إعداد وتحرير: صباح جلّول
منذ 15 نيسان / أبريل 2023، ذلك الصباح المشؤوم الذي بدأ فيه فصل المأساة الجديد في السودان، قتلت الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع آلاف الأشخاص وجرحت عشرات الآلاف. تلك الأسابيع القليلة كانت أكثر من كافية لتشريد المدنيين أو تعريض حياتهم للخطر الداهم في ما يبدو أنه دوامة عنف متفلّت لا قرار لها.
ومن جملة الأماكن المتضررة منطقة الخرطوم 2 ووسط المدينة، القلب النابض للمشهد الفني والثقافي السوداني، حيث تتركّز صالات العرض والاستوديوهات، وقد انقلبت المنطقة في أيام قليلة من بقعة مشرقة في حياة مدينة تضجّ بالفنانات والفنانين وتنتج جمالاً يعزّ على البلاد، إلى رقعة نزاع مظلمةٍ تفترسها من كل حدب وصوب شتى أنواع الأسلحة المدمِّرة والرجال العازمين على الموت والقباحات.
وكعادة شعوب بلداننا، وجد فنانو المنطقة أنفسهم بلا داعم ولا منقذ، مجبَرين ومجبرات على التصرّف بأنفسهم لإنقاذ ما هو مُهدّد، وذلك لا يشتمل فقط على أعمالهم الفنية ومعارضهم واستوديوهاتهم، ولكن أيضاً على حياتهم نفسها. فثمة أكثر من 100 فنان محاصَرين حالياً وغير قادرين على الولوج إلى هذه المناطق أو استعادة وحماية أعمالهم الفنّية من الاندثار أو الضياع.
الحكامة شادن ونزفُ نساء السودان
18-05-2023
انطلاقاً من هذا الواقع، صِيغَت مبادرةٌ عاجِلة من قبل الفنانين وأصدقائهم وجهات فنية داعمة داخل وخارج السودان بعنوان "لنحافظ على إرث السودان التشكيلي المعاصر"، كدعوةٍ لمساندة المجتمع التشكيلي السوداني في محنته، إذ يصارع العديد منهم لتمويل عمليات الإجلاء الآمن لأنفسهم ولعائلاتهم، أو حتى لتغطية احتياجاتهم الحياتية العادية، حسب ما عبّرت الحَملة. وإذ يشكل الفنّ للعديد من هؤلاء مصدر الدخل الأساسي أو الوحيد، يجدون أنفسهم في بيئة حربٍ تنحدر فيها مواضيع الفنون إلى أسفل لائحة الأولويات، بل يندر أن يُؤتى على ذِكرها في أية حال.
وكجزء من هذه الحملة، أقيم في القاهرة يومي الثلاثاء والأربعاء في 13 و14 حزيران / يونيو 2023 معرضٌ في صالة "لمسات للفنون" في الجيزة، دُعي إليه العموم والمهتمون بالفنون، بحيث يستطيع الحضور شراء أعمال مؤطّرة لفنانين سودانيين لقاء 3100 جنيه مصري (ما يقارب 100 دولار أميركي فقط)، على أن يذهب المبلغ لكفالة أحد الفنانين الذين هم في أوضاع شديدة الحساسية. وقد عمل عدة فنانين وناشطين من ضمنهم عبد الرحيم شدّاد وعزّة ساتي ومحاسن إسماعيل على جمع بيانات عن أسماء وأوضاع الفنانين واحتياجاتهم الطارئة في إطار حملة "ادعم فناناً/ةً سودانياً/ةً".
يتصدّى المدنيون مرّة أخرى إذاً لمهمّة رعاية بعضهم بعضاً، ويصنعون بأنفسهم شبكات التكافل والحماية الضرورية، ويهتمّون بما لن يَأملوا من العساكر فيه اهتماماً: الفنّ، وقبله وخلفه وأساسه البشر وطاقاتهم الجميلة التي تهدرها الحروب.
• لمزيد من المعلومات حول البيانات والإحصاءات وكيفية الدّعم: