إعداد وتحرير: صباح جلّول
"كانت الانفجارات قوية وشديدة السخونة، لدرجة أننا رأينا آثار أقدام وأيدٍ محروقة على الجدران والأسقف... كما دمرت الانفجارات خزانين ضخمين للمياه في الطابق السفلي من الملجأ، حيث كان ينام الأطباء وغيرهم ممن يقدمون الخدمات للأطفال... لقد تم غلي السكان في مترين من المياه التي غزت ملاجئهم. ولا تزال أجزاء من جلودهم وشعورهم ملتصقة بالجدران، شاهِدةً على الرعب الذي حدث هنا"[1]...
أنا كل هذه الوجوه الميتة
11-08-2023
ليست هذه شهادة لناجٍ من القصف في غزّة خلال الإبادة الحالية الرهيبة، لكنها كان من الممكن أن تكون كذلك، فالقاتِل واحد. بل هي شهادة لأحد الناجين من قصف ملجأ العامرية ببغداد، في العراق. أثناء حرب الخليج، بالتحديد في 13 شباط/ فبراير 1991، عند الرابعة والنصف فجراً، أسقطت القوات الجوية الأمريكية قنبلتين موجهتين بالليزر على ملجأ العامرية للمدنيين. قتلت القنبلتان 409 من السكان العزّل المحتمين بالملجأ من القصف (وقيل أكثر، لأن بعض الجثامين لم يتم العثور عليها أبداً بسبب انصهار الأجسام مع الركام)، في مجزرة رهيبة حفرت عميقاً في وجدان العراقيين والعرب. تحل الذكرى الثالثة والثلاثين الآن. لم ينسَ أحدٌ العامرية. ولم يُحاسَب أي من القتلة في العامرية...
***
"كان هدفاً عسكرياً مشروعاً، وقد تم ضربه بدقة وتدميره وإيقافه عن العمل. ولم يكن هناك سوى القليل جداً من الأضرار الجانبية"، قال مسؤول عسكري أميركي حينها، وزعمت الولايات المتحدة أن الملجأ كان يُستخدم لأغراض عسكرية.
من بين المئات، 14 شخصاً فقط نجوا من المذبحة الرهيبة. أمّا المئات فأسموهم "أضراراً جانبية". اعترف الأميركيون لاحقاً بمعرفتهم استخدام الملجأ لإيواء المدنيين لكن تقريراً صادراً عن البيت الأبيض أسماهم هذه المرة "دروعاً بشرية"... إذا كانت تبدو حلقات الكذب والفجور هذه مألوفة، فلأنها فعلاً كذلك.
لم ينسَ أحدٌ العامرية... بعد الجريمة، امتنع كثير من سكان بغداد عن الذهاب إلى الملاجئ. لا مكان آمناً في وجود صواريخ الأمريكان الغبية والذكية. هذه هي نفسها، ومعها تلك الأحدث والأشد فتكاً منها، وبالمباشر، تصنع آلاف العامِريات اليوم. هوَ خيطٌ موصولٌ من دمٍ كثير يفيض عن حاجة الدنيا والآخرة، من العامرية إلى غزّة، وكل ما حولهما، كل ما قبلهما وبينهما. متى الحِساب؟
***
معزوفة "حدث في العامرية" للموسيقي العراقي نصير شمّة. يحدث أيضاً في غزّة..