الساسة الجزائريون يسعون لتأطير عنف الشباب

لطالما "حلّت" الدولة الجزائرية بطالة الشباب بالتوظيف كشكل لتوزيع فتات الريع النفطي الذي شح الآن، لذا فهي لم تعد تمتلك سوى الخطابات و"الاحتواء" بواسطة فيسبوك، ثم القمع كما في مدينة بجاية
2017-01-31

محمد مرواني

باحث وكاتب صحافي من الجزائر


شارك
جمال طاطاح - الجزائر

يواجه الخطاب السياسي الرسمي للدولة الجزائرية، الموجه خصيصاً للشباب، صعوبات جمة  في إقناع الآلاف من البطّالين عن العمل بأهمية ما تنجزه السلطات العمومية في قطاع الشباب، وما توفره من آفاق مهنية لخريجي الجامعات. فبعدما كانت الجزائر تنتعش على الصعيد التنموي والاقتصادي بفضل البحبوبة المالية المتأتية من النفط والغاز، وكنت أجهزتها الحكومية تضخ مبالغ مالية ضخمة في مشاريع دعم وتشغيل الشباب (التي تمسى هنا ''اونساج'' و''اونجام")، ذهبت في الوقت الراهن مجبر إلى انتهاج  سياسة تقشّف في كافة قطاعات الدولة، طالت تخفيض الحصص المالية التي كانت تخصص كل سنة لتوظيف الشباب في الوظيفة العمومية وقطاع التشغيل.

 

عنف في بجاية

 

مؤخرا عاشت مدينة "بجاية" الواقعة شرق الجزائر العاصمة، أحداث عنف، وقيل إنّ المحتجّين جلّهم من الشباب الذين خرجوا إلى عدد من الأحياء والشوارع وأقدموا على حرق وتخريب بعض الممتلكات العمومية والخاصة، ودخل بعض المحتجين في مناوشات مع أفراد الأمن والشرطة بالذّات. وتناولت الصحف أخبار الاحتجاج وأشارت إلى أنّ المحتجين خرجوا على وقع الزيادات المالية التي أقرّها قانون الماليّة الجديد على المواطنين، ودفعت بتجّار منطقة القبائل إلى الإضراب وغلق محلّاتهم. ولاستيعاب الاحتجاجات تلك، وخرج وزير الدّاخلية وهو كان سابقاً والياً (محافظ الولاية) بعدد من ولايات الشرق الجزائري، قائلاً "الدولة تعرف جيّداً كيف تحمي الممتلكات العمومية والخاصة، ولغة الاحتجاج بشكل حضاريٍّ مشروعة، أما العنف والتخريب فهو أمر غير مقبول على الإطلاق، والدولة تتصدى له بصرامة".
من جهة أخرى، اتّهم بعض الوزراء بالحكومة أطرافاً أجنبية بالوقوف وراء الاحتجاجات التي شهدتها مؤخّرا بعض القطاعات، وأنّها "مسيرة بشكل بارع"، على الرّغم من أنّ للعنف الذي يتطور في احتجاجات المواطنين بالعديد من الولايات أسباباً مطلبيّة اجتماعية.

 

الحكومة تستعين بالفايسبوك

 

وجدت الحكومة نفسها تشكر مستخدمي الفايسبوك من الجزائريين الذين قال الوزير الأول للحكومة إنّهم التفوا في حملة فايسبوكية حول مكافحة العنف والتصدي لمن يريد تسييسه لاستهداف أمن البلاد واستقرارها. وقد شجّعت السلطات فيما يبدو وسائل إعلام إلكترونية على نشر مضمون يدعو لحماية الشباب الجزائري، وجلّهم من رواد فايسبوك، من التأثر بسلوكيات عنيفة في التعبير عن احتجاجهم على الأوضاع التي يعيشونها في ولاياتهم.

 

تحاول السلطات بالجزائر قبيل الانتخابات التشريعية القريبة تفادي أي احتجاجات وتسعى إلى تأطير أيّ احتجاج شبابي بفتح قنوات الحوار مع المحتجين بشكل سريع ودون المراهنة على دور الجمعيات والأحزاب

 

وقد أصبح فايسبوك الذي يستخدمه قرابة 16 مليون جزائري، حسب ما تشير دراسات متخصصة في الميديا الجديدة بالجزائر، أكثر وسائل الاتصال التي يستخدمها الشباب بالبلاد في التعبير عن أفكارهم أو عرض تعليقاتهم، وهو أزاح مسؤولين سامين في الدولة من مناصبهم بسبب تصريحات أدلوا بها، اصطادوها ونشروها على فايسبوك،  أو كشفوا تجاوزات تم تسريبها على مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي جعل السلطات بالبلاد تقر وتعترف بصراحة بخطورته، ومن جهة أخرى بأهميته في ضبط الكثير من المسائل وعلى رأسها احتجاجات الشباب .
ويبدو أنّ السلطات بالجزائر تحاول، قبيل إجراء الانتخابات التشريعية، تفادي أي احتجاجات وتسعى إلى تأطير أيّ احتجاج شبابي بفتح قنوات الحوار مع المحتجين بشكل سريع ودون المراهنة على دور الجمعيات والأحزاب. ولكنّ الحوار لا يعوّض شحّ العمل والتقديمات. فانخفاض سعر المحروقات جعل الدولة الجزائرية تخسر قرابة النصف من عائداتها الماليّة بالعملة الصعبة، فلم تعد السلطات، على المستوى المركزي والمحلي، تخصّص عقوداً لتشغيل الشباب وتسخِّر حصصاً مالية لدعم مشاريع مصغرة لخريجي مراكز التكوين المهني. وستجد الأحزاب نفسها في وضع حرج، عاجزة عن تقديم برامج سياسيّة مقنعة للشباب في الانتخابات التشريعية في أيّار/ مايو المقبل والانتخابات المحلية مع نهاية عام 2017.

مقالات من الجزائر

للكاتب نفسه