام هذا المشهد الفنتازي لانهيار وتعافي الريال اليمني، تتّضح بعض خيوط التلاعب المصرفي - وربّما السياسي أيضاً - المتجرِّد من المسؤولية الأخلاقية والوطنية. تتّضح كذلك فداحة الغفلة الحكومية عن ضبط المتلاعبين بالعملة، باعتبار المضاربة بالعملة الوطنية جريمة أمن قوميّ. لم يكن البنك المركزي في عدن قادراً على وقف انهيار العملة بدون إسناد قراراته من قبل السلطة القضائية والضبطية. 

بدأ الأمر بتشكيل لجنة حكومية "لتنظيم وتمويل الواردات"، يترأسها محافظ البنك المركزي التابع للحكومة المعترف بها دولياً. وبين 29 تموز/ يوليو و6 آب/ أغسطس 2025، أصدر البنك ثمانية قرارات بسحب وإيقاف تراخيص 23 شركة صرافة عاملة في عدن. تولى تنفيذ هذه القرارات مجلس القضاء الأعلى بمؤسساته المعنيّة، وقوات مكافحة الإرهاب في التنفيذ الميداني، وإغلاق مقرّات شركات ومنشآت الصرافة المخالِفة.

وعلى ذلك، تسود مخاوف في أوساط المواطنين القاطنين في مناطق سيطرة الحكومة، من عودة التلاعب بسعر صرف العملة، لاسيما في ظلّ تجاربهم مع تدخّلات حكومية سابقة، فشلتْ أمام اختبار الاستمرارية.

مقالات من اليمن

نساء "جبل صبر" في اليمن

حافظت الثقافة الاجتماعية السائدة في جبل صَبْر، على تقبّلها لعمل المرأة، وعدم النظر إليه نظرة انتقاص أو دونية، بل والاعتراف بدوره الأساسي في العائلة. وهن يتملكن الاراضي والعقارات، ليس وراثة،...

للكاتب نفسه