الوزراء بالجزائر يُخفضون رواتبهم الشهرية!

في الوقت الذي استحسن فيه متابعون للشأن السياسي والاقتصادي هذه الخطوة الرسمية "التضامنية"، دعوا النوّاب للتخلّي عن راتبهم الشهري، وهو حوالي ثلاثين مليون دينار جزائري، والاكتفاء بالراتب الشهري الذي يأتي من القطاع الذي كان فيه النائب موظفاً قبل انتخابه
2016-12-28

محمد مرواني

باحث وكاتب صحافي من الجزائر


شارك
سيروان باران - العراق

اتخذ مؤخراً وزراء ونواب جزائريون قراراً يقضي بتخفيض رواتبهم الشهرية، وتقليص المنح المالية التي كانت تخصَّص للنواب بالمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمّة، والتخلي عن خمسين في المئة من منحة نهاية العهدة الانتخابية وامتيازات مادية تمنح للوزراء، بحسب حساسية المنصب وأهميته السياسية.
وفي الوقت الذي استحسن فيه متابعون للشأن السياسي والاقتصادي هذه الخطوة الرسمية "التضامنية"، دعوا النوّاب للتخلّي عن راتبهم الشهري، وهو حوالي ثلاثين مليون دينار جزائري، والاكتفاء بالراتب الشهري الذي يأتي من القطاع الذي كان فيه النائب موظفاً قبل انتخابه. وإذ يثار، ومنذ زمن وباستمرار، موضوع "أجور الإطارات المنتخبة على مستوى الهياكل البرلمانية الوطنية" من قبل المواطنين الذين يتحدثون عن أداء هزيل للنائب البرلماني مقابل أجر مرتفع للغاية.. لم يكن النقاش حول راتب ''الوزير" يتسم بالسخونة، ولم يثر اهتمام الجزائريين إلا بعد دخول البلاد في مرحلة اقتصادية صعبة تقلّصت فيها المداخيل المالية بنسبة خمسين في المئة.

 

القرار سياسي أم اجتماعي؟

 

يتساءل كثيرون عن دواعي اتخاذ الوزراء والنواب قرار خفض رواتبهم الشهرية، وهل يعبر عن نوع من ''التضامن الرسمي'' للحكومة التي تبحث الآن عن حلول عاجلة للتقليص من حجم الخسائر المالية التي مُني بها الاقتصاد الجزائري بعد انخفاض أسعار البترول، الأمر الذي جعل الخزينة العمومية تخسر مليارات الدولارات في سنوات قليلة، فيما يرى البعض الآخر أنّ العديد من الإطارات والموظفين الساميين في الدولة يستفيدون من امتيازات مادية يجب أن يتمّ التّراجع عنها ولو بشكل مؤقت سبب الضائقة المالية وأنّهم يؤيدون اتخاذ الحكومة تدابير تهدف إلى التقليل من الإنفاق العمومي وترشيد النفقات شريطة أن تشمل هذه التدابير كافة القطاعات، وأن تصل إلى التقليل من النفقات التي تخصصها الدولة للإطارات كالوزراء والولاة والمدراء العامين. من جهة أخرى سارع الوزير الأوّل للحكومة الجزائرية إلى الإعلان عن نهاية عهد التوظيف في القطاع العمومي بمجرد لقائه بولاة الجمهورية في اجتماع مطوّل خصّص لمناقشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وقال مخاطباً الوزراء والولاة على حد سواء "لن نخصص أي نفقات إضافية حالياً ولن نزيد في الإنفاق العمومي سنتيماً واحداً، وأنتم ترون أنّنا أوقفنا التوظيف في قطاع العمومي". وطالب ولاة الجمهورية بالاتكال على أنفسهم وخلق بدائل حقيقية لإنقاذ التنمية بولاياتهم (عددها 48 ولاية)، مشيراً إلى أن إنعاش الاستثمار على المستوى المحلي والوطني يشكل أولوية قصوى، وعلى الولاة التحرك الآن لإنقاذ البلديات والولايات من الإفلاس الذي قد يسببه تجميد الحكومة للنفقات المالية الموجهة للجماعات المحلية (الولايات والبلديات).

 

مراجعة أجور الموظفين؟

 

سؤال آخر مطروح ويتعلق بمدى نجاعة إجراءات الحكومة التقشفية في الوقت الراهن، فيما المؤشرات وتقديرات المختصين في الشأن الاقتصادي تشير إلى أن الاقتصاد الوطني لن يستطيع تحمل انخفاض أسعار المحروقات لفترة طويلة، خاصة أنّ حجم التحويلات الاجتماعية التي تخصصها الحكومة هي في ارتفاع متواصل. ثم إنّ عودة الجزائر إلى الاستدانة مؤخراً من البنك الأفريقي توحي أن التدابير التقشفية، سواء تلك التي تطال جيب ''المواطن والموظف البسيط " أو الإطارات السامية، قد لا تكفي لتجاوز الأزمة الخانقة.
وإنْ كان بعض الساسة المحسوبين على تيار الموالاة لا يتوقعون أن تصل إلى وضع لا يسمح لها تسديد رواتب الموظفين، وهو ما أشار إليه رئيس ديوان رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب التجمّع الوطني الديمقراطي، فإن خطوة الوزراء والنواب بتقليص رواتبهم الشهرية قد يفتح المجال ليطال سيف التقشف رواتب الموظفين العاديين بمؤسسات الدولة، وهو ما يتخوّف منه العمال وصغار الموظفين الذين يشتكون من تدنّي قدرتهم الشرائية وارتفاع الضريبة في قانون المالية لعام 2017.
وفيما يبدو، تحاول السلطة إدارة الوضع المتأزم بشكل عقلاني دون التعجّل في اتخاذ القرارات، والهدف هو إرضاء الجبهة الاجتماعية التي طالما تحفظت على ما أسمته اختلالات عميقة في شبكة الأجور المعتمدة في الوظيفة العمومية والقطاع الاقتصادي، والفوارق المالية الموجودة بين الموظفين.
وهكذا، فلم يعُد مستبعَداً أن تشرع الحكومة في مراجعة أجور الموظفين بعد إقرارها قانوناً جديداً للتقاعد ترفضه العديد من النقابات المستقلة...

مقالات من الجزائر

للكاتب نفسه