ليست هي المرة الأولى التي يُطرح فيها مشروع تعديل "قانون الأحوال الشخصية" للتصويت عليه في "مجلس النواب العراقي". فقد كانت هناك محاولات سابقة متعددة لتمريره، لكنها جميعاً باءت بالفشل. فقد طرحه "حزب الفضيلة الإسلامي" على "مجلس النواب" عام 2014، ثم عاد وطرحه عام 2017. واصطُلح على تسميته وقتها بـ"القانون الجعفري"، على اعتبار أنه يستند في بنوده إلى أحكام "المذهب الجعفري الشيعي". لم يُمرَّر المشروع في "مجلس النواب"، لأسباب متعددة، منها حملات توعية بخطورة التعديل قادتها منظمات حقوقية ونسوية، والتي تزامنت أيضاً مع الأزمات السياسية في البلاد. ففي عام 2014 تَصدَّر المشهد السياسي تبعات سقوط مدينة "الموصل" وضواحيها في يد "تنظيم داعش الإرهابي"، و تقصير حكومة "نوري المالكي"، رئيس الوزراء آنذاك، والذي أدى إلى كارثة السقوط ومجازر القرى "الأزيدية" ومجزرة "سبايكر" [1]. بينما كان تحرير المدينة من التنظيم عام 2017 هو ما شغل الشارع وتصدَّر المشهد العام.
"الجعفري" يَسوق نساء العراق لعصر الجواري
12-09-2017
محاولة جديدة للدفع بقانون أحوال شخصية رجعي في العراق
25-06-2017
عادت الأحزاب الدينية عام 2020 إلى التلويح بالتعديل المذكور، واستخدمته كوسيلة للضغط ضد تمرير "مشروع قانون مناهضة العنف ضد الأسرة"، الذي طرحته منظمات حقوقية ونسوية على "البرلمان العراقي"، كمسودة أولية في العام نفسه، وذلك في ظل تفاقم حالات العنف الأسري وتزايدها. وعلى الرغم من فشل كل المحاولات السابقة لتمرير "القانون الجعفري"، أعيد طرحه في الأسابيع القليلة الماضية مرة أخرى، تحت مسمى "مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية"[2]، لكنه طرح هذه المرة من قبل حكومة "الإطار التنسيقي"[3]، وهو الجهة التي تشكل الحكومة الحالية في العراق.
اعتمدتْ المحكمة المدنيّة في العراق في حلّ نزاعات الميراث المعقّدة على "قانون الأراضي الأسريّة"، أو ما كان يسمّى بـ "قانون الأراضي الأميريّة"، الذي وُضع في زمن الحكم العثمانيّ في العراق، واعتاد النّاس عليه. وهو ينصّ على انتقال أملاك المتوفَّى العقاريّة والمنقولة بالتّساوي بين ذرّيّته ذكوراً وإناثاً، واضعاً الحلّ مرّة أخرى في يد القاضي المدنيّ، وشاملاً لكلّ العراقيّين بغضّ النّظَر عن دياناتهم.
المعارك القانونية حول هذا التعديل كانت ولا تزال مستمرة منذ سنوات. لكن الأمر هذه المرة وصل الى أن أصدرت "نقابة المحامين العراقيين" قبل أيام بياناً، أعلنت فيه عن منع المحامين من الظهور في وسائل الإعلام، إلا بطلب تصريح من النقابة نفسها. صدر البيان، والذي عدّه كثيرون تقييداً واضحاً لحرية الرأي والتعبير، التي ينص عليها "الدستور العراقي"[4]، بعد اللغط الذي أثاره ظهور محاميات ومحامين على بعض القنوات العراقية لمناقشة تعديل "قانون الأحوال الشخصية"، وأسباب رفضه من قبل معظم المؤسسة القانونية والقضائية. ادّعت "نقابة المحامين" أن القرار جاء لحماية المحامين بعد تعرضهم، خاصة النساء منهم، للتشهير والتخوين، في أحيان كثيرة، على الهواء مباشرةً، من قبل الضيوف الآخرين المؤيدين لمشروع التعديل. إضافة إلى التهديدات التي تلقاها هؤلاء المحامون/المحاميات بعد إبداء معارضتهم/هن للمشروع المقترح، فيما يبدو أنها حملة ممنهجة لتشويه صورة كل من يعارضه. في الوقت نفسه، تعرضت تظاهرة نسوية في مدينة "النجف"، للاعتداء من قبل بعض رجال الدين وبعض رجال العشائر المرافقين لهم، وهم يرددون "كلا كلا للنسوية" "كلا كلا للشيوعية" "كلا كلا للماسونية"، حتى وصل بهم الأمر إلى الاعتداء بالأيدي على المتظاهرات، مما دعا رجال الشرطة إلى التدخل[5] .
"قانون الأحوال الشخصية 188"
لا يمكن القول بأن "قانون الأحوال الشخصية العراقي" رقم 188 لعام 1959، الساري حالياً، قانونٌ مثاليّ. إلا إنه كان سابقاً لأوانه، ويعد من أكثر قوانين الأحوال الشخصية - إن لم يكن الأكثر - تقدماً في تنظيم أحوال الأفراد والأسرة في المنطقة آنذاك. رسّخ القانون في أحكامه التي سرت على جميع مواطني العراق سواسية من دون تمييز، فكرة المواطنة بغض النظر عن العرق، المذهب أو الدين. فقد جاء نص البند الأول من المادة الثانية من القانون: "تسري أحكام هذا القانون على العراقيين إلا من استثني منهم بقانون خاص". لذلك، لا يذكر الدين ولا المذهب في أي من الهويات أو الأوراق الرسمية في العراق، ما عدا شهادة الوفاة وعقد الزواج، الذي يذكر فيه الدين والمذهب فقط لتنظيم استرداد المرأة المطلقة للمؤخر المتفق عليه[6]. ويُقرأ البند الثاني والثالث من المادة الأولى، على التوالي: "إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيُحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون"، و"تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقرها القضاء والفقه الإسلامي في العراق وفي البلاد الإسلامية الأخرى التي تتقارب قوانينها من القوانين العراقية" [7]. فقد راعت اللجنة المشرِّعة للقانون أن تكون بنوده مدنية، من دون المساس بتشريعات الدين الإسلامي، مع الأخذ بعين الاعتبار التعدد الواسع في المذاهب والأديان في المجتمع العراقي. فمنَح القانون اليد العليا للقضاء وآلياته، واعتبر القاضي والمحكمة المدنية هي السلطة العليا المنفِّذة للقانون.
يطالب المقترح الجديد المقدَّم، "مجلس النواب" بالمصادقة عليه و إقرار نفاذه، على أن تقدَّم تفاصيل بنود أحكام الأحوال الشخصية من قبل "الوقف السني" - الذي ستحتكم بموجبها "الطائفة السنية" - و"الوقف الشيعي" - الذي ستحتكم بموجبها "الطائفة الشيعية" - إلى المجلس خلال 6 أشهر من تاريخ إقرار القانون. أي إن المصادقة ستكون على بنود غير معروفة أصلاً.
يعلي هذا المقترح يد المؤسسة الدينية، و يقضي على مدنية الدولة والمجتمع، ويعزز الطائفية الدينية، فيجعل أبناء البلد الواحد يحتكمون لقوانين مختلفة، مما يتعارض مع المادة 14 من "الدستور العراقي" لعام 2005 والتي تنص على أن "العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية(...) أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.
فمثلاً ينص قانون 188 على أن الزواج لا يعتبر نافذاً، وإن كان قد عقد عقداً دينياً (مسلماً، مسيحياً، صابئياً، أزيدياً .. إلخ من الأديان) إن لم يسجل في المحكمة المدنية بحضور الزوجين وموافقتهم المعلنة. بل "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة، أو بغرامة لا تقل عن 300 دينار ولا تزيد على 1000 دينار كل رجل عقد زواجه خارج المحاكم، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات إذا عَقد خارج المحكمة زواجاً آخر مع قيام الزوجية" [8]. فلا يحق للرجل بحسب قانون 188 الزواج بامرأة أخرى إلا بموافقة القاضي، بعد النظر في توافر الشروط ومن ضمنها القدرة المالية وإمكانية العدل بين الزوجات والتي يقررها القاضي المدني بعد الاطلاع ودراسة حالة الزوجة الأولى. فيما حدد القانون سن الزواج بسن 18 عاماً، وفي حالات يحددها القاضي فقط بتوافر الشروط البدنية والشرعية، يمكن إتمام الزواج بما لا يقل عن 15 عاماً لكلا الجنسين.
العنف ضد النساء في العراق، ما هو المختلف؟
08-09-2020
نساء العراق يقاومن العسف في بلدٍ منكوب
08-01-2022
أما في أمور الميراث وانتقال الملكيّة، فقد تعمّد القانون عدم تحديد الدّيانات، حيث تختلف المدارس الفقهيّة والأديان بشأنها. فهي وإن ذكرتْ أنّ "للذكر مثل حظّ الأنثيين"، إلّا أنّ المحكمة المدنيّة في العراق اعتمدتْ في حلّ نزاعات الميراث المعقّدة (إلى الحدّ الذي تخرج فيه من اتّفاقات الأسرة الداخليّة إلى المحكمة)، على "قانون الأراضي الأسريّة"، أو ما كان يسمّى بـ "قانون الأراضي الأميريّة"، الذي وُضع في زمن الحكم العثمانيّ في العراق، واعتاد النّاس عليه منذ زمنٍ بعيد. وينصّ هذا القانون على انتقال أملاك المتوفَّى العقاريّة والمنقولة بالتّساوي بين ذرّيّته ذكوراً وإناثاً، واضعاً الحلّ مرّة أخرى في يد القاضي المدنيّ، وشاملاً لكلّ العراقيّين بغضّ النّظَر عن دياناتهم.
مقترح تعديل "قانون الأحوال الشخصية"
يجلس شابان في سيارة فيما يتحدث أحدهما في الهاتف مع زوجته محاولاً إقناعها بأن تهدأ. يخبر صديقه بعد أن يغلق الهاتف معها، بأنها تبكي لأنها "أخذت 6 بالإملاء"، فيضحك صديقه متباهياً بأن زوجته كل درجاتها في المدرسة "10 من 10". هذا أحد الفيديوهات التي يتندر بها العراقيون، على ما يمكن أن يحدث في حال أقر البرلمان العراقي مشروع تعديل "قانون الأحوال الشخصية" المطروح. حيث يبيح أحد بنود مشروع التعديل زواج الفتيات في سن 9 سنوات.
تعرضت تظاهرة نسوية في مدينة "النجف"، للاعتداء من قبل بعض رجال الدين وبعض رجال العشائر المرافقين لهم، وهم يرددون "كلا كلا للنسوية" "كلا كلا للشيوعية" "كلا كلا للماسونية"، حتى وصل بهم الأمر إلى الاعتداء بالأيدي على المتظاهرات، مما دعا رجال الشرطة إلى التدخل.
على العكس من "قانون الأحوال الشخصية" 188، يحتِّم التعديل المقترح على الأفراد بدءاً، اختيار المذهب الذي سيُعقد الزواج عليه. وعلى أساس اختيار هذا المذهب، يحتكمون في كل أمور أحوالهم الشخصية، التي من ضمنها الزواج، الطلاق، الحضانة، الميراث، إلخ. فيضع السلطة كاملة في يد رجل الدين/ الشيخ.
على العكس من "قانون الأحوال الشخصية" 188، يحتِّم التعديل المقترح على الأفراد بدءاً، اختيار المذهب الذي سيُعقد الزواج عليه، مستغلين بذلك المادة 41 من الدستور العراقي لعام 2005 والتي تنص على أن "العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية بحسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون". وعلى أساس اختيار هذا المذهب، يحتكمون في كل أمور أحوالهم الشخصية، التي من ضمنها الزواج، الطلاق، الحضانة، الميراث، إلخ. فيضع السلطة كاملة في يد رجل الدين/ الشيخ، فهو من "لديه التخويل الشرعي" لعقد الزواج وغيرها من الأمور المترتبة عليه. ثم يقوم بإجبار المحكمة المدنية على المصادقة على أي زواج عُقٍد عن طريق "المخوَّل الشرعي".
يفتح ذلك أمامنا باب إعادة حل أمور الأحوال الشخصية بحسب الاجتهادات والآراء الفقهية، خاصة أن المقترح الجديد المقدَّم يطالب "مجلس النواب" بالمصادقة عليه و إقرار نفاذه، على أن تقدم تفاصيل بنود أحكام الأحوال الشخصية من قبل "الوقف السني" - الذي ستحتكم بموجبها "الطائفة السنية" - و"الوقف الشيعي" - الذي ستحتكم بموجبها "الطائفة الشيعية" - إلى المجلس خلال 6 أشهر من تاريخ إقرار القانون، أي إن المصادقة ستكون على بنود غير معروفة أصلاً. فتدور النقاشات مثلاً حول أن "المذهب الجعفري" يحلل زواج الفتاة في سن 9 سنوات، على اعتبار أن هذا هو سن البلوغ. وقد يقرر فقهاء آخرون بأنه سن التكليف للفتاة فقط :(الصوم، الصلاة، الحجاب، إلخ..)، بينما قد يقرر آخر بأنه سن الدخول في الزواج. كل هذا يعتمد على المدارس الفقهية المتبعة في المذهب نفسه. وتسري تلك الآراء الفقهية على مسائل عقود الزواج المؤقت ("المتعة" في المذهب الشيعي و"المسيار" في المذهب السني)، وغيرها من الأمور التي قد تمنح غطاءً شرعياً لجرائم استغلال الفتيات والنساء. خطورة هذا المقترح تكمن أيضاً في أنه يُعلي يد المؤسسة الدينية بمدارسها المختلفة، و يقضي على مدنية الدولة والمجتمع، كما أنه يعزز الطائفية الدينية، فيجعل أبناء البلد الواحد يحتكمون لقوانين مختلفة على الرغم من تشابه الظروف والمكان. مما يتعارض مع المادة 14 من "الدستور العراقي" لعام 2005 والتي تنص على أن "العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي". يحدث هذا كله في ظل حديث عن مساومات مستمرة بين زعماء الطوائف حول" قانون العفو العام للسجناء"، الذي يعوِّل عليه السياسيون والزعماء السنة، لإطلاق سراح بعض من اعتقلوا، بتهم الإرهاب وغيرها من التهم، التي دخلت ضمن صراعات القوى السياسية.
يجلس شابان في سيارة فيما يتحدث أحدهما في الهاتف مع زوجته. يخبر صديقه بأنها تبكي لأنها "أخذت 6 بالإملاء"، فيضحك صديقه متباهياً بأن زوجته كل درجاتها في المدرسة "10 من 10". هذا أحد الفيديوهات التي يتندر بها العراقيون، على ما يمكن أن يحدث في حال أقر البرلمان مشروع تعديل "قانون الأحوال الشخصية" المطروح، حيث يبيح أحد بنوده زواج الفتيات في سن 9 سنوات.
وفي الوقت نفسه، تُرفع رواتب النواب، و تتنصل الحكومة من تنفيذ وعودها في تعيين المتخرجين العاطلين عن العمل، بينما تقمع بوحشية مظاهراتهم المطالبة بحقوقهم. ويُطلق سراح بعض الشخصيات المتهمة بقضايا خطيرة، كاختلاس أموال الدولة، مثل المدعو "نور زهير" المتهم الرئيس بما عُرِف بـ"سرقة القرن"[9]، أو المتهم بقتل المتظاهرين الضابط المدعو "عمر نزار"، المتهم الرئيس بـ"مجزرة جسر الزيتون"[10] في مدينة "الناصرية".
في بلد لا يزال يعاني بعد عقدين من الزمن من تبعات الحروب والاحتلال الأمريكي -المسؤول الأول عن إرساء نظام المحاصصة الطائفية، والتي أدت إلى تفشي الفساد في كل أركان الحكم - لا يزال المجتمع العراقي يحاول جاهداً التمسك بمدنيته وبمؤسساته القضائية التي من دونها، لن يجد أملاً في محاسبة المقصِّرين والفاسدين، ولا في استرداد أي من حقوق مواطنيه، الذين عانوا ولا يزالون يعانون الأمرين منذ عقود طويلة.
- https://shorturl.at/EI4z7 ↑
- https://shorturl.at/fU8rA ↑
- https://shorturl.at/xda1z ↑
- https://www.youtube.com/watch?v=AmYYyvwYAp0 ↑
- https://www.youtube.com/watch?v=YEokc5LzCpw https://www.youtube.com/watch?v=lQFH_aLgcLc ↑
- يسدد المؤخر في "المذهب الجعفري الشيعي": "حين ميسرة". و في "المذهب الحنفي السني": "في أقرب الأجلين" ↑
- https://cl.gy/UDWEF ↑
- https://cl.gy/UDWEF ↑
- https://cl.gy/wcxLP ↑
- https://www.rudawarabia.net/arabic/middleeast/iraq/14082024 ↑