جولة جديدة: هل سيؤدي تعديل قانون الإيجار القديم في مصر إلى تشريد المستأجرين؟

لا تزال المسودة الأخيرة، بالرغم من التعديلات، تنص على إنهاء عقود الإيجار القديمة والسماح بإخلاء السكان بعد فترة انتقالية، دون أن تقترن ببدائل عملية قابلة للتنفيذ مثل: الإيجار الاجتماعي، ما يُنذر بتعريض آلاف الأسر الهشة لخطر فقدان السكن دون مسار واضح للحماية.

من عدسة "حلول للسياسات البديلة". 
 30 حزيران / يونيو 2025

يناقش البرلمان المصري المسودة الأخيرة لمشروع قانون الإيجار القديم استجابةً لحكم المحكمة الدستورية العليا التي طالبت بإصدار القانون الجديد قبل نهاية الفصل التشريعي الحالي. وقد خضعت المسودة الجديدة لمراجعات تشريعية نتيجةً لتصاعد الآراء المتضاربة التي أفضت إلى فشل النسخة السابقة في حماية حقوق المستأجرين من جهة، وإنصاف ملاك العقارات من جهة أخرى. ولا تزال المسودة الأخيرة، بالرغم من هذه التعديلات، تنص على إنهاء عقود الإيجار القديمة والسماح بإخلاء السكان بعد فترة انتقالية، دون أن تقترن ببدائل عملية قابلة للتنفيذ مثل: الإيجار الاجتماعي، ما يُنذر بتعريض آلاف الأسر الهشة لخطر فقدان السكن دون مسار واضح للحماية.

https://ecp.yusercontent.com/mail?url=https%3A%2F%2Fmcusercontent.com%2F5e42bef7fee7e6a299c3d932d%2Fimages%2Fb028556e-9171-6e13-c8ae-293b4578d26c.png&t=1751259750&ymreqid=a0e6cd8d-7078-3757-1cc3-85000101e100&sig=HLAa9H3SyngXA2GrmQRE7Q--~D

تداعيات إلغاء نظام الإيجار القديم

يدفع مشروع القانون الجديد نحو رفع تدريجي لقيمة الإيجار، ما يهدد قدرة 1.64 مليون أسرة محمية بموجب نظام الإيجار القديم على تحمّل تكاليف السكن، إذ ينص المشروع على دمج هذه الوحدات تدريجيًّا في السوق خلال سبع سنوات من تاريخ بدء تطبيقه. ويُلزم المستأجرين بدفع إيجار ثابت يبلغ 250 جنيهًا شهريًّا إلى أن تنتهي لجان الحصر من تصنيف الوحدات إلى ثلاث فئات: متميزة، متوسطة، أو اقتصادية. ترتفع قيمة الإيجار، بناءً على هذا التصنيف، ما بين عشرة وعشرين ضعفًا، ما يضع الأسر منخفضة الدخل وكبار السن في وضع سكني غير مستقر.

https://ecp.yusercontent.com/mail?url=https%3A%2F%2Fmcusercontent.com%2F5e42bef7fee7e6a299c3d932d%2Fimages%2Ffe8e1d65-f61f-47b2-46a1-05fa7c3e35c6.png&t=1751259750&ymreqid=a0e6cd8d-7078-3757-1cc3-85000101e100&sig=nRrwG5nX9W99UnASjU2mTg--~D

رغم منح مشروع القانون أولوية في وحدات الإسكان المدعوم من الدولة للمستأجرين الذين سيتم إخلاؤهم من منازلهم، فإن برامج السكن الميسّر في مصر عاجزة من الأساس عن تلبية الطلب المتزايد.

https://ecp.yusercontent.com/mail?url=https%3A%2F%2Fmcusercontent.com%2F5e42bef7fee7e6a299c3d932d%2Fimages%2F3cd0cddb-9ce3-1731-0a72-5e3088cb8509.png&t=1751259750&ymreqid=a0e6cd8d-7078-3757-1cc3-85000101e100&sig=Z7zZPu8JIRUnlHQL.Cuh4g--~D

كذلك فإن الإسكان بموجب قانون الايجار الجديد الخاضع لسعر السوق ليس بديلًا حقيقيًّا لنظام الإيجار القديم نظرًا إلى طبيعة العقود التي تحدد مددًا قصيرة وثابتة، وتسمح بإنهاء العقد عبر إشعار دون وجود ضمانات قانونية للتجديد، ما يحد من الاستقرار في السكن. كما أن أسعار الوحدات تتسم بتقلبات حادة، وهو ما يفسر جزئيًّا استحواذ هذا النوع من العقود على نسبة 6% فقط من إجمالي عقود السكن في مصر خلال عشرين عامًا.

https://ecp.yusercontent.com/mail?url=https%3A%2F%2Fmcusercontent.com%2F5e42bef7fee7e6a299c3d932d%2Fimages%2F8f144e61-16ca-5135-1dfb-baf8f39974a5.png&t=1751259750&ymreqid=a0e6cd8d-7078-3757-1cc3-85000101e100&sig=5LsXLmpqudtwS_f5AlG7Og--~D

نحو إيجار اجتماعي: مواءمة العدالة الاجتماعية مع منطق السوق

تقتضي الاستجابة الفعّالة لخطر الأزمة السكنية المقبلة إعادة بناء السياسات العامة للإيجار على أسس تراعي الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين فئات المستأجرين، بدلًا من الاستمرار في تعميم الإجراءات على مجموعات مختلفة جذريًّا. فعلى الحكومة التمييز بين المستأجرين من الفئات الهشّة ككبار السن وذوي الدخل المحدود، والمستأجرين من ذوي القدرة الاقتصادية، كمن يمتلكون وحدات إضافية أو يحققون دخلًا مرتفعًا، وأخيرًا مستأجري الوحدات السكنية غير المأهولة. تشير التقديرات إلى وجود ما يقرب من 300,000 وحدة سكنية شاغرة تخضع لنظام الإيجار القديم، ويمكن للدولة أن تبدأ بهذه الوحدات، فترفع عنها الحماية القانونية تدريجيًّا أو حتى تُعيد دمجها في الحال في السوق العقارية. أما المستأجرون الذين يمتلكون القدرة المالية، فيتم منحهم خيار الالتزام بزيادات إيجارية تدريجية ضمن سقف تنظمه الدولة، أو الإخلاء بعد إشعار قانوني مناسب.

في المقابل، يجب أن توفر الحكومة الحماية اللازمة للفئات الأكثر هشاشة عبر آليات دعم مرنة تُسدّد من خلالها الفجوة بين القيمة الإيجارية الفعلية وما يستطيع المستأجر تحمّله في شكل تحويلات نقدية مباشرة للمُلاك، أو تخفيضات ضريبية على العقارات، أو مساهمات حكومية في تكاليف الصيانة. تضمن هذه الطريقة حماية الحق في السكن للفئات محدودة الدخل دون أن يتحمّل المُلاك عبء دعمهم، الذي هو واجب الدولة. 

ويجب أن تُشكِّل هذه السياسة نقطة انطلاق نحو تأسيس نظام متكامل للإيجار الاجتماعي يقوم على تصور بديل لملكية وإدارة السكن، حيث تتولى جهات عامة أو منظمات غير ربحية إدارة الوحدات السكنية، وتُحتسب الإيجارات استنادًا إلى القدرة الفعلية للمستأجرين على الدفع، لا إلى آليات السوق وتسعيرته المتقلبة. في هذا السياق، تضطلع الدولة بدور تمويلي وإستراتيجي محوري من خلال قيامها بتقديم دعم مالي مباشر إلى المستأجرين، أو تعاونيات الإسكان، أو المطورين الملتزمين بأهداف العدالة السكنية، بما يضمن الحفاظ على معادلة دقيقة تجمع بين الاستدامة المالية للمُلاك واستمرارية إتاحة السكن بأسعار معقولة للفئات الأكثر هشاشة. كما يمكن للدولة أن تُعيد توظيف التعاونيات السكنية، بحيث تصير المستفيد الأساسي من الأراضي العامة المخصصة للسكن الميسّر، في إطار رؤية تخطيطية عادلة تُعيد توزيع الموارد الحضرية. ويعتمد هذا النظام على نموذج تمويلي، يجمع بين القروض من الدولة، والاستثمارات الخاصة ذات الطابع الاجتماعي، وإصدار السندات، بما يكفل الاستدامة الاقتصادية للمشروع على المدى الطويل. كذلك، تستطيع الحكومة فرض آليات تُخصص من خلالها وحدات سكنية مدعومة في الأبنية الخاصة، تتناسب مع قدرات الشرائح منخفضة الدخل.

نموذج الإيجار الاجتماعي، أو الدعم سكني بشكل عام، مُعتَمدٌ في أغلب دول العالم الرأسمالية. ففي النمسا، بحسب قانون "الإسكان محدود الربح"، يتم تحديد الإيجارات على أساس التكلفة الفعلية للبناء والصيانة والتشغيل، بما يضمن بقاء الإيجار في متناول شرائح واسعة دون التضحية بالجدوى الاقتصادية. أما في الولايات المتحدة، فتطبّق الحكومة الفيدرالية طريقة مختلفة، تقوم على ضبط عبء الإيجار بحيث لا يتجاوز 30٪ من دخل الأسر ذات الدخل المحدود، وتتكفّل الدولة، عبر الموازنة العامة وعائدات الضرائب، بسدّ الفجوة بين هذا السقف والسعر الفعلي المطلوب من قِبل المالكين. وفي فرنسا، يعتمد نظام الإيجار الاجتماعي على ثلاثية: دعم مباشر من الدولة، إعفاءات ضريبية موجّهة، ومساهمات إلزامية من أرباب العمل. وتُخصّص وحدات بإيجارات مدعومة للعائلات ذات الدخل المنخفض والمتوسط، مع إعطاء الأولوية للمجموعات السكانية الأكثر تهميشًا.

https://ecp.yusercontent.com/mail?url=https%3A%2F%2Fmcusercontent.com%2F5e42bef7fee7e6a299c3d932d%2Fimages%2F00efcc38-4699-5040-1b8a-a6a163e6398b.png&t=1751259750&ymreqid=a0e6cd8d-7078-3757-1cc3-85000101e100&sig=12ICVxgIkk5DXd_I.QKnjg--~D

مستقبل الإيجارات في مصر

يجب أن يهدف تعديل نظام الإيجارات القديمة إلى استبدال إطار قانوني تجاوزه الزمن وأثبت عجزه عن مواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية، والموازنة بين حقوق المالكين وحماية المستأجرين. ومن الضروري أن يشكّل هذا الإلغاء مدخلًا نحو بناء نظام إسكان أكثر كفاءة وإنصافًا واستدامة لا أن يُفضي إلى تقويض أحد آخر شبكات الدعم السكني التي يعتمد عليها السكان في ظل الضغوط الاقتصادية المتصاعدة.

مقالات من مصر

لا تنسوا عبد المنعم قنّاوي!

كان عبد المنعم قناوي، الشاب الذي تجاوز العشرين بقليل في العام 1967، يشاهد حشد الجنود والمعدات العسكرية وهم يعبرون إلى سيناء. يقول: "كنا واثقين من النصر، وكنت أتحدث مع الجنود...