إعداد وتحرير: صباح جلّول
توجه الطبيب محمد أبو سلمية، مدير "مجمع الشفاء الطبي" قبل مجزرة الاحتلال فيه، ، فور تحرّره من سجون الاحتلال، إلى مستشفى ناصر جنوب قطاع غزة ليمارس عمله فيه. لا يعطي نفسه يوماً واحداً للراحة، وهو الخارج لتوه من المعتقلات الإسرائيلية الأفظع، تلك التي فاقت أهوالها ما تكشّف في غوانتنامو وأبو غريب. لبس رداءه الأبيض مجدداً، وقد طرّز على أحد أكمامه رسمَ كوفيّة، في تحدّ وإصرار على متابعة المسير، بعد أكثر من سبعة شهور من الاعتقال في أقبية تعذيب فعلية، وخرج رفقته عدد من الكوادر الطبية الغزّية.
مستشفى الشفاء تنهض بأيدي الغزّيين
13-06-2024
"أولاً نقول لأهلنا في قطاع غزة وللمقاومة أنّنا تركنا الأسرى في وضع صعب جدّاً. تركناهم في وضع مأساوي. ما يمرّ به الأسرى الآن لم يمرّ عليهم منذ النكبة... الأسرى يتعرضون إلى إهانة جسدية وإهانة نفسية يومياً. هناك من الأسرى من استشهد في أقبية التحقيق. هناك من استشهدوا من الطواقم الطبية. الخدمة الطبية لا تُقدّم لأيّ أحد داخل السجون. بالعكس، الطواقم الطبية ]الإسرائيلية[ تعتدي على الأسرى، وهذا مخالف لكلّ المواثيق الدولية والإنسانية"، قال الطبيب في شهادته الأولى أمام الكاميرات، مناشداً المقاومة أولاً لإبقاء تحرير الأسرى وتبييض السجون على رأس أولوياتها في مفاوضاتها، ثمّ داعياً المنظمات الدولية للقيام بزيارات لتفقد أحوال الأسرى ومعاينة ما يعانون.
أثار إطلاق الدكتور أبو سلمية و54 أسيراً آخرين بشكل مفاجئ بلبلة كبيرة في أوساط الإسرائيليين، فعزت بعض التقارير ذلك إلى "إفساح المجال لضم مزيد من المساجين" في السجون، وهو ما نفته مصلحة السجون الإسرائيلية، قائلة أن "لا ضيق في مساحة السجون". قالت هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية بدورها أن السجون الإسرائيلية "ممتلئة"، فيما صرّح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أن الحلّ برأيه يتمثّل "بإعدام الأسرى" لإفساح المجال أمام آخرين! مؤكداً أنه لن يسمح "بتحسين ظروف المعتقلين الفلسطينين"، هذا بينما تبادل الوزراء وقادة الجيش والشاباك الاتهامات حول "من أطلق الأسرى"! تتنافس الجهات الإسرائيلية في اختلالها و"سايكوباتيتها" المعتادين، عبر استنكار حدثٍ كإطلاق سراح أطباء مدنيين والتوعّد بالمزيد من التوحش.
يلهو هؤلاء بأدوات تعذيبهم السياسية والبيروقراطية والحَرفية، بينما يتساقط الأسرى شهداء الواحد تلو الآخر. الانتهاكات يومية كما يشهد الدكتور أبو سلمية، الذي يؤكد أن "عدداً من السجناء استشهدوا في مراكز التحقيق"، وأن الأطباء والممرضين الإسرائيليين كانوا مسؤولين أيضاً لا فقط عن الإهمال الطبي المتعمد، بل عن سوء المعاملة المتعمد الذي يؤدي إلى مفاقمة بعض الحالات الطبية، وأدى إلى بتر أطراف عدة أسرى. كما ذكر تجويع الأسرى الذين فقد كل منهم على الأقل 25 كيلوغراماً من وزنه ويعيشون في حالة نقص تغذية متطرفة.
هذا هو فِعل "أطباء" الاحتلال الإسرائيلي...
أما في غزة، ومنذ إبادة القطاع الصحي الممنهجة في القطاع، قام الأطباء الفلسطينيون بجهود جبارة للإبقاء على حدّ أدنى من الخدمات في ظروف لا يتخيلها عقل. في الشمال حيث الأوضاع مزرية، تطوّع الدكتور العُماني هاني قدحي بتدريب عدد من طلبة الطب ليصيروا جاهزين لمباشرة مهام الإغاثة والعلاج. أعلن الطبيب على صفحته على منصة إكس: "بحمد الله أنهينا تدريب عدد كبير من طلبة الطب في الجامعة الإسلامية وجامعة الأزهر في غزة على مبادئ تقييم الإصابات والتعامل مع الإصابات في غرفة الطوارئ. الطلبة هنا حريصون على التعلم وملتزمون جداً بمهنية العمل.. بارك الله فيهم وفي عملهم". هؤلاء الشابات والشباب الصغار الذين لم تتح لهم فرصة إكمال تعليمهم الجامعي (فإلى جانب إبادة القطاع الطبي، أباد الاحتلال أيضاً القطاع التعليمي والجامعي بكامله)، يتطوعون لخدمة أهلهم ومجتمعهم على الرغم من كلّ الظروف التي تشجع أكثر الناس قوة على الإحباط!
ذلك في الشمال. ومن الجنوب، يطلع صوت الدكتور المحرر محمد أبو سلمية واعداً "بإذن الله تعالى سنعاود العمل وسنبني مجمع الشفاء الطبي كما كان وأحسن (...) هذا المجمع الذي سيكون منارة طبية لكلّ أهلنا في فلسطين بإذن الله"...
هذا هو فِعلُ أطباء غزّة الأعزّاء...