فيضانات الجنوب الموريتاني تشرد الأسر وتتلف الزرع

حدثت الفيضانات في أربع مناطق كبرى من موريتانيا: "سيليبابي"، و"كيهيدي"، و"لبراكنة"، و"روصو"، التي تمثل الأمن الغذائي للبلاد، كونها مناطق زراعية ورعوية، وبالتالي فجميع الولايات الموريتانية ستتأثر لترابطها، وكان تحرك الحكومة شديد البطئ، والمساعدات دون المستوى، وعمليات الإجلاء جاءت متأخرة جداً.
2024-11-06

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
الفيضانات في موريتانيا

تعيش مئات  الأسر الموريتانية القاطنة في القرى الواقعة على ضفة "نهر السنغال" حالة من النزوح، بسبب  الفيضانات التي وقعت في أواخر شهر تشرين الاول/أكتوبر الماضي ، وقد تسبب فيها ارتفاع منسوب مياه "نهر السنغال" نتيجة للتهاطلات  المطرية  الاستثنائية على مستوى حوض النهر. لقد فرّ سكان تلك القرى منها لأن المياه غمرتها ودمرتها، ومن المرجح  أن يتفاقم هذا الوضع. كما تسببت الفيضانات بإتلاف عدد كبير من المزارع، وكبّدت المزارعين خسائر جمة، خاصة في  مقاطعة "أنتيكان"، ومدينة "روصو" عاصمة ولاية "الترارزة" جنوب موريتانيا. 

التغييرات المناخية: ناقوس الخطر

يُرجح بعض الباحثين أن  التغيرات المناخية في منطقة الغرب الإفريقي هي أهم أسباب ما حدث، إذ تصاعد منسوب مياه الأمطار. فحسب الباحث الموريتاني  "داوود محمد جاه"، فإن "ما حدث في الضفة، سببه بالدرجة الأولى  التغير المناخي الذي يجتاح العالم، وبالأخص غرب إفريقيا، حيث أن تأثيرات هذا التغير حاضرة بقوة، فدول المصب والمنبع لم تشهد هذه الفيضانات منذ فترة، وقد أدت التهاطلات المطرية القياسية إلى زيادة منسوب  مياه النهر، وهو ما نتجت عنه  فيضانات بسبب تجاوز المياه مجاري النهر الطبيعية".

وما حدث أدى إلى "نزوح واسع للسكان واختفاء بعض القرى، وتدمير المحاصيل الزراعية وانخفاض الإنتاج الزراعي، وبالتالي ازدياد معاناة الساكنة... طبعاً هذا هو الجانب السلبي. ولكن للقصة جانبها الإيجابي، وهو أنه بعد تراجع المد الزهري تكون هذه المناطق خصبة للزراعة، وتظهر مساحات خضراء".

مناطق حدوث هذه الفيضانات هي  دول المصب عموماً، أي:  "موريتانيا"، و"السنغال"، و"مالي". والدولتان ــ الأولى والثانية ــ هما الأكثر تأثُّراً بما حدث، وخاصة القرى الواقعة على ضفة النهر، التي كانت "منظمة استثمار نهر السنغال" قد صنفتها كمنطقة حمراء.

وسبق لـ"منظمة استثمار نهر السنغال" أن حذّرت من مخاطر الفيضانات في التجمعات القروية المحاذية لحوض النهر، نتيجة نزع الحواجز على مستوى سد "مانانتالي" الذي يقع في "مالي".

التغيرات المناخية في منطقة الغرب الإفريقي هي أهم أسباب ما حدث، إذ تصاعد منسوب مياه الأمطار. فحسب الباحث الموريتاني "داوود محمد جاه"، فإن "ما حدث في الضفة، سببه بالدرجة الأولى التغير المناخي الذي يجتاح العالم، وبالأخص غرب إفريقيا، حيث أن تأثيرات هذا التغير حاضرة بقوة.

وبحسب  "داوود محمد جاه"، فـ"منظمة استثمار نهر السنغال، هي المسؤول الأول عن متابعة وتقييم مهام سد "مانانتالي" المقام على النهر. وقد حذرت المنظمة مراراً وتكراراً من خطر الفيضانات، وقسمت المناطق المحاذية للنهر إلى مناطق خطر شديد وخطر، ومناطق  حمراء وصفراء، وبالتالي ما لم يتم تدارك الخطر، فبالتأكيد ستستمر مياه الفيضانات في التوسع، كما حدث مؤخراً، والمنظمة اعترفت بعجر السد عن وقف تدفق المياه إذا كان حجمه هائلاً، وبأنه هو بنفسه معرض لخطر الانهيار إذا تواصل ذاك التدفق. وهذا اعتراف ضمني بأن المنظمة لم تكن مستعدة لمثل خطر انهيار السد، والدول نفسها لا تملك خططاً في حال الانهيار، وهو أكبر خطر يواجه دول المصب  لا قدَر الله، ففي حال انهيار السد ستختفي قرى ومقاطعات، وستكون أكبر معاناة بيئية تواجه الدولة الموريتانية الحديثة". 

و"منظمة استثمار نهر السنغال" هي  مؤسسة مشتركة للتعاون بين الدول المجاورة لنهر السنغال، وهي: "موريتانيا"، و"السنغال"، و"مالي"، و"غينيا"، وترنو المنظمة إلى تنمية وتشجيع الزراعة وإنتاج الطاقة، حيث أقامت منشآت تهتم بتوفير الطاقة وتنقية وتحلية مياه النهر، وتمّ التوقيع على الإطار التأسيسي للمنظمة في 11 آذار/ مارس 1972 في "نواكشوط" من طرف كلٍّ من "موريتانيا" و"السنغال"، و"مالي"، ولم تلتحق "غينيا" بالمنظمة إلا عام 2006، وذلك بعد موجة جفاف حادة عرفتها المنطقة.

وقد أنشأت  المنظمة مجموعة من المشاريع، أهمها "سد جاما" في "السنغال"، وهو سد مقاوم لملوحة المياه، تأسس سنة 1986، ويهدف إلى منع تسرب المياه المالحة من الروافد القريبة من النهر، إضافة إلى استصلاح الأراضي الزراعية في المنطقة. وتصل الطاقة التخزينية لسد "مانانتالي" في "مالي"، إلى 11.1  مليار متر مكعب، ويعمل  كذلك على تعبئة الموارد لتوليد الطاقة، هذا بالإضافة إلى المحطة الكهرومائية لتوليد الطاقة بـ"مانانتالي"، وهي  أهم مورد في مجال الطاقة بالنسبة إلى بلدان "نهر السنغال"، وتصل طاقتها الإنتاجية السنوية إلى ثمانمئة ميغاوات. 

انتقادات للحكومة الموريتانية

بعد حدوث الفيضانات، قامت الحكومة الموريتانية بإنشاء مراكز لإيواء المتضررين، حيث نصبت لهم خياماً، ووزعت عليهم مساعدات غذائية. وقُدمت لهم الخدمات الطبية. وكان الجيش قد تدخل لانتشال المواطنين العالقين. لكن تعامل الحكومة جوبه بكثير من الانتقاد، فالمخيم الذي أعد للمتضررين كان هزيلاً، وخيامه لا تقي من الحر ولا توفر الظل. وفي بيان مشترك، انتقدت "رابطة التطوير والتنويع الزراعي" و"الحراك الوطني للدفاع عن حق المزارع" تعامل الحكومة مع معاناة المزارعين، وجاء في البيان أن  حجم خسارة محصول المزارعين بسبب الفيضانات في  "موريتانيا" بلغ 215.000 طن من الأرز الخام، وهو ما تصل قيمته إلى أكثر من 30 مليار أوقية قديمة، أي ما يناهز 83 مليون دولار تقريباً. وأشار البيان  إلى أن الحكومة تنتهج سياسة التعتيم، تمهيداً للتنكر الرسمي بعد انتهاء الفيضانات.

"منظمة استثمار نهر السنغال" لم تكن مستعدة لمثل خطر انهيار السد، والدول نفسها لا تملك خططاً في حال الانهيار، وهو أكبر خطر يواجه دول المصب. ففي حال انهيار السد ستختفي قرى ومقاطعات، وستكون أكبر معاناة بيئية تواجه الدولة الموريتانية الحديثة. والمنظمة هي مؤسسة مشتركة للتعاون بين الدول المجاورة لنهر السنغال، أي "موريتانيا"، و"السنغال"، و"مالي"، و"غينيا"

ويعتقد "داوود محمد جاه" أن "الحكومة الموريتانية لا تزال تتعامل بشكل تقليدي جداً مع هذه الأحداث، فالفيضانات حدثت في  أربع مناطق  كبرى من الوطن،  مثل:  "سيليبابي"، و"كيهيدي"، و"لبراكنة"، و"روصو"، التي تمثل  الأمن الغذائي لموريتانيا، كونها مناطق زراعية ورعوية، وبالتالي فجميع الولايات الموريتانية ستتأثر لترابطها، وكان تحرك الحكومة شديد البطئ، والمساعدات دون المستوى، وعمليات الإجلاء جاءت متأخرة جداً. الحمد لله لم تسجّل وفيات كثيرة، ولكن سجِّل تلف هائل لممتلكات الساكنة، ودمار المنازل ونفوق الحيوانات وتلف المحاصيل الزراعية"، خالصاً إلى أن "الساكنة بشكل عام ليست راضية عن تدخل الدولة ممثَّلة في  "هيئة تآزر" الحكومية و"مفوضية الأمن الغذائي". وهنا طبعاً أستثني تدخل الجيش، الذي لولا تدخله السريع لحدثت خسائر في الأرواح. أما المجتمع المدني فللأسف الشديد اكتفى بالتنديد بالتأخر الحكومي، إلا إذا استثنينا بعض المبادرات الفردية والجماعية مثل القوافل الصحية وغيرها". 

قصة الفيضانات لا تزال تثير المخاوف، والتعامل الحكومي ليس مُرْضياً، وتتصاعد الأصوات المطالبة بخطة عاجلة لمساعدة السكان، كالقيام  بخطة إجلاء عاجلة في حال ارتفاع منسوب المياه من جديد، ومساعدات مالية بالنسبة إلى المتضررين، خاصة الذين فقدوا منازلهم ومحاصيلهم الزراعية، ومساعدات  غذائية عاجلة، هذا بالإضافة إلى شق الطرقات  من جديد، لفك العزلة عن بعض القرى التي حاصرتها المياه بشكل كامل، وبناء خيام عصرية بالنسبة إلى النازحين، وهذا طلب ملح جداً، واحتضان المتضررين  من طرف الحكومة وإشعارهم بالأهمية والجدية في التعامل مع كارثتهم.

مقالات من موريتانيا

هل تحقق موريتانيا الاكتفاء الذاتي؟

على الرغم من أن هناك ملامحاً بدأت تتشكل لواقع زراعي مغاير بعض الشيء، وتحسّناً في جودة بعض المنتجات الزراعية المحلية، وتوافرها بشكل أكبر، إلا أن الفساد يظل مُنغِّصاً حقيقياً لطموحات...

للكاتب نفسه

هل تحقق موريتانيا الاكتفاء الذاتي؟

على الرغم من أن هناك ملامحاً بدأت تتشكل لواقع زراعي مغاير بعض الشيء، وتحسّناً في جودة بعض المنتجات الزراعية المحلية، وتوافرها بشكل أكبر، إلا أن الفساد يظل مُنغِّصاً حقيقياً لطموحات...