عيون شهداء غزّة.. نافذةٌ على جمالها

كانت رغبة الشهيد هي إعلاء الأصوات التي تنقل صوت وصورة غزّة. وبناء على رغبته، نشارك بعضاً مما رأت عيناه في غزّة خلال حياة قصيرة سُلبت منه غدراً، وبعضاً مما كان يفكّر فيه بوعي وحساسية إنسانية وفنية يظهران في إجابته عن "لماذا تصوّر غزّة؟". يفهمُ الناظِر إلى هذه الصور لحياةٍ تحت حِصار أنّ هذه الإبادة لا بدّ عِقابٌ للناس، لجرأتهم على أن يحيوا على الرغم من الاحتلال، لجرأتهم على تحدّي الموت. كان عليهم أن يموتوا أكثر لأنّ محتلهم يخاف الجمال.
2023-11-12

شارك
تصوير الشهيد مجد عرندس (عن صفحته على انستغرام)

هذه الصّور لغزّة وبحرها وناسها المغرمين بالبحر وبها هي بعدسة المصوّر والصحافي مجد عرندس (29 عاماً). وقبل عدسته، هي بعينه. استشهد مجد عرندس. أطفأت إسرائيل عينيه اللتين جالتا في كل حارة وزاوية وشاطئ وبحثتا عن الجمال الذي ليسَ شحيحاً في غزّة، المدينة المتوسطية الخلّابة والعصيّة على الإخضاع، التي يُراد لها أن تغرق في البحر، كما تمنّى يوماً إسحق رابين.

قبل قتله، عاقبت "إسرائيل" مجد كما عاقبت كثراً من الشابات والشباب الطموحين في غزّة بشتّى الطرق، فقد اضطرّته الظروف المعيشية الصعبة التي خلقها الاحتلال الإسرائيلي لغزّة المحاصرة إلى بيع كاميرته التي يحبها ويعتمد عليها عمله، مواصلاً التصوير بكاميرا هاتفه المحمول. قبل هذه الحرب والإبادة، كان مجد يحاول توفير المال لشراء كاميرا جديدة والمشاركة في مسابقات التصوير وورش العمل.

مقالات ذات صلة

كانت رغبة الشهيد هي إعلاء الأصوات التي تنقل صوت وصورة غزّة، وبناء على رغبته، نشارك بعضاً مما رأت عيناه في غزّة خلال حياة قصيرة سُلبت منه غدراً، وبعضاً مما كان يفكّر فيه بوعي وحساسية إنسانية وفنية يظهران في إجابته عن "لماذا تصوّر غزّة؟". هنا كلامه من مذكرة صوتية لمنصة "غالف فوتو بلاس" (Gulf Photo Plus)، حيث شارك شهادته قبل استشهادته:

"أنا مجد عرندس، مصوّر فوتوغرافي من قطاع غزّة.

أقوم بتوثيق الحياة العامة واللحظات الجميلة وحياة الشارع داخل القطاع لكي يرى العالم جمال القطاع، على الرغم من الظروف الصعبة، من الحصار الذي يعيشه القطاع منذ 17 عاماً بالإضافة إلى الحروب والعدوان المتكرر على القطاع.

منذ بداية هذا العدوان، أقوم بتغطية العدوان والمجازر وتوثيق القصف على منازل المواطنين الآمنين.

في كثير من الأحيان لا أستطيع أن أصور ما أراه... المشاعر الداخلية لديّ لا تستطيع أن تتحمل ما أراه وتمنعني أحياناً من متابعة التصوير لبشاعة المناظر التي أراها. هذا بالإضافة إلى صعوبة التصوير لكثافة الغارات الإسرائيلية على المناطق المستهدَفة.

أتمنى في يوم من الأيام أن تعود الحياة والجمال إلى القطاع وأن يعود السلام والحياة الطبيعية إلى غزّة. أتمنى أن أقوم بتصوير الجمال في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتلّ، فأهل غزّة محرومون من الوصول إليها، وأحب أن أزور دول العالم وأصور فيها.

كما أتمنى أن يرى العالم جمال غزة وجمال فلسطين وأن يقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم والمقهور، الذي يقهره الجيش الإسرائيلي ودولة الاحتلال الإسرائيلي"

****

هذه شهادة مجد. يرى الناظر مِنّا إلى صوره كلّ ما هو اليوم خارج إطار الصورة التي تملأ الدنيا عن غزة المكلومة. يرى ما هو ليسَ مجزرةً، ليس إبادةً، ليس موتاً، ليس وجعاً. تصير إعادة التعرّف إلى هذه الغزّة التي في الصور مؤلمة إلى حدّ لا يُطاق، فكرةً عن كلّ الحياة التي كانت ممكنة فيها، بهمّة وشجاعة وحبّ الناس الذين عمّروها رغمَ حِصار وسجنٍ وعدوان وتجويع. يفهمُ الناظِر إلى هذه الصور لحياةٍ تحت حِصار أنّ هذه الإبادة لا بدّ عِقابٌ للناس، لجرأتهم على أن يحيوا على الرغم من الاحتلال، لجرأتهم على تحدّي الموت. كان عليهم أن يموتوا أكثر لأنّ محتلهم يخاف الجمال.  

الشهيد مجد عرندس (1994 - 2023)

مقالات من فلسطين

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...