عشرات الآلاف من المخطوطات العربية في مختلف المدن الموريتانية مهددة بالاندثار.
يقول المسؤولون في وزارة الثقافة أنهم يخافون على الكتب النفيسة.. وهي كنوز بعضها نادر ويعود إلى أكثر من عشرة قرون خلت. وقد سعوا لتلقي المساعدة في حفظها من جهات عربية معنية أو قادرة على ذلك، بلا استجابة. وأكدت رئيسة المعهد الموريتاني للبحث العلمي أنه أمكن رقمنة 43 ألف مخطوط بجهود ذاتية، موجودة في مختلف مناطق البلاد.
الألمان يدعمون المخطوط
سارعت جهات ألمانية إلى تلبية طلب علماء اجتماع موريتانيين دقوا ناقوس الخطر ووظّفوا علاقات مع أكاديميين وباحثين، ضمن شراكة للعمل على إنقاذ تلك المخطوطات. وقد وفّر باحثون ألمان في جامعة فرايبورغ مؤخراً موقعا إلكترونياً يتيح الاستفادة المجانية من أكثر من ألفين وخمسمئة مخطوط موريتاني تم تصويرها خلال رحلات بحثية بموريتانيا.
ويتيح هذا المشروع ــ عبر موقعه ــ فهرسةً ومعلوماتٍ بيبليوغرافية وصوراً ميكروفيلم، مخزنة في جامعة فرايبورغ، والنسخ الأصلية للميكروفيلم محفوظة لدى المعهد الموريتاني للبحث العلمي.
ويقول مسؤولون في هذا المعهد أنّ الألمان أوفدوا لرحلتهم البحثية الباحثين راينور أبولد، وإيلريخ رابستوك، وتوبياس مايير، قاموا بعدة رحلات بحثية قادتهم إلى مختلف المكتبات الأهلية في موريتانيا.
النّوق وليس الوثائق
وخلال القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في نواكشوط، جرى تناول الموضوع للفت الأنظار إليه فاستحدثت قرية ثقافية على بعد أمتار من مركز المؤتمر ضمن تحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. إلّا أنّ المشاركين وبدل الاهتمام بهذا التراث ركزوا على.. النوق والجِمال، وهي فعلاً كثيرة العدد في البلاد ومميزة!
تدهش الزائر في إدارة المخطوطات في شارع جمال عبد الناصر في قلب العاصمة الموريتانية، نسخة من القرآن الكريم مخطوطة على ورق الغزال تعود لنحو ألف عام. وهذه إدارة حكومية يشرف عليها أساتذة وباحثون، يشكون ضيق ما في اليد، كذلك هو الحال في مكتبات تبعد عن العاصمة الموريتانية أكثر من ألف كلم وتوجد في درجة حرارة تناهز الخمسين، وفي مناطق مُهمَلة، وسط عوامل التعرية والسيول.. وتغطي هذه المخطوطات فترة زمنية تمتد من القرن الثالث الهجري إلى اليوم.، تتناول جميع العلوم والفنون بما في ذلك علم القرآن والحديث وعلم الفلك والرياضيات والهندسة والنحو وعلوم اللغة والتاريخ والطب والجغرافيا.. ويقدر المعهد الموريتاني للبحث العلمي عدد المخطوطات الأكثر تعرضاً للتهديد بأكثر من أربعين ألف مخطوط موزعة على مئات المكتبات العمومية والخاصة في مختلف القرى والمدن والأرياف الموريتانية، وهي الأكثر عرضة للتلف والضياع قياساً بتلك الأخرى الموجودة في المكتبات الرسمية بنواكشوط وفي المدارس القرآنية. هذا إضافة إلى آلاف المخطوطات المهاجرة خارج موريتانيا.
ويقول خبراء في صيانة المخطوطات التراثية إن الآلاف من المخطوطات والنفائس قد ضاعت جراء النهب والحرق والإهمال الذي لم يتوقف منذ عقود.. و لا تزال عمليات الترميم التي تقودها المؤسسات الدولية والتي تعمل على إنقاذ المخطوطات، ضعيفة. ويتساءل الموريتانيون عن نصيب هذه المخطوطات من أموال عربية طائلة تدفع بسخاء كبير لليونسكو، ومخصصة للتراث.
ورغم تصنيف الأمم المتحدة لهذه المخطوطات كتراث إنساني، فإن مكتبات المدن التاريخية المهددة بالاندثار بسبب زحف الرمال وهجرة السكان لا تزال تنتظر من يعيد اكتشافها وينفض عنها غبار الإهمال والجفاء. ويرجع الخبراء سبب تلف العديد من المخطوطات إلى الحفظ بطريقة عشوائية، وفي بيئة بدوية وصحراء مفتوحة، فتنهشها الحشرات والفطريات. ويقولون أن انقاذ المخطوطات الموجودة في المدن التاريخية الموريتانية يحتاج إلى جهود مؤسسات متخصصة في طبع المخطوطات ونشرها، إضافة إلى إطلاق حملة كبيرة لتحسيس مالكي المخطوطات بأهميتها وبالمخاطر التي تتهددها نتيجة طرق الحفظ الخاطئة.. وأكّدوا على ضرورة تحويل هذه المخطوطات الأصلية إلى الشكل الرقمي لتقليل الأضرار التي تنجم عن الاستعمال المباشر لها، وأيضا لتسهيل إطلاع الباحثين عليها وتوظيفها في الجانب المعرفي.