إعداد وتحرير: صباح جلّول
هذه المشاهد ليست من غزة، بل من مخيمات الضفة الغربية. كل هذا الخراب المتمددة رقعته والمنفلتة مقاديره سمّاه جيش الاحتلال بصفاقته المعهودة عملية "المخيّمات الصيفية"، معتقداً أنه في رحلة صيفٍ "تأديبية" إلى مخيماتٍ صنعتها تهجيراته لأهلها.. والتهجير مستمرٌ لم ينتهِ. هكذا استيقظت جنين وطوباس وطولكرم وبلدات شمالي الضفة الغربية، فجر يوم الأربعاء 28 آب/ أغسطس 2024، على هجومٍ كبير شنّته قوات الاحتلال الإسرائيلي، بما وُصف بالعملية الإسرائيلية الأوسع في الضفة منذ عدوان عملية "السور الواقي" عام 2002، وهدفها الأول القضاء على حالة المقاومة، وترهيب المدنيين، وتخريب البنى التحتية.
كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"
29-08-2024
هذه مخيمات أكبرها لا تتجاوز مساحته النصف كيلومتر مربع، غير أنها لطالما نجحت في تأريق الاحتلال بابتداعها وسائل متجددة لإشعال جذوة المقاومة وحفظ استمراريتها. طائرات مروحية، مسيرات، دبابات، جرافات، تقييد حركة الأهالي، إجبارهم على النزوح، حصار المستشفيات، استهداف الصحافيين وتهديدهم، ونسخ مختلفة عما يرتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، نراها في مخيمات "جنين" و"نور شمس" و"الفارعة" و"بلاطة" ومناطق شمال الضفة.
عدوان متمدّد..
اغتالت الطائرات المسيرة منذ الساعات الأولى للهجوم أكثر من 10 مقاومين في فصائل مختلفة بواسطة الطائرات المسيرة. وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، فقد أسفر الهجوم الإسرائيلي عن مقتل 29 فلسطينياً في شمال الضفة الغربية منذ بداية عمليته وحتى الثاني من أيلول/ سبتمبر 2024، بالإضافة إلى إصابة 121 آخرين. وفي اليوم الثاني من العدوان، اغتيل "أبو شجاع"، قائد لواء طولكرم في مخيم "نور شمس" للاجئين، الذي حاول الاحتلال اغتياله غير مرة سابقاً، وفشل. ولم يبدأ الاحتلال بالانسحاب من مخيم "نور شمس" في "طولكرم" ومخيم "الفارعة" في "طوباس" حتى دمّر متعمداً البنى التحتية وجرف الطرقات وكسّر الممتلكات الخاصة، ما تسبب بقطع المياه عن المدينة مؤقتاً، ليعود بعدها ويقتحم "طولكرم" مجدداً، ليتابع عمله الوحشي: قنص طفلاً في رأسه وأمعن في تفتيت البنية التحتية الأساسية للمخيم.
أمّا في "جنين"، فقد تواصلت العملية بشراسة بعد أكثر من أسبوع على بدايتها، وقد كان مقرراً أن تنتهي يوم الثلاثاء في الثالث من أيلول/ سبتمبر، إلا أن الاحتلال قرر تمديدها إلى وقت لم يحدده. أجبر الاحتلال كثيراً من السكان على مغادرة بيوتهم والنزوح إلى مناطق أخرى، فيما حوصر آخرون في منازلهم وسط انقطاع المياه والكهرباء. أحالت آليات الاحتلال 70 في المئة من شوارع المخيم إلى شوارع مجرّفة غير صالحة للاستخدام، ووجد الصحافيون في "جنين" أنفسهم عرضة لإطلاق النار المباشر من قبل قوات الاحتلال أثناء محاولتهم التغطية، وتعرضت الطواقم الطبية وطواقم الإسعاف للاعتداء وإعاقة الحركة والتفتيش.
بعد نحو أسبوع على بدء العدوان على الضفة، قرّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تصنيف الضفة الغربية "جبهة القتال الثانية" الأكثر أهمية بعد غزة.
وعمليات مقاوِمة..
في الموازاة مع ذلك، انطلقت 3 عمليات مقاومة ضد أهداف إسرائيلية في "الخليل"، جنوبي الضفة الغربية. سيارتان مفخختان بالقرب من مستوطنة "غوش عتصيون" الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي، تلاها عملية أقدم عليها عضو سابق في الحرس الرئاسي الفلسطيني، أطلق النار على ثلاثة من ضباط الشرطة الإسرائيلية في "ترقوميا" بالقرب من "الخليل" فأرداهم يوم الأحد الماضي، وحوصر منفذ العملية فتحصّن في منزل مهجور واشتبك مع الاحتلال إلى أن استشهد.
يتساءل الإعلام الإسرائيلي وسط هذا: "هل عدنا إلى أيام الانتفاضة؟"...
بالأرقام
حسب وزارة الصحة الفلسطينية، سقط أكثر من 681 شهيد و5700 جريح في الضفة الغربية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حتى الثاني من أيلول/ سبتمبر 2024.
أطباؤنا و"أطباؤهم"
04-07-2024
أخذ الاحتلال الناس.. وأعادهم جثثاً بلا هوية
08-08-2024
أقامت دولة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 25 بؤرة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، حسب منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية، منذ بدء حرب الإبادة في غزة، وقدمت تقريراً في تموز/ يوليو 2024 يشير إلى إجراءات جديدة اتخذتها حكومة الاحتلال بهدف توسيع وتسريع عملية الضمّ، كالموافقة على 8721 وحدة سكنية جديدة وتصنيف حوالي 24 ألف كيلومتر مربع كـ"أراضي دولة". كما تمّ الاعتراف بـ70 بؤرة استيطانية غير قانونية، مما يجعلها "مؤهلة للتمويل الحكومي والبنية التحتية". يحصل هذا بالتوازي مع حرب الإبادة في غزة، ويرسم صورة واضحة عن المخططات الشاملة والمتروكة بلا رادع تماماً للاحتلال.
الرسالة الإسرائيلية من العدوان الإرهابي على المخيمات هي تلقين كلّ مكان يحتضن أيّ إمكانيات للمقاومة درساً من جهة، ومن جهة أخرى تحضير الأرضية لخطط استيطانية جديدة تأكل كل فلسطين. هدفٌ لا يخفى على أحد، تعلنه صورة الخريطة التي استخدمها نتنياهو في شرحه التلفزيوني عن محور فيلادلفيا، والتي تختفي فيها الضفة الغربية تماماً من الخارطة!