بانوراما "السوق السوداء" للأسلحة في إفريقيا

تعد "هجرة" الأسلحة من منطقة نزاع إلى أخرى ظاهرة متكررة في تجارة السلاح. إذ عندما تنتهي الحرب في منطقة معينة أو تهدأ الأوضاع فيها، تصبح كميات كبيرة من الأسلحة زائدة عن الحاجة، فيتم نقلها إلى مناطق جديدة تشهد اضطرابات.
2025-07-03

سعيد منتسب

باحث من المغرب


شارك
أسلحة مهربة

تُسهم هشاشة الحكومات في دول الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء الكبرى في تفاقم ظاهرة الاتجار بالأسلحة، والذخائر العسكرية التي تباع في السوق السوداء، لينتهي بها الأمر بين أيدي الفصائل المتناحِرة، والجماعات المسلحة، التي حوّلت المنطقة إلى حاضنة آمنة لعناصرها. لكن الحال الأكثر تطرفاً ربما كانت التسرب الهائل للأسلحة من مستودعات العقيد الليبي معمر القذافي، التي تدفقت نحو إفريقيا جنوب الصحراء، إذ وصلت كميات غير مسبوقة من الأسلحة الخفيفة والصواريخ المضادة للطائرات إلى شمال مالي، الذي صار تحت سيطرة الجماعات المسلحة.

من ليبيا ومالي إلى السودان وجيبوتي

منذ عام 2011، صارت ليبيا مصدراً رئيسياً للأسلحة، التي تُغذِّي العديد من الجماعات المسلحة في دول مالي، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ونيجيريا. كما صارت ساحل العاج، في عام 2012، مصدراً رئيسياً لها، حيث تمَّ تهريب الأسلحة المتبقية من الحرب الأهلية فيها، إلى جماعات مسلحة في منطقة الساحل، وحتى جمهورية إفريقيا الوسطى، بل صارت المصدر الرئيسي للأسلحة الأجنبية المضبوطة في غانا، وفقاً للإحصاءات الرسمية.

مقالات ذات صلة

ترتبط عمليات تهريب الأسلحة بوجود مصانع ذخيرة للصيد في بعض البلدان، لا سيما في مالي، التي تزود جزءاً كبيراً من دول غرب إفريقيا، بما فيها دول الساحل، فضلاً عن جمهورية الكونغو التي ترسل الذخيرة إلى مدنيين وجماعات مسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية إفريقيا الوسطى.

ولا تزال تشاد والسودان من بين أكبر مخازن تلك الأسلحة. ذلك أن الخرطوم لديها صناعة أسلحة محلية وتنتج الذخيرة، التي تُعاد تعبئتها أحياناً كمنتجات صينية المنشأ، قبل توزيعها في دول تشاد وليبيا ومالي. كما ثبت أن معظم الأسلحة المستخدمة في الحرب الأهلية في جنوب السودان مصدرها السودان.

ربما كان الحال الأكثر تطرفاً هو التسرب الهائل للأسلحة من مستودعات العقيد الليبي معمر القذافي، التي تدفقت نحو إفريقيا جنوب الصحراء، إذ وصلت كميات غير مسبوقة من الأسلحة الخفيفة والصواريخ المضادة للطائرات إلى شمال مالي، الذي صار تحت سيطرة الجماعات المسلحة.

وفي شرق إفريقيا، هناك مزاعم قوية بأن حكومة إريتريا، التي تخضع لحظر الأسلحة، بسبب دعمها لحركة الشباب الصومالية، متورطة في تهريب الأسلحة إلى الجماعات المسلحة في المنطقة. بل يبدو أن حكومة أسمرة قدمت دعماً عسكرياً للمتمردين في السودان وإثيوبيا وجيبوتي.

مقالات ذات صلة

وقام الحوثيون اليمنيون ببيع فائض أسلحتهم في جيبوتي، التي نقلتها إلى منطقة "أودال"، وهي محافظة في أقصى شمال الصومال، أعلنت نفسها جمهورية، عندما انفصل إقليم "أرض الصومال" عن باقي الصومال. علما أن الحوثيين كانوا في عام 2013 يستوردون الأسلحة من جيبوتي، إذ وصل إلى اليمن ما لا يقل عن 8000 مسدس، من إنتاج شركة "فورجاس تاوروس"، وهي شركة برازيلية للأسلحة الصغيرة..

الهجوم على مستودعات الثكنات

وعلى ذلك، يبدو أن تسرب الأسلحة من مستودعات الحكومات الوطنية، لا يزال المصدر الرئيسي للأسلحة غير المشروعة في العديد من البلدان. إذ أكد تقرير لـ"معهد الدراسات الأمنية لغرب إفريقيا والساحل وحوض بحيرة تشاد"، بعنوان "كيف تتسلح الجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل؟"، أن تراجع تدفق الأسلحة القادمة من ليبيا، دفع الجماعات المتقاتلة إلى استهداف الثكنات العسكرية ومخزونات الأسلحة الوطنية المتنوعة.

ونقل التقرير الذي أنجزه حسّان كوني، وهو باحث رئيسي في المعهد، أن الهجمات تتزايد على الثكنات العسكرية، مما يجعل الوضع أكثر تعقيداً في منطقة ليبتاكو-غورما، وهي المنطقة الحدودية الواقعة بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر. كما أن حجم الأضرار، التي تلحق بقوات الدفاع والأمن، صار مقلقاً ويطرح تساؤلات حول مصدر الأسلحة الثقيلة التي تستخدمها الجماعات المتقاتلة، خاصة أن تلك الجماعات النشطة في الساحل حوّلت اهتمامها بشكل متزايد، إلى نهب الثكنات العسكرية، لاستمرار التزود بالسلاح والذخيرة.

وجاء في التقرير أنه "منذ اندلاع الأزمة في مالي عام 2012، صار مصدر الأسلحة المنتشرة في المنطقة موضوع تكهنات عديدة. إذ كانت ليبيا في مرحلة ما المصدر الرئيسي لتوريد الأسلحة، حيث ارتبط انتشار الأسلحة بسقوط نظام القذافي عام 2011، وذلك بعد التدخل العسكري الذي قاده حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مما أدى إلى خروج جزء كبير من المخزونات الضخمة، التي جمعتها ليبيا على مدى 40 عاماً عن السيطرة".

وتابع: "ساعد نقل الأسلحة من ليبيا على تعزيز الحركات المسلحة المتمردة في مالي عام 2012، وسهّل حصول جماعات - كتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا – وأخرى، على الأسلحة في منطقة الساحل. غير أنه منذ عام 2013، شهد تدفق الأسلحة من ليبيا تراجعاً بسبب عدة عوامل، أبرزها تعزيز الوجود العسكري في مالي، وتعزيز القوات الأمنية على الحدود مع النيجر والجزائر، مما ساعد في اعتراض شحنات الأسلحة الموجهة إلى الجماعات المسلحة".

وجاء في التقرير أنه "على الرغم من أن شبكات تهريب الأسلحة تلعب دوراً مهماً، فإنها ليست القناة الوحيدة التي تعتمد عليها الجماعات المسلحة للحصول على الأسلحة. فجزء من ترسانتها يأتي من المواد المسروقة من المخزونات الوطنية ضعيفة الرقابة، وكذلك من الأسلحة المتدَاولة خلال الأزمات المختلفة التي عصفت بغرب إفريقيا، مثل الحروب في ليبيريا وسيراليون وشاطئ العاج والنيجر. كما أشار "مسح الأسلحة الصغيرة" (Small Arms Survey) إلى أن بعض الموانئ في غرب إفريقيا تُعد نقاط عبور للاتجار غير المشروع بالأسلحة".

وذهب الخبير حسّان كوني إلى أن "الهجمات على الثكنات العسكرية المعزولة تكشف عن مصدر جديد للإمدادات. وهي هجمات واسعة النطاق تستهدف الحاميات والمواقع العسكرية، مستغلة نقاط ضعفها. وتعتمد هذه الجماعات على عنصر المفاجأة، فتصل بأعداد كبيرة على متن دراجات نارية أو سيارات "بيك أب"، وتُحاصر الثكنات وتقصفها بقذائف الهاون أو الصواريخ لشلّ دفاعاتها. وغالباً ما تستخدم مركبات انتحارية، لفتح الطريق أمام الهجوم في مواقع متعددة. وبمجرد أن يصبح الجنود عاجزين عن المقاومة، يسيطر المهاجِمون على الثكنة، ويستولون على الأسلحة والذخيرة والمعدات الأخرى".

ونقل التقرير أن عمليات الاستيلاء على الأسلحة موثّقة جيداً، كما يظهر في الصور التي تنشرها جماعات مثل "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" (GSIM) ، و"تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" (EIGS)، حيث يستعرض مقاتلوها كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر المسروقة من الهجمات على المواقع العسكرية، مثل معسكر "إيناتيس" في النيجر، ومعسكر "إندليمان" في مالي، ومعسكر "كوتوغو" في بوركينا فاسو عام 2019.

الأسلحة الزائدة عن الحاجة من مناطق النزاع

تعد "هجرة" الأسلحة من منطقة نزاع إلى أخرى ظاهرة متكررة في تجارة السلاح. إذ عندما تنتهي الحرب في منطقة معينة أو تهدأ الأوضاع فيها، تصبح كميات كبيرة من الأسلحة زائدة عن الحاجة، فيتم نقلها إلى مناطق جديدة تشهد اضطرابات.

على سبيل المثال، بعد انتهاء الحرب الأهلية في ساحل العاج، تم العثور على أسلحة من مخزونات الطرفين المتنازعَين في مالي، بين عامي 2011 و2013، بحوزة مقاتلي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكذلك في النيجر عامي 2012 و2013، إذ يُعتقد أنها كانت موجهة إلى "بوكو حرام".

ووفقاً لخبراء الأمم المتحدة، هناك شبكات تهريب أسلحة نشطة انطلاقاً من ساحل العاج، يديرها متمردون سابقون لهم صلات بمخابئ الأسلحة المنتشرة في شمال البلاد. كما تم العثور على بنادق هجومية صينية، يُعتقد أنها كانت ضمن مخزونات ساحل العاج، في جمهورية إفريقيا الوسطى عامي 2014 و2015.

"منذ اندلاع الأزمة في مالي عام 2012، صار مصدر الأسلحة المنتشرة في المنطقة موضوع تكهنات عديدة. إذ كانت ليبيا في مرحلة ما المصدر الرئيسي لتوريد الأسلحة، حيث ارتبط انتشار الأسلحة بسقوط نظام القذافي عام 2011، وذلك بعد التدخل العسكري الذي قاده حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مما أدى إلى خروج جزء كبير من المخزونات الضخمة، التي جمعتها ليبيا على مدى 40 عاماً عن السيطرة".

لا تزال تشاد والسودان من بين أكبر مخازن تلك الأسلحة. ذلك أن الخرطوم لديها صناعة أسلحة محلية وتنتج الذخيرة، التي تُعاد تعبئتها أحياناً كمنتجات صينية المنشأ، قبل توزيعها في دول تشاد وليبيا ومالي. كما ثبت أن معظم الأسلحة المستخدمة في الحرب الأهلية في جنوب السودان مصدرها السودان.

واللافت للنظر هو أن بعض عمليات التهريب تأتي من مناطق شهدت صراعات سابقة، إذ يتم تهريب الأسلحة إلى جماعات في الدول المجاورة. فعلى سبيل المثال، وبعد انتهاء الحرب الأهلية في موزمبيق عام 1992، زُوِّدت العصابات في جنوب إفريقيا بكميات كبيرة من الأسلحة، التي كانت في الأصل قد أُرسلت من بريتوريا إلى موزمبيق خلال فترة النزاع. كما وصلت هذه الأسلحة إلى دول أخرى مثل مالاوي، حيث ساعد وجود اللاجئين المسلّحين من موزمبيق في تسهيل عمليات التهريب.

وقد تضمنت تلك التجارة بشكل أساسي، بنادق الكلاشنيكوف، ومسدسات ماكاروف، واستُخدمت في أنشطة إجرامية، بما في ذلك الصيد الجائر، بالإضافة إلى تسليح الميليشيات السياسية والمواطنين الذين يسعون إلى الحماية الذاتية.

الأسلحة محلية الصنع

يتم إنتاج الغالبية العظمى من الأسلحة المستخدَمة في نزاعات الساحل، على أيدي الجماعات المسلحة والمتمردة في المنطقة. وليس هناك إلا عدد قليل من البلدان في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لديها مرافق إنتاج صناعي للأسلحة النارية، ولا سيما جنوب إفريقيا وإثيوبيا والسودان ونيجيريا.

فجنوب إفريقيا تنتج، إضافة إلى مجموعة واسعة من الأسلحة الثقيلة (مركبات مدرعة، وطائرات هليكوبتر، وأسلحة مضادة للدبابات، وقاذفات قنابل يدوية، وما إلى ذلك) بندقية R4 الهجومية الشهيرة، المستوحاة من بندقية جليل، بالإضافة إلى مسدس SP1، وهو نسخة من مسدس بيريتا. وبحسب تقارير متخصصة، فهي الدولة الإفريقية الوحيدة، التي تمتلك قدرة تصديرية حقيقية.

قام الحوثيون اليمنيون ببيع فائض أسلحتهم في جيبوتي، التي نقلتها إلى منطقة "أودال"، وهي محافظة في أقصى شمال الصومال، أعلنت نفسها جمهورية، عندما انفصل إقليم "أرض الصومال" عن باقي الصومال. علما أن الحوثيين كانوا في عام 2013 يستوردون الأسلحة من جيبوتي.

من جهتها، تنتج نيجيريا بنادق هجومية، وهي في الأصل نسخٌ من كلاشينكوف AKM وFN-FAL، وقد وقَّعت اتفاقية في آذار/ مارس 2018 مع شركة بولندية، مما سمح بالإنتاج المرخّص لبندقية "بيريل M762"، وهي بندقية كلاشينكوف تشحن بذخيرة من عيار NATO2.

وينتج السودان مجموعة واسعة من الأسلحة الخفيفة، مثل المسدسات والبنادق والمدافع الرشاشة، وذلك بموجب تراخيص ألمانية أو صينية، ومساعدة تقنية إيرانية. أما إثيوبيا، فإنها تنتج بشكل رئيسي البنادق الهجومية.

وبالإضافة إلى إنتاج الأسلحة الخفيفة، يتم تصنيع الذخيرة العسكرية، في شرق إفريقيا: (تنزانيا، وأوغندا، وكينيا)، وأيضاً في الجنوب الإفريقي: (ناميبيا، وزيمبابوي، ومدغشقر)، بل حتى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث عقدت شركة AFRIDEX، وهي شركة متخصصة في متفجرات التعدين، شراكة مع شركات صينية وكورية شمالية، ويُقال إنها تنتج ذخائر من عيارات مختلفة، من أجل البنادق الهجومية.

وفي هذه الدول، تنتج العديد من المصانع الصغيرة خراطيش عيار 12، وهي مخصصة مبدئياً للصيد. كما لفتت بعض هذه المصانع الانتباه مؤخراً، لأن منتجاتها توزَّع على نطاق واسع في البلدان المجاورة، إذ تُستخدم في الأسلحة محلية الصنع، مما يسهم في استمرار النزاعات المسلحة.

وتجدر الإشارة إلى أن تصنيع الذخيرة، يتم يدوياً أو شبه يدوي، عن طريق استرجاع علبة الخرطوشة المستهلَكة، وتعبئتها بالبارود والمقذوفات في الغلاف المستخدَم.

مقالات من أفريقيا

ما الذي يجري في إثيوبيا القريبة؟

محمود عبدي 2016-08-30

في 3 تشرين أول/أكتوبر، قتل في التدافع  100 شخص خلال فض السلطات الأثيوبية لاحتفال تقليدي بنهاية موسم الأمطار عند أثنية الأورومو، مستخدمة الغاز المسيل للدموع. وقد عادت الاحتجاجات الى الاشتعال...