إعداد وتحرير: صباح جلّول
يَكبر مهرجان "ريف" السينمائي عاماً بعد عام، رغم صغر سنه وحداثة حضوره في المشهد السينمائي اللبناني، إلّا أنه في دورته الخامسة هذا العام اتخذ لنفسه موقعاً جاذباً وملفتاً، قوامه تنوّعه الشديد وزاويته البيئية التي تتمحور نشاطاته حولها، واهتمامه الدائم باختيار مناطق طَرَفية غنيّة بيئياً وقلّما تطالها النشاطات الثقافية والسينمائية بشكل عام. فهذا العام، يقيم المهرجان دورته تحت عنوان "تحوّلات" بالمناصفة هذه المرّة بين منطقتي القبيّات في عكار والهرمل في البقاع، مقسماً نشاطاته بين 31 آب/ أغسطس و 4 أيلول/ سبتمبر 2023 في القبيات، ثم بين 8 و10 أيلول/ سبتمبر في الهرمل.
على ملصق المهرجان تتربع السلحفاة الذي اتخذها رمزاً له هذا العام، لكونها من الحيوانات البرمائية ذات الحضور الكبير في لبنان والمعرّضة في الوقت نفسه للخطر الدائم. وفي ثيمته "تحوّلات" تنبيهٌ إلى الخطر المحدق الذي يطال عالمنا نتيجة التغيّر المناخي الذي يقارب أو يجاوِز مرحلة اللاعودة. من هنا، يهتمّ المهرجان بتنويع نشاطاته التوعوية والبيئية، فإلى جانب عروض الأفلام، تضمّ البرمجة عروضاً أدائية وندوات ولقاءات حوارية وعروضاً موسيقية، وحتى عروض أزياء بيئية مصنوعة من قماش مُعاد التدوير، أقيمتْ في معمل الحرير العتيق الذي يحوي عدداً من نشاطات القبيّات.
____________
من دفاتر السفير العربي
هل مخططات مواجهة التغير المناخي صحيحة وكافية؟
____________
ينظّم المهرجان أيضاً جولات مشي في الطبيعة للتعرف إلى ظواهر أو تحولات في المناطق المختلفة. نُظّمت على سبيل المثال جولة مع الجيولوجي عطا إلياس بدءاً من معمل الحرير القديم مشياً إلى فالق اليمونة الشهير الذي تنقسم عنده المنطقة إلى صفيحتين جيولوجيتين مسؤولتين عن كثير من التغييرات في الأحواض المائية وانفلاش الوديان – كما الزلازل، وهو ما يصفه إلياس بانه دليل على أن "كوكبنا حيّ"، إذ أنّه دائم التغير. وتوجد في هذه الجولات عادة عائلات بأكملها أو أشخاص من أعمار مختلفة يشاركون في النقاشات البيئية حول مواضيع تطال الجميع، كالتلوث والزلازل والجفاف.
ومن معمل الحرير في القبيات، يستكمل المهرجان أنشطته في المنتدى الثقافي في الهرمل، كما نُصبت شاشة كبيرة لعروض الأفلام في مقهى على ضفة نهر العاصي، لتكون السينما جارة النهر في الهواء الطلق. وتقام أنشطة تجديف في النهر ومشي في الطبيعة على امتداد العاصي، النهر الكبير الذي يتجاوز النقاط السياحية المعروفة إلى نقاط أعمق وأغنى، إضافة إلى التعرف على الجرود.
أمّا في ورشة "فيلم الدقيقة الواحدة"، فقد أنتجت نساء من عكار أفلاماً عن منطقتهنّ تحت إشراف المخرجة المصرية أمل رمسيس. بالتوازي، تقام ورشة للشباب اليافعين (13 إلى 18 سنة) في الهرمل لإنتاج أفلام رسوم متحركة، بالإضافة إلى ورش عمل متعددة للأولاد.
تنظّم المهرجان جمعية "أفلامنا" بالتعاون مع المجلس البيئي، في مزاوجة فريدة بين السينما والبيئة. تقول المخرجة إليان الراهب، المديرة الفنية لمهرجان "ريف"، أنّ جميع نشاطات المهرجان مجانية بالكامل، وعياً من المهرجان بأن الوضع المادّي لا ينبغي له أن يقف عائقاً أمام حضور أهل هذه المناطق وغيرهم من اللبنانيين إلى الأنشطة. يبني المهرجان برويّة علاقة متبادلة بينه وبين المناطق، فيأتي بشيء جديد إليها ويضيء على ضرورة إنقاذ ثرواتها المهددة، فيما تقدمّ المناطق الريفية النائية بدورها الكثير له وتعرّف الحضور على بيئتها ومنتوجاتها وثرواتها.