عمال مصر: سجناء لقمة العيش

في 22 شباط/ فبراير 2024، أعلنت حوالي 3700 عاملة، الاضراب للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور. للنضال النسائي في الاحتجاجات العمالية تاريخ إذا تصفحناه سنرى كيف قادت عاملات مصر إضرابات مهمة، نتيجة المصاعب الاقتصادية التي واجهنها وعائلاتهن. ويُعد إضراب مصنع شركة "غزل المحلة"، الذي انطلقت شرارته الأولى في 7 كانون الأول/ ديسمبر 2006، أحد أبرز وأكبر الإضرابات العمالية، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، قبل ثورة يناير.
2024-05-09

إسلام ضيف

كاتب صحافي


شارك
عاملات مصنع النسيج في المحلة، مصر

تشهد مصر ـ منذ مطلع العام الجاري ـ موجة من الاحتجاجات العمالية، كان أبرزها الإضراب عن العمل في مصانع شركة "الغزل والنسيج"، في مدينة "المحلة الكبرى"، الذي بدأ في 22 شباط/ فبراير 2024، أعلنت عنه حوالي 3700 عاملة، للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور تطبيقاً لقرار رئيس الجمهورية.

تضمن القرار - الذي أصدره الرئيس المصري مؤخراً في 7 شباط/ فبراير 2024 - رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين في الدولة، بنسبة 50 في المئة، ليصل إلى 6 آلاف جنيه، بينما يحصل عمال قطاع الأعمال العام الذي تتبعْه شركة "غزل المحلة"، على أجور أقل من ذلك. وقد استمر الاحتجاج أسبوعاً، بعد أن انضمت قطاعات كبيرة من عمال الشركة إليه.

فمع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية في مصر وارتفاع معدلات التضخم، انعكست النتائج بشكل مباشر وقاسٍ على العمال، في وقت شهدت فيه قيمة الأجور تراجعاً مستمراً، وارتفعت أسعار السلع الأساسية. كما كان لسياسات الدولة الاقتصادية، وفي القلب منها الاستدانة، تداعيات سلبية خطيرة على المستوى المعيشي للعمال وأسرهم.

وعلى الرغم من تنامي المبررات والدوافع التي قد تقود إلى الإضراب، إلا أن حجم الاحتجاجات العمالية خلال عام 2023 تراجع عن الأعوام السابقة. ويعود هذا التراجع إلى تشديد القيود على الإضراب، وغياب حرية التنظيم النقابي، إضافة إلى التعرض لتهديدات بالفصل من قبل أصحاب العمل، وصولاً إلى الحبس.

العاملات في طليعة الإضراب

للنضال النسائي في الاحتجاجات العمالية تاريخ إذا تصفحناه سنرى كيف قادت عاملات مصر إضرابات مهمة، نتيجة المصاعب الاقتصادية التي واجهنها وعائلاتهن. ويُعد إضراب مصنع شركة "غزل المحلة"، الذي انطلقت شرارته الأولى في 7 كانون الأول/ ديسمبر 2006، أحد أبرز وأكبر الإضرابات العمالية، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، قبل ثورة يناير.

بادرت العاملات بالإعلان حينها عن بدء الإضراب، اعتراضاً على عدم تطبيق الإدارة قرار مجلس الوزراء، الذي قضى بصرف مكافأة للعمال بقيمة شهرين، وخرجن إلى ساحات الشركة مُردداتٍ هتاف "الرجالة فين؟.. الستات ها هم"، لجذب زملائهن للانضمام إلى الإضراب. وقد استجاب الآلاف من العمال إلى تلك الدعوة، ودخلوا في اعتصام على الرغم من تلقيهم تهديدات أمنية باقتحام الشركة. لكن العمال المعتصمين صمموا على مواصلة الاعتصام، حتى اضطرت الإدارة إلى تنفيذ المطالب.

انتهى إضراب عمال مصنع شركة "غزل المحلة" في 2006 بانتصار ساحق، فتح الباب أمام واحدة من أكبر موجات الإضرابات التي شهدتها مصر. فكان لعمال النسيج دور فعال في التطورات السياسية. وهذه النضالات العمالية مهّدت للثورة المصرية في 2011. فبعد حال من الخمول امتدت إلى سنوات في الشارع المصري، أعادت مدينة "المحلة" الحيوية إليه مجدداً ، ووصلت أوجها عندما أعلن العمال عن الإضراب العام، في السادس من نيسان/ أبريل 2008 الذي تحول إلى انتفاضة عمالية كبيرة ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، فوجئت بها الأجهزة الأمنية التي قمعت المشاركين واعتقلت المئات. ولأول مرة استطاع المتظاهرون تحطيم صور "مبارك" في الشوارع الرئيسية.

على الرغم من تنامي المبررات والدوافع التي قد تقود إلى الإضراب، إلا أن حجم الاحتجاجات العمالية خلال عام 2023 تراجع عن الأعوام السابقة. ويعود هذا التراجع إلى تشديد القيود على الإضراب، وغياب حرية التنظيم النقابي، إضافة إلى التعرض لتهديدات بالفصل من قبل أصحاب العمل، وصولاً إلى الحبس.

في مصر، طالبت قوى سياسية وعمالية وعدد من الشخصيات العامة، بضرورة الإفراج عن عمال مصنع "غزل المحلة" المحبوسين، معتبرين أن معاقبة العمال بالحبس وتوجيه إنذارات بالفصل ـ بالتزامن مع عودة دعوات السلطة للذهاب إلى جلسات الحوار الوطني مرة أخرى ـ يبدو أمراً غير منطقيّ. والمطالبة بحرية العمال لم تتوقف فقط عند الأصوات المحلية، بل وصل صداها إلى العالم.

معركة أخرى، برز فيها نضال المرأة العاملة في مصنع شركة "المنصورة – إسبانيا" للملابس الجاهزة، خلال اعتصامهن وإضرابهن عن الطعام الذي استمر شهرين، بعد أن بدأ في 21 نيسان/ أبريل 2007 داخل المصنع، اعتراضاً على إهدار الإدارة حقوق العمال بتأخير صرف رواتبهم، وتحدت العاملات الإدارة التي حاولت تهديدهن، بتلفيق تهم الدعارة بسبب اعتصامهن في المصنع إلى جانب العمال الذكور.

وقد عادت الإضرابات إلى معقل الحركة العمالية في مدينة "المحلة" في عام 2024! وكالعادة في المناسبات السابقة، اندلعت الأحداث بمبادرة من العاملات اللاتي رددن شعارات منها: "واحد اتنين.. قرارات السيسي فين؟"، في إشارة إلى القرار الرئاسي الذي قضى برفع الحد الأدنى للأجور، ثم توقفن عن العمل في مصانع الملابس، مع انتشار الهتافات من مصنع إلى آخر، وانضمام العاملين الذكور إلى الإضراب.

تزامن ترديد الهتافات مع زيارة محافظ "الغربية"، لعمل جولة تفقدية وافتتاح أحد معارض المنتجات الغذائية في الشركة قبل حلول شهر رمضان، وسرعان ما اندفعت قوات الأمن، لمنع النساء من التدفق إلى الساحة الرئيسية للمجمع، المعروفة باسم "ميدان طلعت حرب".

استجابة محدودة

تعد صناعة النسيج من أكبر قطاعات العمل في مصر، كما أن شركة "مصر" للغزل والنسيج في "المحلة"، المملوكة للدولة، تعتبر رمزاً صناعياً مصرياً منذ بدايات القرن العشرين، وتضم حوالي 14 ألف عامل، وهي إحدى شركات قطاع الأعمال العام، الذي لا تشمله الموازنة العامة للدولة. وبالتالي تتبع سياسات المجلس القومي للأجور في الرواتب، فكان تطبيق قرار زيادة الحد الأدنى للأجور على رأس مطالب الإضراب، أسوة بالعاملين في القطاع الحكومي.

انتهى إضراب عمال مصنع شركة "غزل المحلة" في 2006 بانتصار ساحق، فتح الباب أمام واحدة من أكبر موجات الإضرابات التي شهدتها مصر. فكان لعمال النسيج دور فعال في التطورات السياسية. وهذه النضالات العمالية مهّدت للثورة المصرية في 2011. فبعد حال من الخمول امتدت إلى سنوات في الشارع المصري، أعادت مدينة "المحلة" الحيوية إليه مجدداً.

في مساء اليوم الرابع من الإضراب، أصدرت إدارة الشركة منشوراً فيه عدة بنود، لكنه لم يستجب بما يكفي لمطالب العمال والعاملات. حمل البند الثاني من المنشور صيغة غامضة فيما يتعلق برفع الحد الأدنى للدخل متجاهلاً التدرج الوظيفي، وعلقت "دار الخدمات النقابية والعمالية" على المنشور في بيان لها قالت فيه: "إن عبارة رفع الحد الأدنى للدخل من 4 آلاف جنيه إلى 6 آلاف جنيه لجميع العاملين تبدو غير مفهومة أيضاً، ذلك أن مفهوم الحد الأدنى للأجر هو أنه أقل أجر يحصل عليه العامل حديث التعيين، ويفترض أن يتم تدريج أجور سائر العاملين انطلاقاً من هذا الحد الأدنى، وقد خلا المنشور من أي إشارة إلى تدريج الأجور، بل إنه يثير اللبس بعبارة لكل العاملين، بينما كان مطلب العمال المعلن بوضوح هو 6000 آلاف جنيه حدّاً أدنى للأجور وتدرج الأجور انطلاقاً منه".

كما تجاهل المنشور مطلباً آخر للعمال، هو زيادة قيمة مخصصات "بدل الوجبة" الشهري، وهو غير كافٍ لشراء كيلوغراماً من اللبن يومياً، وجعله 900 جنيه بدلاً من 210 جنيهات.

تسعى الشركة إلى تقليص العمالة، بتوقيف التعيينات منذ سنوات ومحاولة التخلص من العمال، وهناك مخاوف لديهم من تسريحهم، كما حدث في مصانع أخرى. يأتي ذلك في ظل الاعتماد على ماكينات متطورة، تتطلب وجود أعداد قليلة فقط من العمال لتشغيلها، وهو ما تُطلق عليه الدولة "خطط التطوير"، بإقدام المؤسسة العسكرية على احتكار العديد من الصناعات، ويكون ذلك على حساب الأيدي العاملة.

ترهيب واعتقالات

على خلفية الإضراب وعلى الرغم من قرار العمال بإنهائه في 29 شباط/ فبراير 2024، احتجز "الأمن الوطني" في محافظة "الغربية" عشرات العمال والعاملات، قبل أن يقوم بالإفراج عن عدد منهم، مستخدماً في ذلك سياسة الترويع رداً على الإضراب.

ويستمر حبس عامِلّي الشركة: "وائل أبو زيد"، و"محمد محمود طلبة"، في مجمع "سجون العاشر من رمضان"، منذ تاريخ عرضهما على "نيابة أمن الدولة العليا"، في 10 آذار/ مارس 2024، على ذمة القضية رقم 717 لسنة 2024، بتهم الانضمام إلى جماعة شُكِّلت خلافاً للقانون، ونشر أخبار كاذبة. في الوقت نفسه، أصدرت إدارة الشركة إنذارات بالفصل لهما، خلال الأيام الأولى من احتجازهما، في مقر "الأمن الوطني" بدعوى تغيبهم عن العمل!

تشمل أساليب التنكيل الاستدعاءات غير القانونية للعاملين، والزج بهم في السجون لفترات طويلة، والتعرض للإخفاء القسري. من بين العمال المحبوسين أيضاً "سامح زكريا" العامل في "هيئة الإسعاف المصرية"، ويعود تاريخ القبض عليه إلى آب/ أغسطس عام 2022، حين اقتحمت قوات الأمن منزله، واختفى بعدها قسرياً لفترة دامت 4 أشهر، حتى تم عرضه على "نيابة أمن الدولة"، في القضية رقم 2412 لسنة 2022. ويواجه "سامح" حالة صحية خطيرة داخل حبْسِه، بسبب الإهمال الطبي وعدم متابعة حالته، إذ يعاني من مرض نادر، يهدده بفقدان حاسة السمع كلياً.

يتم اعتبار الأعضاء المنضمين إلى نقابات عمالية مستقلة، أنهم ضمن جماعات أسِّست بطريقة غير شرعية، في حين أن المناخ العام لا يسمح بتشكيل التنظيمات والاتحادات بحرية، ودون تدخل من السلطة. حتى وإن تمكنت هذه التنظيمات النقابية من إكمال أوراقها وفقاً للقوانين، فإنها تواجه العقبات في كثير من الأحيان، ولا تستطيع إتمام إجراءات تسجيلها رسمياً.

وبتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية، يقبع أحد الرموز النقابية في السجن، على ذمة القضية رقم 2124 لسنة 2023، هو "أحمد عبد الفتاح" الأمين العام المساعد للجنة النقابية للعاملين في شركة "شرق الدلتا" للنقل والسياحة، وعضو "لجنة الدفاع عن الحريات النقابية وحقوق العمل".

وإضافة إلى صعوبة الأوضاع المعيشية، يشكل حبس العمال عبئاً إضافيّاً على أسرهم، التي تتحمل كلفة الزيارات وتكاليف المعيشة داخل السجون. وفي مواصلة للهجمة الأمنية الشرسة، اختطفت الشرطة ـ قبل يوم واحد من يوم العمال العالمي ـ القيادي العمالي "شادي محمد"، من أمام منزله في مدينة الإسكندرية، أثناء عودته من عمله في أحد مصانع النسيج، وقررت النيابة حبسه في تحقيقات القضية رقم 1644 لسنة 2024.

يُذكر أنها ليست المرة الأولى التي يتم القبض فيها على "شادي"، إذ سبق اعتقاله في عام 2022، من داخل حافلة شركة "نايل لينين جروب" للمفروشات والمنسوجات، التي كان يعمل فيها، وفصله تعسفياً على خلفية المشاركة في احتجاجات ضد سياسة الشركة.

تضامن دولي مع العمال المحبوسين

في مصر، طالبت قوى سياسية وعمالية وعدد من الشخصيات العامة، بضرورة الإفراج عن عمال مصنع "غزل المحلة" المحبوسين، معتبرين أن معاقبة العمال بالحبس وتوجيه إنذارات بالفصل ـ بالتزامن مع عودة دعوات السلطة للذهاب إلى جلسات الحوار الوطني مرة أخرى ـ يبدو أمراً غير منطقيّ.

يتم اعتبار الأعضاء المنضمين إلى نقابات عمالية مستقلة، أنهم ضمن جماعات أسِّست بطريقة غير شرعية، في حين أن المناخ العام لا يسمح بتشكيل التنظيمات والاتحادات بحرية، ودون تدخل من السلطة. حتى وإن تمكنت هذه التنظيمات النقابية من إكمال أوراقها وفقاً للقوانين، فإنها تواجه العقبات في كثير من الأحيان، ولا تستطيع إتمام إجراءات تسجيلها رسمياً.

لكن المطالبة بحرية العمال لم تتوقف فقط عند الأصوات المحلية، بل وصل صدى قضية عمال مصنع "المحلة" إلى العالم، فأصدرت نقابات عمالية في بريطانيا بياناً تضامنياً مع عمال النسيج المصريين، أدانت فيه انتقام الحكومة المصرية من العاملين بحبسهم وحصار التنظيمات النقابية، كما نظّم عدد من النقابيين احتجاجاً في لندن، طالبوا فيه بالإفراج عن العمال المحبوسين في السجون المصرية.

حملة التضامن العالمية، تضمنت رسالة تلقاها مكتب وزير العمل المصري، موقعة من "اتحاد النقابات العمالية" السويسرية، ومنظمة "سوليفوندس"، لتحية نضال العمال من أجل حقوقهم والمطالبة بالإفراج الفوري عنهم، وإيقاف كل الإجراءات التعسفية التي تتخذها شركة "مصر" للغزل والنسيج ضدهم. وفي السياق ذاته، أعلن الموقع العالمي المتخصص في الشأن العمالي "ليبورستارت" عن تبني قضية الإفراج عن العمال.

وبمناسبة الأول من أيار/ مايو، يوم العمال العالمي، بعث الأمين العام لـ "الاتحاد الدولي للنقابات" رسالة إلى "الاتحاد المصري للنقابات العمالية"، أكد فيها تضامنه مع عاملي الغزل والنسيج المحتجزين، ووجه دعوة إلى الوحدة بين صفوف الحركة النقابية المصرية في مواجهة الشركات الكبرى التي تهدر حقوق العمال.

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه