بعض النساء الإيزيديات اللواتي اختطفهن تنظيم "داعش"، وقام باسترقاقهن وبيعهن وشرائهن كغنائم حرب، وتعرضن للاغتصاب من قبل عناصر تنظيم "داعش"، أنجبن الأطفال أثناء احتجازهن في سوريا. آباؤهم عناصر من "داعش"، قُتلوا أو اعْتُقِلوا في سجون مختلفة، أو حُكِم عليهم بالإعدام. فماذا حدث لهؤلاء الأطفال، بعد تحرير النساء، عن طريق شراءهن من نخّاسي "داعش"، وتهريبهن إلى العراق؟
المجتمع والدين "الإيزيدي" ضد أطفال النساء المغتصبات
الإجابة عن هذا السؤال، تتطلب إلقاء نظرة على المجتمع "الإيزيدي" المنغلق على نفسه. "الإيزيدية" دين لمجموعة صغيرة حول العالم، أغلبها في شمال العراق، وتحديداً في قضاء "سنجار"، بجبله والقرى المحيطة به، قرب الحدود مع سوريا في شمال العراق، قبل أن يتم تهجيرهم إلى مخيمات النازحين في إقليم "كردستان"، خلال حرب تنظيم "داعش" على العراق في عام 2014. كان عددهم قبل التهجير حوالي 450 ألفاً، مُوَزَّعين على مناطق وقرى مختلفة، من قضاء "سنجار"، غرب محافظة "نينوى". وللإيزيديين عادات وتقاليد خاصة بهم، ومعبد رئيس يسمى "لالش". ويعتبر الإيزيديون أن ديانتهم من أقدم الديانات في العالم، وأنها تعود إلى آلاف السنين. ولا يعترف الإيزيديون بالأطفال كأبناء لديانتهم، إلّا إذا كانوا لأبوين إيزيديين، ولا يسمحون لأحد باعتناق ديانتهم.
الموت امرأة من شنكَال
13-03-2024
وهو مجتمع لا يقبل ارتباط وزواج أفراده من أشخاص يعتنقون ديناً آخر، مهما كان. ومَن يتجرأ على هذه الخطوة، سيُحرم إلى الأبد من العودة إلى أهله. وقد انغلق المجتمع الإيزيدي أكثر على نفسه بعد محاولات التطهير ومحو الهوية، التي قامت بها عصابات تنظيم "داعش"، باستباحة قتلهم لكونهم إيزيديين، وأجبرت عناصر "داعش" بعضهم على اعتناق الإسلام.
أخذوهن إلى مكتب إحدى المنظمات غير الحكومية المحلية، وطلبوا منهن ترك أطفالهن هناك. واحدة من النساء قالت إنها شعرت "كما لو أن عمودي الفقري قد انكسر، وانهار جسدي بأكمله". كما أشار التقرير إلى محاولات عدد من النساء اللواتي أجرت "منظمة العفو الدولية" معهن لقاءات، الانتحار هرباً من تأنيب الضمير. وكثيرات توسلن أن يتم جمع شملهن بأبنائهن وبناتهن مرة أخرى.
بعض هؤلاء النسوة كن على علمٍ برفض الدين والمجتمع لأطفالٍ ولدوا لهن بعد اغتصابهن من قبل عناصر تنظيم "داعش". لكنهن أمهات في نهاية المطاف، وهؤلاء هم أطفالهن، يحملون دماءهن، ورضعوا حليبهن لتنشأ بينهم علاقة حياة وسط الموت. يصفن أطفالهن بأنهم السبب في نجاتهن، وأنهم كانوا النور في وسط الظلام الذي أحاط بهن من مختلف الجهات. كما أنهم لم يولدوا بإرادتهن ورغبتهن.
بعد جهود مضنية، تمكّن أهالي بعض النساء من التواصل معهن، والتوسط لشرائهن وتهريبهن من بيوت "داعش"، وإحضارهن إلى "سنجار"، مسقط رأسهن، أو إلى مخيمات النزوح في "كردستان". يجب هنا ذكر تخفّي بعض النساء في مخيمي "الهول" و"الروج"، الذي يحوي عائلات ترتبط بشكل أو بآخر بعناصر تنظيم "داعش"، أو كانت متواجدة في مناطق سيطرتهم. وبعد تحرير تلك المناطق، لجأت هذه العائلات إلى تسليم نفسها إلى "قوات سوريا الديمقراطية"، وأُسكِنت هذين المخيمين اللذين يخضعان لسيطرة "قسد"، بدعم من التحالف الدولي. بعض النسوة من اللواتي هربن من مناطق سيطرة "داعش" المدمرة كن إيزيديات، وتخوفن من كشف هويتهن لئلّا يتعرضن للقتل، من قِبل خلايا "داعش" النشطة في المخيمين، أو أن يُلاحقن باعتبارهن كافرات، قتلهن حلال، بل واجب. إذ أن هناك حملاً علنيّاً للسلاح، وأنشطة لخلايا "داعش"، خاصة في قسم "الأجنبيات".
هؤلاء النسوة، كن على علمٍ برفض الدين والمجتمع لأطفالٍ ولدوا لهن بعد اغتصابهن من قبل عناصر تنظيم "داعش". لكنهن أمهات في نهاية المطاف، وهؤلاء هم أطفالهن، يحملون دماءهن، ورضعوا حليبهن لتنشأ بينهم علاقة حياة وسط موت استورده تنظيم "داعش" وغذّاه في معتقلاته. يصفن أطفالهن بأنهم السبب في نجاتهن، وأنهم كانوا النور في وسط الظلام، الذي أحاط بهن من مختلف الجهات. كما أنهم لم يولدوا بإرادتهن ورغبتهن، لكنهم ولدوا من أرحامهن التي فجَّرتها الحرب، ورجالها الذين قرروا القيام بأعمال الآلهة، من خلال تصحيح مسار الإيزيديات، ولتغيير إنكارهن، كما ادَّعوا. بعضهن تعرضن للخداع، بوعود أطلقها أهاليهن، بقبول أطفالهن المولودين من عناصر "داعش"، وتطمينات كاذبة. ثم ما إن عادوا، حتى اضطروا إلى التخلي عن الأطفال إلى جهات مجهولة، وهن الآن لا يعرفن عن مصير أطفالهن شيئاً. فتقبلهم صار مستحيلاً، بعد قرار "المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى" في العراق، الذي رفض رفضاً قاطعاً قبول هؤلاء الأطفال.
تقرير لمنظمة العفو الدولية[1]، أشار إلى نساء اضطررن إلى الاختيار بين أطفالهن والمجتمع، وتخلين عن أطفالهن في سوريا، وكن كمن ترك قطعة من روحه هناك، من أجل عودتهن مرة أخرى إلى مجتمعهن. وأخريات عدن مع أطفالهن، مصدقات الوعود الخادعة من أهاليهن، ثم اضطررن إلى التخلي عن أطفالهن، بعد تهديدات متكررة بالقتل. أخذوهن إلى مكتب إحدى المنظمات غير الحكومية المحلية، وطلبوا منهن ترك أطفالهن هناك. واحدة من النساء قالت إنها شعرت "كما لو أن عمودي الفقري قد انكسر، وانهار جسدي بأكمله". كما أشار التقرير إلى محاولات عدد من النساء اللواتي أجرت "منظمة العفو الدولية" معهن لقاءات، الانتحار هرباً من تأنيب الضمير. وكثيرات توسلن أن يتم جمع شملهن بأبنائهن وبناتهن مرة أخرى.
الخيارات
هؤلاء الأمهات أمام خيارين لا ثالث لهما، أولهما البقاء في سوريا، في مخيمات تحوي عوائل مقاتلي تنظيم "داعش" مع أطفالهن، في ظل ازدياد العنف وانخفاض مستوى الاهتمام بملفهن. والثاني هو التخلي عن أطفالهن للسلطات العراقية، ليأخذوهم إلى دور الأيتام، أو لتسليمهم لعائلات المقاتلين من "داعش". وفي كلتا الحالين، يُسجلون كمسلمين. وفي العراق، يُسجل كل طفل بهوية مجهولة كمسلم. مما يعني أنه بعد ذلك لن يعود اللقاء بينهم وبين أمهاتهم ممكناً أبداً.
لا يُسجّل الأطفال الذين ولدوا من نساء إيزيديات لجهاديي تنظيم "داعش" ضمن سجلات السلطات العراقية. مستقبل هؤلاء الأطفال، الذين لا تعترف بهم الحكومة العراقية ولا يعترف بهم المجتمع، سيكون أسودَ لا محالة. أين سيذهب هؤلاء الأطفال؟ وكيف سيكبرون؟
"الإيزيدية" دين لمجموعة صغيرة حول العالم، أغلبها في شمال العراق، وتحديداً في قضاء "سنجار"، بجبله والقرى المحيطة به، قرب الحدود مع سوريا في شمال العراق، قبل أن يتم تهجيرهم إلى مخيمات النازحين في إقليم "كردستان"، خلال حرب تنظيم "داعش" على العراق في عام 2014. كان عددهم قبل التهجير حوالي 450 ألفاً.
على الرغم من إقرار قانون "الناجيات الإيزيديات" في العراق، واعتبار ما تعرضن له إبادة جماعية، إلا أن هذا القانون لم يلتفت إلى مصير هؤلاء الأطفال، الذين يقدّرون بالمئات. وإن تمت إعادتهم إلى عائلات المقاتلين، فهم في خطر الانتقام، الذي قد يتعرضون له، من قِبل عشائر مناطقهم الأصلية، عقاباً على أخطاء آبائهم.
والجهة الأخرى المؤثرة على مصير هؤلاء الأطفال هي الحكومات العراقية المتعاقبة. الحكومات في العراق، تفضّل كل واحدةٍ منها، تمرير مسؤولياتها إلى الحكومة القادمة، وبذلك تتراكم مجموعة مهام، لن يكترث أحد بتنفيذها.
لطخة تلوث بلد الحضارات
24-03-2024
كائنات المخيم
21-09-2023
لا يُسجّل الأطفال الذين ولدوا من نساء إيزيديات لجهاديي تنظيم "داعش" ضمن سجلات السلطات العراقية[2]. مستقبل هؤلاء الأطفال، الذين لا تعترف بهم الحكومة العراقية ولا يعترف بهم المجتمع، سيكون أسودَ لا محالة. إذ في بيئة متنوعة كالبيئة العراقية، ومتعددة، يمكن للنار أن تنشب في أي لحظة، كما حدث في الحرب الطائفية في 2006، فتلتهم "الأخضر واليابس"، ولا تفرّق بين مجرمٍ وضحية. وسيتحول هؤلاء الأطفال إلى وقود، لا تحتاج سوى إلى قائد متطرف يقودهم إلى الانتقام. لكن ممن؟
فالسؤال هنا إذاً، أين سيذهب هؤلاء الأطفال؟ وكيف سيكبرون؟ وما الذي يضمن عدم تحولهم إلى ماكينات تطرف وكراهية، بعد أن تخلى عنهم المجتمع، وأجبروا على فراق أمهاتهم، لأن آخرين قننوا أن حرية المرأة في العيش بين أهلها، بعد أسرها وبيعها واغتصابها، وأن حريتها تتوقف عند تسليم أطفالها.
لهفة الضحية لدور الجلاد
في خضم الهجمات التي تشنّها جماعات مدعومة بقوة من السلطات ومن جبنِ مواجهيها، وفشلهم في القيام بواجبهم، الذي يقبضون لقاءه أموالاً طائلة، هناك بعضٌ من الضحايا، يتخذون دور الجلاد الذي عانوا منه، وكذلك يسعون إلى تحقيق حلمهم، في حماية إرثٍ قديمٍ في عالم حديث. هؤلاء، لا يتنازلون عن خرافاتهم، وإن أدى بهم المسار الذي يسلكونه إلى التصرف بوحشية، وهم على استعداد للقتل، أو التهديد. تهديد أشباههم من الضحايا، الضحايا الأضعف من الضحايا الأقوى، لحماية إرث مشترك، لا أحد يتذكر أصله، بعدما صار أسطورة مكتسبة مشبعة بالخيالات.
يعتبر الإيزيديون أن ديانتهم من أقدم الديانات في العالم، وأنها تعود إلى آلاف السنين. ولا يعترف الإيزيديون بالأطفال كأبناء لديانتهم، إلّا إذا كانوا لأبوين إيزيديين، ولا يسمحون لأحد باعتناق ديانتهم.
الأكثرية التي تهاجم الأقلية، تترك فيها رغبة في تقييد الوحش المفترس، وفي أحايين كثيرة، ينتصر الضحايا في وحشيتهم تجاه بعضهم بعضاً، على القاتلين والمجرمين أنفسهم. وسلاحهم قوميٌّ ودينيٌّ وطائفي، بمباركة الضحايا الكبار، الأهم، الذين أسرجوا خيول الحرب واقتادوها إلى بلوغ مآربهم. وبمجرد وراثتهم اسماً أو موقعاً في القبيلة أو الطائفة، يقررون مصائر وحيوات الناس، ويجرِّمون كل شذوذ عن القاعدة، ويقررون كيف يحيا ابن الشارع وابنته، لأنّهم يحملون السر المقدس، الذي لا يعرفون عنه شيئاً! لا سيما أن أغلب الأقوال الدينية والأدعية، يتم تناقلها عبر القوّالين، ورجال الدين، وهي غير مكتوبة، ما يجعلها عرضة للتدخلات والتغييرات عبر السنوات، ويمكن أن تكون النصوص التي وصلت إلينا الآن، لا تتشابه مع النسخة الأصلية للنصوص الدينية، خاصةً أن التقاليد قد تداخلت مع المحيط الجغرافي والمحيط الديني المتنوع...
فما الذي يمنع قبول هؤلاء الأطفال، وإجراء تغيير بسيط على الماضي الموروث أو المفترض، لإنقاذ حيواتهم والإسهام في مداواة قلوب أمهاتهم؟
- https://www.amnesty.org/ar/documents/mde14/2759/2020/ar/ ↑
- https://tinyurl.com/ykb8f5ma ↑