وباء التحريض الطائفي في جامعات سوريا: أين الدواء؟

يقول بيان من الطلاب: "هل يُعقَل أن يصبح الذهاب إلى الجامعة قراراً قد يُنهي حياتك؟ هل هذا هو مصير طالب جامعي في بلده؟ نكتب اليوم، لنقول إننا لسنا بخير، وإن ما يحدث هو شكل من أشكال التمييز الطائفي الخطر. نكتب لنطالب بحقنا في الأمان قبل التعليم، وفي التعليم دون خوف".
2025-05-15

شارك
طلاب من أبناء السويداء يغادرون بواسطة حافلات من حرم السكن الجامعي في حلب عائدين إلى بلداتهم. (الصورة عن فيسبوك).
إعداد وتحرير: صباح جلّول

مع كثرة وتشابك واختلاط الأخبار المنتشرة في وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، حول أحداث العنف الطائفي في مناطق سورّية متعددة، بات يصعب على المتابِع خارج هذه المناطق الوصول إلى فهمٍ واضح لما يحدث على الأرض. ينطبق ذلك على الاعتداءات على خلفيات طائفية في جامعات سورية عدة في الأسابيع الماضية ـ وما تبعها من تداعيات.

ماذا حدث؟

بدأ الموضوع في السكن الجامعي في حمص بعيد انتشار تسجيل صوتي يسيء إلى النبي محمد، نُسب إلى أحد مشايخ الطائفة الدرزية، انفلتتْ بعده حملات الهتافات التحريضية الطائفية ضد طلاب من محافظة السويداء، مع إطلاق شتائم طائفية ضد أبناء الطائفة الدرزية. لا تنفصل هذه الأجواء بطبيعة الحال عن الاعتداءات الطائفية في مناطق السويداء وصحنايا وجرمانا، التي ساهمت بشكل مباشر في زيادة الشحن الطائفي في البلاد وجامعاتها.

وصلت الأمور إلى محاولة اقتحام بعض غرف السكن الطلابي في الجامعة، والاعتداء بالضرب على بعض الطلاب من أبناء الطائفة الدرزية، وسط انعدام أي ضبط أمني من إدارات الجامعات ووزارة التعليم. وفي حلب، تعرض أحد الطلاب من السويداء للطعن بالسكين.

إجلاء طلاب من جامعة تشرين في اللاذقية في آذار/مارس 2025. (الصورة عن الانترنت).

وسط هذا الهياج غير المنضبط، امتنع الطلاب الدروز عن الحضور في الجامعات، وسرعان ما قرّروا إخلاء جامعاتهم تخوفاً من أن يطالهم الأذى، فانسحب آلاف الطلاب من جامعات دمشق واللاذقية وحماة، بمرافقة عناصر الأمن العام. انتشر فيديو لمجموعات من الطلاب في دمشق يجرّون حقائبهم ويحملون أغراضهم ويمشون إلى حيث تنتظرهم باصات كبيرة تقلهم إلى قراهم وبلداتهم...

أين وزارة التربية والتعليم مما يجري؟

اضطرت وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية الجديدة إلى التحرك لاحتواء الموقف، بعد ارتفاع الأصوات المطالِبة لها بالتدخل، بعد عدد من المواقف والإجراءات التي تبدو هامشية وأقل من المطلوب أمام خطورة ودقّة الموقف. خرج وزير التعليم ليطمئن بأن الوضع في الجامعات "طبيعي وهادئ"، مؤكداً في تصريح يوم 8 أيار/ مايو أن الأجواء بين الطلاب يسودها "جو من التفاهم والتوافق الأهلي". التقى الوزير وفداً من السويداء طالبه بتأمين بيئات آمنة للطلاب في جامعاتهم. وفي 9 أيار/ مايو، صرّح الوزير في مقابلة له مع قناة الحدث أن "الطلاب خرجوا من الجامعات إلى السويداء بإرادتهم ولم يضغط عليهم أحد"، داعياً الطلاب إلى العودة إلى الجامعات، ومشيراً إلى أنه أصدر تعليمات بملاحقة كل من يقوم بالتجييش وبث خطاب الكراهية في الجامعات تحت طائلة الفصل النهائي، ومنع نشر أو التداول بأي منشور يحرض على الكراهية والعنصرية تحت طائلة المساءلة والعقاب.

ماذا قال الطلاب عن تدخل الوزارة المتأخر؟

انتقد الطلاب المتضررون الصمت الحكومي أمام الأحداث التي تهدد حياتهم وتعليمهم ومستقبلهم. وأمام دعوات الحكومة لهم بالعودة، عبّر طلاب عن امتناعهم عن ذلك الى أن يطمئنوا إلى أن الأوضاع ضُبطت بالفعل، وأنهم في مأمن من أي خطط انتقامية. تظاهر عدد من الأهالي والطلاب في بلداتهم رافعين شعارات "من حقنا أن نتعلم في وطن آمن".

صرّح الطلاب في بيان لهم: "أصبح وجودنا في الجامعة يُهددنا بالموت، وفي الوقت الذي يُكمل فيه أصدقاؤنا من باقي الطوائف دوامهم الجامعي بشكل طبيعي، نحن نُحتجز في بيوتنا بالقوة، بسبب تهديدات غير مباشرة، ونظرات حقد، ومواقف عدائية لا ذنب لنا فيها".

كما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي رسالة باسم طلاب محافظة السويداء، موجهة إلى وزارة التعليم وإدارات الجامعات والشخصيات الاجتماعية والدينية، جاء فيها:

"هل يُعقل أن يصبح "الذهاب إلى الجامعة" قراراً قد يُنهي حياتك؟ هل هذا هو مصير طالب جامعي في بلده؟ نكتب اليوم، لنقول إننا لسنا بخير، وإن ما يحدث هو شكل من أشكال التمييز الطائفي الخطر. نكتب لنطالب بحقنا في الأمان قبل التعليم، وفي التعليم دون خوف"

ومن غير الواضح عدد الطلاب الذين عادوا إلى صفوفهم وعدد أولئك المستمرين بالتخلف عن الحضور. إلّا أن الأكيد في هذه الظروف المريعة أن هناك حاجة عاجلة وضرورية لعلاج داء الطائفية البغيض والخطير على الطلاب والأفراد في حياتهم المباشرة، ولكن أيضاً على كل الطوائف السورية وعلى وحدة البلاد، في وقتٍ يتحيّن فيه الاحتلال الإسرائيلي الفرص بكل خبثٍ لعرضِ نفسه منقذاً للأقليات الطائفية وتشجيع الانفصال وبثّ الأحقاد والفرقة بين السوريين، بل في كل المنطقة. هذه المسؤولية الكبرى تجاه البلاد كامِلة مطالَبٌ بها كل من يتحمل مسؤولية الناس في سوريا اليوم.

مقالات من سوريا

السوريون: لن نسكت عن الفجور الإسرائيلي

2025-02-27

ردّ أهالي المناطق السورية على الكلام الإسرائيلي جاء سريعاً، على شكل تجمعات غاضبة، ومظاهرات مندِّدة في عدة مناطق. تجمّع المئات في "ساحة الكرامة" في "السويداء" ذات الغالبية الدرزية، للتعبير عن...

بعد الحرائق الأخيرة: الزيتون السوري ليس محصولاً استراتيجياً!

كمال شاهين 2024-11-14

وقع النصيب الأكبر من الحرائق الأخيرة في محافظتي"اللاذقية" و"حمص". ووفق معلومات محلية مصدرها مديريات الزراعة في هاتين المحافظتين، فإنّ هناك ثمانين موقعاً اشتعلت فيها النيران بشكل مفاجئ، ودفعة واحدة، مما...