"لدينا خطة خمسينية تهدف إلى زيادة نصيب الفرد من استهلاكه للأفوكادو. استهلاك اليوم يصل إلى حوالي 10 كيلو غراماً للفرد سنوياً. هذا ليس كافياً. نحن نطمح إلى أن نصل إلى 12 كيلو غراماً على الأقل للفرد سنوياً، وربما أكثر من ذلك خلال السنوات المقبلة". كلام رؤوفين دور، رئيس "هيئة مزارعي الأفوكادو في مجلس النباتات" الإسرائيلي، يؤشر إلى الاهتمام بزيادة زراعة الثمرة الخضراء، ليس فقط ضمن التراب الذي تستحوذ عليه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، بل أيضاً في دول أخرى، حيث المياه متوافرة - وإن بشكل شبه كاف - والأهم من ذلك حيث تنخفض تكاليف الإنتاج. هذه المواصفات وجدها الكيان الإسرائيلي في المغرب، الذي أعاد علاقاته السياسية معه بدءاً من كانون الأول/ ديسمبر 2020، وهي علاقات تشمل عدداً من المجالات والقطاعات، من ضمنها قطاع الزراعة.
"هدية" من المغرب كعربون للتطبيع
خلال عام 2021، انتشرت أخبار تفيد بأن إسرائيل، عبر شركة "مهادرين" وقّعت اتفاقية تعاون زراعي مع المغرب، تسعى من خلالها إلى إنتاج 10 آلاف طن من الأفوكادو سنوياً. استثمرت الشركة الإسرائيلية في 500 هكتار من السهول الغربية للمغرب، المعروفة بخصوبة تربتها ووفرة مياهها السطحية والجوفية، بقيمة مالية تصل إلى حوالي 8 ملايين دولار. هذه "الهدية" الاستثمارية المقدمة لإسرائيل من قبل المغرب، ستستنزف وفق تقديرات زراعية حوالي 10 مليار ليتر من المياه سنويّاً، إذ أن إنتاج كيلو غراماً واحداً من هذه الفاكهة يستهلك ألف ليتر من المياه، أي أكثر بكثير مما تستهلكه محاصيل أخرى كالطماطم والبرتقال. كما أن محصول الأفوكادو لا يستنزف المياه فقط، بل يتسبب في تضرر التربة، ويسهم في انحسار الأراضي الصالحة للزراعة، التي تمثل حوالي 12 في المئة من المساحة الكلية للبلاد.
جاءت لهفة الإسرائيليين تجاه هذا الاستثمار الراسخ، نتيجة عدة أسباب وعوامل "مشجعة" كما يصفها شاؤول شليح، الرئيس التنفيذي لشركة "مهادرين". ويوضح بأن "المغرب بلد يتمتع بظروف نمو جيدة، مع تكاليف أقل بكثير مما هي عليه في إسرائيل، كما أنه أقرب قليلاً إلى أسواقنا الرئيسية في أوروبا. بالإضافة إلى التكاليف المنخفضة، سنكون قادرين أيضاً على زراعة فاكهة تنضج في فترات لا تكون متوفرة في إسرائيل".
التوسع في الاستثمار الزراعي الإسرائيلي خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة متعدد الأسباب، يأتي في مقدمته النفوذ الذي توفره لإسرائيل مثل هذه المشاريع – أي الغرض السياسي ــ. وهناك بالطبع الرغبة في زيادة أرباح شركاتها. لذا اتجهت نحو أراضي المغرب الخصبة. ويشمل توسعها أيضاً دولاً عديدة تنتمي إلى النصف الجنوبي من العالم، مثل أفريقيا وبعض المناطق من أمريكا اللاتينية "والتي ستكون بالضبط الجزء المعاكس من العالم لحصاد الأفوكادو".
تستفيد إسرائيل من عشرات الأطنان من الأفوكادو الجيد المزروع في المغرب، والصالح للتصدير إلى أوروبا، في حين تصدّر لـ"شريكه" الفِلاحي الفواكه غير الصالحة للتصدير. كما يتم التلاعب بإجراءات تصدير الأفوكادو "الإسرائيلي" المزروع في المغرب إلى القارة العجوز، إذ يقوم معظم المنتجين الإسرائيليين ببيعه للأوروبيين تحت مسمى "صُنع في المغرب"، بغية الاستفادة من إعفاء ضريبي في بلدان تندرج ضمن اتفاق التبادل الحر مع المغرب.
بالموازاة، لم يكن هذا التطبيع الزراعي بين البلدين وليد الراهن، بل كان قائماً منذ عقد التسعينيات الفائتة، إذ بدأ في إطار خطة تبادل وتدريب الخبراء والأطر في مجال توزيع البذور، ومعدات الري، والأسمدة الذائبة، عبر شركات متخفية، أو عبر الالتفاف على قرار إغلاق "مكتب الاتصال" السابق. ومحصِّلة هذا البرنامج المشبوه هي أن زراعات مهمة في المغرب تضررت بشكل غير مباشر، ولا سيما زراعة الطماطم، إذ تعمدت إسرائيل إغراق البلد ببذور مَخصية (OGM معدلة وراثياً ولا تُزرع من جديد) إلى درجة أنها بلغت 80 في المئة من إجمالي البذور المزروعة بدءاً من عام 2008. ويأتي ذلك كوسيلة للتحكم في الأمن الزراعي للبلد، وجعله مستهلكاً وتابعاً لمشروع إسرائيل الزراعي التوسعي.
إسرائيل تتوسع.. زراعياً!
التوسع متعدد الأسباب يأتي في مقدمته النفوذ الذي توفره لإسرائيل مثل هذه المشاريع خارج الأراضي التي تحتلها ـ أي الغرض السياسي ـ والرغبة في زيادة أرباح شركاتها. لذا اتجهت نحو أراضي المغرب الخصبة. ويشمل توسعها أيضاً دولاً عديدة تنتمي إلى النصف الجنوبي من العالم، مثل أفريقيا وبعض المناطق من أمريكا اللاتينية " والتي ستكون بالضبط الجزء المعاكس من العالم لحصاد الأفوكادو"[1].
لماذا هذا الاهتمام الاستثنائي بالأفوكادو؟ لارتفاع الطلب عليها محلياً وعالمياً. بيد أن الجواب الثاني هو الأهم، إذ أن دولة الاحتلال ترغب في زيادة أرباحها من هذه الفاكهة، التي يتم تسويقها وتنميطها عبر منصات السوشال ميديا على أنها فاكهة "لا بديل لها لاكتساب جسم رياضي وصحة سليمة".
في هذا السياق، تشير إحصاءات شركة "مهادرين" إلى أن محصولها من هذه الفاكهة ازداد حوالي 60 في المئة خلال عام 2020، وهي نسبة تندرج ضمن نطاق زراعاتها الجديدة للأفوكادو، البالغة نحو 650 دونماً من أصل 1050 دونماً، ويعد الأفوكادو عنصراً رئيسياً في إيرادات هذه الشركة، إذ سجل حوالي 30 في المئة من حجم الأرباح العامة للفواكه خلال عام 2020.
وفي سياق أوسع، يطمح الكيان الصهيوني إلى الحفاظ على مكانته وتحسينها، كأحد أكبر المصدرين للأفوكادو في العالم، إذ يتوقع أن يضاعف إنتاجه من هذه الفاكهة أكثر من ثلاث مرات بحلول عام 2030، بواقع 12 طنّاً متريّاً، حسب ما أفادت به توقعات التقرير الصادر عن منظمتي التعاون الاقتصادي والتنمية والأغذية والزراعة للفترة 2021-2030 .
الأفوكادو مَلِكُ الصادرات رغم الإجهاد المائي
بات المغرب أيضاً ضمن قائمة كبار مصدِّري الأفوكادو، إذ احتل المرتبة التاسعة في لائحة المصدِّرين، التي بلغ حجم صادراتها ما بين 42 إلى 45 ألف طن حتى 7 يناير/ كانون الثاني الماضي 2024. وفي الوقت ذاته استورد المغرب ما يقارب 14 ألف طن من هذه الفاكهة خلال سنة 2023، وهذا رقم قياسي في إجمالي الواردات خلال السنوات الثمان الأخيرة.
وعلاوة على ذلك، بلغت أرباح الأفوكادو 139 مليون دولار خلال الفترة ما بين تموز/ يوليو 2022 وأيار/ مايو 2023، كما قام المصدِّرون المغاربة بتوسيع نطاق تجارتهم، إذ كانت تشمل قبل ست سنوات 19 دولة مستورِدة، أما اليوم فقد وصلت إلى 25 دولة. ويتوقع أن يتضاعف حجم الصادرات "ثلاث مرات خلال الـ 3-4 السنوات القادمة، ليصل حجمها إلى 100 ألف طن، بفضل الطلب المتزايد باطراد، من السوق الأوروبية وخاصة من هولندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا"[2].
الأفوكادو "هدية" استثمارية مقدمة لإسرائيل من قبل المغرب، كعربون للتطبيع معها، ولكنها تستنزف وفق تقديرات زراعية حوالي 10 مليار ليتر من المياه سنويّاً، إذ أن إنتاج كيلو غراماً واحداً من الافوكادو يستهلك ألف ليتر من المياه، أي أكثر بكثير مما تستهلكه محاصيل أخرى كالطماطم والبرتقال.
تستفيد إسرائيل من عشرات الأطنان من الأفوكادو الجيد المزروع في المغرب، والصالح للتصدير إلى أوروبا، في حين تصدّر لـ"شريكها" الفِلاحي الفواكه غير الصالحة للتصدير. كما يتم التلاعب بإجراءات تصدير الأفوكادو "الإسرائيلي" المزروع في المغرب، إذ يقوم معظم المنتجين الإسرائيليين ببيعه للأوروبيين تحت مسمى "صُنع في المغرب"، بغية الاستفادة من إعفاء ضريبي في بلدان تندرج ضمن اتفاق التبادل الحر مع المغرب.
تبدو هذه الأرقام إيجابية، لكن وراءها حقيقة صادمة، إذ أن زراعة هكتار واحد من الأفوكادو يعادل استنزاف 100 ألف ليتر من الماء. فهل هذا الأمر مُجْدٍ في ظل الإجهاد المائي وسنوات الجفاف المتتالية التي يسجلها المغرب؟
في بلد السدود: مياه شحيحة وزراعات مُسْتَنْزِفَة وعطش!
22-10-2022
المغرب: الأرض لمن؟
02-05-2019
إنه ليس أمراً مجدياً، والشاهد على ذلك ما سجله البلد خلال السنوات الخمس الماضية من إجهاد مائي، وصل إلى 6.5 مليار متر مكعب، منها 700 مليون خلال سنة 2022 وحدها. في حين، استُنزِف 300 مليون متر مكعب في مدة لم تتجاوز 10 أشهر بين أيلول/ سبتمبر 2022 وحزيران / يونيو 2023، وفق ما أعلن عنه وزير التجهيز والماء في 6 حزيران/ يونيه الماضي، في مجلس المستشارين المغربي. وقد وصل إجمالي المخزون المائي في السدود يوم 5 شباط / فبرايرالحالي إلى3.71 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 23.1 في المئة كنسبة ملء، مقابل نسبة 31.9 في المئة سجلت في التاريخ نفسه من السنة الماضية.
ماذا عن الحكومة؟
قرارها لم يكن جذرياً وكافياً، إذ اكتفت بتعليق دعم سقي الأفوكادو من بين المحاصيل المائية الأخرى. وهذه الخطوة الحكومية قد تم تنفيذها فعلياً، "لكن ذلك لم يؤثر سوى على صغار المنتجين، إذ يمكن للمنتجين الكبار تحمّل الخسارة ومواصلة العمل، خاصة وأن قطاع الأفوكادو لا يزال مربحاً"، وفق ما أكده عبد الله اليملحي، رئيس الجمعية المغربية للأفوكادو.
وبناءً على ما سبق..
ستظل الشركات الإسرائيلية العابرة للقارات وسواها من كبريات الشركات المغربية المحلية رابحة، حتى وإن كانت الموارد المائية شبه كافية، فلهم الأرض المثمرة دائماً على حساب المصالح الاقتصادية لأهل البلد، من دون اكتراث للمآلات الكارثية التي ستنتج عن أنشطتهم - لا محالة: تردي البيئة والطبيعة... والإنسان أيضاً!
- وفق ما صرح به شاؤول شليح، الرئيس التنفيذي لشركة "مهادرين" ↑
- وفق ما صرح به عبد الله اليملحي، رئيس الجمعية المغربية للأفوكادو ↑