تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.
بما أن النّساء وَجدن مكانهن في كامل ميادين الحياة بشق الأنفس، فنحبس أنفاسنا في انتظار دخولهنّ ميادين شاقّة من حيث الجهد الفردي، وأشقّ من ناحية مرونة المحيط الاجتماعي تجاهها، مثل الرّياضة الاحترافية. كانت الأسماء القليلة التي برزت في الرياضات الفردية، مثل ألعاب القوى، عبارة عن معجزات صغيرة لنساء نمَونَ خارج القوالب. بينما كان الأمر أصعب للرّياضات الجماعية التي تتطلّب منظومات ومؤسسات كاملة. مع ذلك، رأينا مبكّراً إلى حد نسبي، فرقاً عربية ناجحة، في كرتي اليد والسلة بشكل خاص. لكن كرة القدم كانت عالماً ذكورياً محضاً. فحتّى على المدرّجات، كان وجود المرأة من قبيل الظواهر الناشزة. والأمر يختلف بالطبع بين مجتمع وآخر. فالمرأة في شمال أفريقيا مثلاً سبقت نظيرتها في الخليج العربي بعقود في هذا المجال.
ومع صعود نجم لاعبات كرة القدم في العالم، خاصة في الدورة الأخيرة من كأس العالم للسيدات عام 2019، ظهر اهتمام متزايد بمتعة مختلفة تقدّمها كرة القدم للسيّدات. فتفاعُلهن مع بعضهن، ومع التدخّلات - السليم والعنيف منها - أو المهارات، كل ذلك يختلف في إيقاعه عن زملائهن الرجال. وكان لتأهل منتخب المغرب لكرة القدم للسيدات إلى نهائيات كأس العالم، التي ستقام في تموز/ يوليو 2023، وتتقاسم مبارياتها أستراليا ونيوزيلاندا، أثرٌ كبير على المجتمع، ونبشٌ في حلم بعيد لفتيات كثيرات. وإذا كانت المنطقة العربية قد تطبّعت مؤخراً مع الحضور النسوي في المدرّجات، فإن مباريات منتخباتها النّسوية كانت تجلب جمهوراً ضئيلاً، قد لا يتجاوز أهل اللاعبات وأفراداً متفرقين. لكن تنظيم المغرب لكأس أفريقيا لكرة القدم النّسوية، عرف حضوراً هائلاً للجمهور في مباريات البطولة، بعد اكتشافه لعالم كامل كان مجهولاً له. مما يبشر بأن المباريات المستقبلية للفرق النسوية وللمنتخبات، ستعرف إقبالاً مهمّاً للجمهور الرجالي، الذي يبقى الجمهور الأساسي لكرة القدم لحد الآن.
ألف بنت بألف حلم
أطلقت "وزارة الشّباب والرياضة" المصرية عام 2017 برنامج "ألف بنت بألف حلم"، لتعريف فتيات محافظات الصعيد بكرة القدم. ولعله شعار ملائِم لرياضة تمثّل حلماً صعباً. لأننا ما زلنا في كثير من دول المنطقة العربية نعدُّ أرقام لاعبات كرة القدم بالمئات أو الآلاف، بين أعداد بالكاد تبلغ المئة في بعض دول الخليج، إلى الآلاف في دول أخرى كالأردن ولبنان، إلى حالة فريدة في مصر التي يقدر عدد اللاعبات فيها بعشرات الآلاف. وبذلك تتجلى خارطة الدول العربية لكرة القدم النسوية، بين التي تعرف حضوراً قوياً، وتلك التي بالكاد تطل على الكرة من شقّ ضئيل في الجدار. وتتربع دول شمال أفريقيا على رأس القائمة، خصوصاً المغرب ومصر والجزائر وتونس. بينما يأتي الأردن على رأس القائمة في بلدان المشرق العربي، ثم فلسطين ولبنان وبعض دول الخليج مثل السعودية وقطر والإمارات، التي دخلت مؤخراً إلى اللعبة، مدعومة بإمكانيات مادية مهمّة.
____________
من دفاتر السفير العربي
التفاوت: مكانة النساء بين "الاعتقاد" الشائع والسائد وبين الواقع والوقائع
____________
وساهم قرار الـ"فيفا" عام 2014 بالسّماح للاعبات بارتداء الحجاب خلال المباريات الرسمية، في دخول عدد أكبر من الشّابات المجال، وفي زيادة حركة انتشار اللعبة على الصعيد النسائي العربي والإسلامي. وحسب عدد من روايات اللاعبات المعروفات عن بداياتهن مع اللعبة، نكتشف أن الفتيات ذوات المحيط وإنْ الذكوري، ولكن المتقبل للفكرة، غالباً هن اللواتي يلجأن إلى ممارسة كرة القدم، وكثير من اللاعبات تعلمن اللعب مع أشقائهن الذكور. وهذا سهّل عليهن نسبياً دخول فرق الكرة في المدرسة، في غياب بدائل أخرى، لأن فرق الكرة للفتيات تكاد تنعدم في مراحل المراهقة.
كرة القدم للسيدات في شمال أفريقيا
تقول بعض الشهادات في المغرب (1)، إن كرة القدم النسوية دخلت البلاد منذ بداية الثمانينيات. فكانت الفتيات الهاويات لكرة القدم في مدينة الدار البيضاء يلعبن في صفوف فرق الأحياء، التي كانت تتأسّس حينها بمبادرات فردية أو جماعية. "كان لكل منطقة فريق نسائي خاص بها، وكنا ننافس بعضنا بعضا في إطار دوريات محلية"، تحكي اللاعبة السابقة نادية مقدي، عميدة المنتخب المغربي لكرة القدم للسيدات سابقاً. و"حمل عام 1997 بشرى سارة للاعبات كرة القدم، حيث أصبح بإمكانهن الانضمام للمنتخب المغربي لكرة القدم والمنافسة على المستوى العالمي" (2).
كانت البطلة نوال المتوكِّل، التي تولت عدداً من المناصب الرّياضية، صاحبة فكرة تأسيس منتخب مغربي لكرة القدم للسيدات. في السّنة الموالية، وقبل نهائيات كأس أمم أفريقيا لكرة القدم التي أُقيمت في نيجيريا، انطلقت لأوّل مرة البطولة الوطنية النسائية عبر "الروابط"، وهذا يعني تقسيم جهات البلاد تحت راية "عصبة" أو رابطة واحدة، مثل "عصبة الشمال" (3)، بدل الاكتفاء باللعب في الدوريات المحلية في كل مدينة. وهذه "العُصَب" استمرّت لتسع سنوات، حتى حدود موسم 2007/2008. في ذلك الموسم انطلقت البطولة الوطنية النّسوية بنظام الشطرين، الشطر الشمالي والشطر الجنوبي للبلاد، والذي أُلغي عام 2019، وتمّ تبني بطولة وطنية واحدة.
ساهم قرار الـ"فيفا" عام 2014 بالسّماح للاعبات بارتداء الحجاب خلال المباريات الرسمية، في دخول عدد أكبر من الشّابات المجال، وفي زيادة حركة انتشار اللعبة على الصعيد النسائي العربي والإسلامي.
في البداية، لم تكن هناك ملاعب مجهزة ومستودعات، بل ملاعب ترابية فقط. ولم تحصل اللاعبات على أي دعم، إذ لم تكن تربطهن بالفرق عقود. تقول نادية مقدي: "سنة 1998 كنا نحصل على 100 درهم (10 يورو) كتعويض من الفرق التي نلعب لصالحها. ومع تحسن الوضع قليلاً، كانت أفضل اللاعبات تجني دراهم معدودة شهرياً". بعد سنوات، بلغ الأجر المتوسط 500 درهم (حوالي 50 يورو) بالنسبة إلى لاعبات الدرجة الأولى. وتحكي نادية مقدي التي تأهلت لكأس أفريقيا للأمم مرتين على التوالي أواخر التسعينيات الفائتة، أنها حصلت رفقة زميلاتها على منحة قدرها 800 درهم (حوالي 80 يورو) نظير تأهلهن للنهائيات. مع العلم أن لاعبي منتخب الذكور يحصلون على منح بعشرات ومئات الآلاف من الدراهم. فيما يبلغ متوسط أجور اللاعبين في البطولة المغربية 5000 درهم، أي عشرة أضعاف أجر اللاعبات. وقد حصل كل لاعب بعد تأهل المنتخب إلى نصف نهاية كأس العالم، على مليون وأربع مئة ألف دولار.
____________
من دفاتر السفير العربي
رصدٌ لسيرورات معارك النساء الكبرى
____________
وتحقق للمنتخب المغربي أقوى إنجاز عربي وهو التأهل إلى نهائيات كأس العالم 2023، بعد وصوله إلى نصف نهائي كأس أفريقيا للسيدات. فيما اقتصرت أهم إنجازاته سابقاً على وصوله إلى نهائي كأس العرب لكرة القدم للسيدات عام 2006 التي خسرها لفائدة الجزائر. وحصدَ المنتخب المدرسي النّسوي لكرة القدم لقب بطولة أفريقيا المدرسية في العام 2022. وهذه البطولة القارّية تعتبر الأولى من نوعها، وكان المغرب الدولة العربية الوحيدة المشاركة فيها.
بدورها، عرفت مصر كرة القدم النسائية في نهاية التسعينيات الفائتة. إذ انطلقت منافسات كرة القدم النسائية عام 1997، وكانت سابقة غير مألوفة على المجتمع حينها، ثم بدأت أول بطولة في العام التالي. ووصل عدد ممارِسات كرة القدم عام 2013 إلى ما يقارب مئة ألف فتاة، في أكاديميات ودوريات الهواة، حسب بعض المصادر في اتحاد الكرة. وأطلق "النادي الأهلي" العام 2022 أول أكاديمية لكرة القدم النسائية في تاريخه، مؤذناً ببداية جديدة للعبة، بدخول أندية جماهيرية عريقة إلى دوري السيدات في السنوات المقبلة، على غرار الدوريات العالمية والعربية. مع العلم أن "نادي دجلة هو الأقوى لحد الآن في منافسات الدوري المصري لكرة القدم النسوية"3.
كانت الأسماء القليلة التي برزت في الرياضات الفردية، مثل ألعاب القوى، عبارة عن معجزات صغيرة لنساء نمَونَ خارج القوالب. بينما كان الأمر أصعب للرّياضات الجماعية التي تتطلّب منظومات ومؤسسات كاملة.
خرج منتخب مصر الأول من نصف نهائي كأس العرب للسيدات، التي نظمتها مصر في آب/ أغسطس من عام 2021 بعد خسارته بخماسية أمام المنتخب الأردني، على الرغم من أن لعبه نهائي كأس العرب هو أفضل إنجاز تحقّق له في تاريخ البطولة، علماً أن مصر هي الدولة المنظِّمة للدورتين اليتيمتين لهذه البطولة. ثم تبعه خروج آخر من التصفيات المؤهِلة لبطولة كأس أمم أفريقيا، بهزيمه ثقيلة أمام تونس بستة أهداف ذهاباً بالقاهرة، وبهدف في الإياب في تونس.
وفي الفترة نفسها، واكبت الجزائر كلاً من المغرب ومصر في الانفتاح على كرة القدم النسوية. فعرفت هي أيضاً تأسيس دوري لكرة القدم للسيدات عام 1998، والذي عُدّل بنظام جديد عام 2013. وفاز المنتخب الجزائري للسيدات بلقب كأس العرب للسيدات في دورتها الأولى عام 2006. وعلى الصّعيد القاري، ففي رصيده خمس مشارَكات في كأس أفريقيا، لكنه لم يتجاوز فيها الدور الأول.
ونشأ دوري كرة القدم للسيدات في تونس عام 2004، تحت مسمّى الرابطة التونسية لكرة القدم. والملفت وجود بطولة أخرى هي كأس تونس للسيدات، على غرار الفرق الرجالية، لكن مباراة السوبر التي يخوضها حامل لقب الدوري والفريق المتوج بالكأس، عرفت ثلاث دورات فقط قبل أن تُلغى لأسباب لم تُعلن. على صعيد الفريق الوطني، حلت تونس ثانياً في كأس العرب في الدورة الأولى، وثالثاً في الدورة الثانية. فيما عرفت السّودان أول دوري نسائي سوداني عام 2019. لكن فريقها الوطني لم يحقق نتائج إيجابية لحد الآن.
كرة القدم للسيدات في دول المشرق والخليج
في أهم إنجاز لكرة القدم النسوية في الأردن، فاز منتخبها بكأس العرب لكرة القدم للسيدات في دورتها الثانية عام 2021. وتُدين اللعبة لتنظيم الأردن لكأس العالم للسيّدات تحت سن 17 عام 2020 ، ولانتعاش الاهتمام الشعبي بها، ولشعبية كرة القدم النّسوية في الأردن بين الفتيات اللواتي يُقْبلن الآن بشكل أكبر على ممارسة اللعبة.
في البداية، لم تكن هناك ملاعب مجهزة ومستودعات، بل ملاعب ترابية فقط. ولم تحصل اللاعبات على أي دعم، إذ لم تكن تربطهن بالفرق عقود: "سنة 1998 كنا نحصل على 100 درهم (10 يورو) كتعويض من الفرق التي نلعب لصالحها.. كما تعاني كرة القدم النسوية في المنطقة العربية من ظاهرة أخرى وهي التنمر على اللاعبات وأدائهن في المباريات.
بدأت النوادي الرياضية عام 2002 بتأسيس فرق نسوية لكرة القدم. فيما أنشئ منتخب كرة القدم النسوية في الأردن عام 2005. لكن عدد لاعبات كرة القدم اليوم لم يبلغ بعد ألف لاعبة. ولتحفيز المشاركة الرياضية لليافعات، نظم اتحاد كرة القدم الأردني دوريات للفتيات في المدارس الحكومية. وتقول رئيسة اللجنة النسوية في اتحاد كرة القدم الأردني، رنا الحسيني: "خلال فترة قصيرة كسرنا الحواجز الاجتماعية التي طالما اعتبرت اللعبة ذكورية". و"لضمان تعزيز مشاركة الفتيات في اللعبة، واستمرارهن بعد تخرجهن من الجامعة، خُصصت مكافآت شهرية للاعبات. لكنها لا تغطي سوى مصاريف المواصلات ومصاريفهن الشخصية". وحقق المنتخب النسوي الفلسطيني لكرة القدم نتائج جيدة في كأس العرب، هو الذي تأسس عام 2004. فيما تواجه البطولة صعوبات في التنقل بين فرق الضفة وغزة، وسبق لفريق الضفة أن مثّل فلسطين، باعتباره منتخبها الوطني، في كأس العرب.
في السعودية، رفعت السّلطات الحظر على دخول النساء إلى الملاعب، مع السماح لهن بحضور فعاليات رياضية في ثلاثة ملاعب، اعتباراً من 2018. وخصصت أقسام للمشجعات وللعائلات التي تضم نساء وأقربائهن الرجال، تفصلهم حواجز زجاجية عن بقية مقاعد الملعب المخصصة للمشجعين الذكور. فيما أعلن مسؤولون سعوديون عن إطلاق أول دوري كرة قدم للسيدات في العام نفسه. يوجد في السعودية اليوم أكثر من 15 نادياً لكرة القدم النسائية، مع حضور سيدتين ضمن طاقم الاتحاد السعودي لكرة القدم (4).
____________
من دفاتر السفير العربي
مبادرات النساء: قادرات وعازمات
____________
أطلقت قطر أول بطولة لكرة القدم داخل الصالات عام 2009. بعد عامٍ من ذلك، شُكِّل الفريق الوطني القطري لكرة القدم النسوية، وشارك في أول بطولة دولية له في بطولة كأس العرب في البحرين، التي خسرها بـ17 - صفر. وبعد عامين، أُطلق أول دوري نسائي لكرة القدم في قطر، من تنظيم "لجنة رياضة المرأة القطرية"، بالتعاون مع الاتحاد القطري للعبة عام 2011. وتستمر البطولة لمدة شهر، بنظام دوري بدور واحد. لكن بعد دراسة تفاصيل البطولة، نُدرك أن الأمر يتعلق بـ"كرة القدم المصغرة" التي تُلعب بين فريقين يتكون كل منهما من خمس لاعبات، وتُلعب معظم الأحيان داخل الصالة، وتختلف عن كرة القدم العادية التي تتطلب بنية مؤسساتية وبيئة اجتماعية حاضنة. في لبنان، بدأ الدوري اللبناني لكرة القدم للسيدات عام 2008، بعد تأسيس الفريق الوطني للسيدات عام 2005، كأحد أوائل الفرق الوطنية للسيدات في غرب آسيا، وجاء في المركز الثالث في بطولة اتحاد غرب آسيا للسيدات، مرتين سنة 2007 وسنة 2019، وهي أحسن إنجازاته لحد الآن.
في الإمارات، أكّدت الحَكَمة الإماراتية أبرار القصاب، وجود صعوبات تواجه المرأة الراغبة في لعب كرة القدم في المجتمعات العربية، ويزداد الأمر حال رغبتها في العمل بمجالي التدريب والتحكيم: "عندما تقام مبارياتنا، يقتصر الحضور على أولياء الأمور، وأعضاء من مجالس إدارات الأندية واتحاد الكرة، وعدد محدود جداً من الجماهير، الذين علموا عن المباراة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي نستفيد منها في الدعاية والترويج لفعاليات الكرة النسائية". وتابعت القصاب: "تعاني كرة القدم النسائية من نقص حاد في عدد الأندية المتنافسة، والتركيز الحالي أكبر من اتحاد الكرة الإماراتي على تطوير وتأهيل الحكمات، وأتمنى أن تشهد المرحلة المقبلة لقاء بين مسؤولي اتحاد الكرة الإماراتي، ومسؤولي الأندية، لتنفيذ خطة لتطوير كرة القدم النسائية".
عرفت مصر كرة القدم النسائية في نهاية التسعينيات الفائتة، إذ انطلقت منافسات كرة القدم النسائية عام 1997، وكانت سابقة غير مألوفة على المجتمع حينها، ثم بدأت أول بطولة في العام التالي. ووصل عدد ممارِسات كرة القدم عام 2013 إلى ما يقارب مئة ألف فتاة، في أكاديميات ودوريات الهواة.
وفقاً لآخر الاحصائيات الصادرة من الاتحاد الإماراتي لكرة القدم، هناك حوالي 2500 لاعبة مواطِنة مسجلة في الاتحاد، ويمارسن اللعبة في جميع الفئات والمراحل العمرية على صعيد دوريات الكرة النسائية. ويعتبر هذا العدد كبيراً، إذا وُضع في الاعتبار أن نشاط كرة القدم النسائية بدأ في دولة الإمارات اعتباراً من عام 2009. ولم يكن عدد اللاعبات المواطِنات يتجاوز 10 لاعبات حينها، ولذا استُعين بلاعبات أجنبيات لأجل تحفيز الإقبال على اللعبة في أوساط الفتيات (5). مع العلم أن المنتخب الإماراتي لكرة القدم للسيدات أنشئ عام 2010، بخوضه أول مباراة في تاريخه مع المنتخب الفلسطيني.
صعوبات على المستوى الاجتماعي
لقي تأنيث اللعبة مقاومة اجتماعية في العالم، لكنها صارت "شرعية" منذ الحرب العالمية الثانية. بينما ما زالت ممارسة المرأة لكرة القدم في المنطقة العربية تواجه حالة بين الرفض التام والاستيعاب الأوّلي. وعلى الرغم من اختلاف المستويات بين دول المنطقة العربية، إلا أن المعيقات تكاد تتطابق، وهي غياب التشجيع، بل المنع من ممارسة الرياضة. ففي السعودية، اشتكت العديد من اللاعبات من تعرّضهن للانتقاد من التيارات المحافظة التي تمارس ضغطاً على العائلات لمنع بناتهن من اللعب، خاصة قبل سماح الفيفا بارتداء غطاء الرأس في الملاعب.
كما تعاني كرة القدم النسوية في المنطقة العربية من ظاهرة أخرى وهي التنمر على اللاعبات وأدائهن في المباريات.
صرّحت اللاعبة المغربية نعيمة فاضل، بأن كلمتي "عيب" و"حشومة" هي "أكثر الكلمات التي استعملتها عائلتي ضدي، قبل أن تضطر للتعايش مع اختياري". بينما كان الآخرون "يتحرشون بنا، أو ينعتوننا بالمسترجلات". لم يكن الرفض الاجتماعي وحده ما واجهته نعيمة، بل الظروف المادية الصعبة. ففي بداية مسارها، كانت تعمل في شركة خياطة، لتستطيع مواصلة هوايتها الكروية، بعد أن توقفت عن الدراسة في السنة الأولى من الجامعة. لكنها تفرغت لكرة القدم بشكل تام، متخذة منها مهنة، بعد أن نودي عليها للعب في صفوف المنتخب الوطني سنة 2009 (6). إضافة إلى ذلك، تبقى الصورة الخاطئة عن كرة القدم، بأنها لعبة عنيفة ولا تصلح للنساء، من العوائق النفسية الاجتماعية القوية. وكرست الصورة ارتباط اللعبة بممارستها تاريخياً من قبل الرجل، وشهرتها كرياضة حصرية بالرجال، جمهوراً ولاعبين. بينما في الواقع، لا تختلف عن غيرها من الألعاب التي يمكن للمرأة ممارستها بسهولة ويسر.
وانتقل الرفض الاجتماعي من الواقع إلى وسائل التواصل الاجتماعي، مواكبةً للاهتمام الشعبي المتزايد بكرة القدم النسوية. ففي المغرب نَشر شخص يزعم أنه داعية، فيديو يقول فيه "كرة القدم جائزة بقيود بخصوص الرجال، وإذا لم تُحترم تنتقل إلى الحرام، أما مباريات النساء فهي بلا شك حرام". ليخلص إلى أن "كل من شاهد هذه المقابلات آثم". وفي السودان رافق الإعلان عن انطلاق أول دوري لكرة القدم النسائية، عام 2019، هجوم متعصب من أطياف التدين المتشدد، منها قول الداعية عبد الحي يوسف إن إطلاق هذا الدوري "هدم للدين". واعتبره رئيس هيئة علماء السودان، محمد عثمان صالح، دليلاً على علمانية الدولة المرفوضة، فـ"مشاهدة الرجال النساء وهن يمارسن كرة القدم أمر لا يجوز".
صعوبات في اللعب وظروفه
مع وجود كثير من العوائق، لا تزال منتخبات المنطقة العربية عاجزة عن الوصول إلى نهائيات كأس العالم للسيدات، باستثناء الإنجاز الحديث للمنتخب المغربي. واقتصرت مشاركات عدد من منتخبات المنطقة العربية في البطولات القارّية على المشاركة الشرفية أو الرمزية، فنرى منتخبات الجزائر، وتونس، ومصر في كأس الأمم الأفريقية، من دون أثر حقيقي أو إنجاز. وما عدا وصول المنتخب المغربي إلى نصف نهائي كأس إفريقيا، الذي أهّله آلياً لكأس العالم، وتحقيق منتخب الأردن لإنجاز هام بالنظر إلى محيطه، بكونه الوحيد الذي مثّل العرب في كأس أمم آسيا للسيدات، عام 2014، لم يحقَّق أي إنجاز كبير.
صرّحت اللاعبة المغربية نعيمة فاضل، بأن كلمتي "عيب" و"حشومة" هي "أكثر الكلمات التي استعملتها عائلتي ضدي، قبل أن تضطر للتعايش مع اختياري". بينما كان الآخرون "يتحرشون بنا، أو ينعتوننا بالمسترجلات". لم يكن الرفض الاجتماعي وحده ما واجهته نعيمة، بل الظروف المادية الصعبة.
انتقل الرفض الاجتماعي من الواقع إلى وسائل التواصل الاجتماعي، مواكبةً للاهتمام الشعبي المتزايد بكرة القدم النسوية. ففي المغرب نشر شخص يزعم أنه داعية، فيديو يقول فيه "كرة القدم جائزة بقيود بخصوص الرجال، وإذا لم تُحترم تنتقل إلى الحرام، أما مباريات النساء فهي بلا شك حرام". ليخلص إلى أن "كل من شاهد هذه المقابلات آثم".
كما لم تصل البطولات النسائية إلى حد الآن لمستوى الاحتراف، وتمارَس عبرها اللعبة كهواية فقط. وبسبب عدم إمكانية جعل كرة القدم مهنة للنساء، يصبح هاجس الدراسة سبباً في عرقلة كثير من اللاعبات. وبعضهن يتوقف عن اللعب، أو يتأثر مستواهن بممارسة مهنة أخرى إلى جانب لعب كرة القدم. وهذا أكبر عائق لتحوّل اللاعبات إلى محترِفات يمكنهن المنافسة في مسابقات دولية وقارّية. وهو ما يؤدي إلى ضعف المنتخبات، وقلة خبرة اللاعبات أنفسهن، وتراجع أداء المنتخبات كنتيجة طبيعية لقلة التجمعات والمعسكرات التي يخوضها كل منتخب أثناء استعداداته لأي منافسة. ويؤدي كل ذلك إلى ضعف الانسجام بين اللاعبات، نظراً لتجميع المنتخب قبل البطولة بأيام قليلة.
الوضع أفضل في التحكيم
هناك مساواة بين الرجل والمرأة في مجال التحكيم في المزايا المالية، على الرغم من النقص في نسب إسناد إدارة مباريات للمحترفين لأطقم تحكيم من السيدات، مما يتطلب جهداً أكبر في إشراكهن لتشجيع انخراط النساء في اللعبة، وعدم الاكتفاء بالحالات القليلة التي تحققت في بعض الدول. من جانب آخر، حققت بعض اللاعبات العربيات حلم الاحتراف، ومنهن المصرية سارة عصام، التي نجحت في خوض تجربة احترافية مع فريق "ستوك سيتي" الانجليزي للكرة النسائية، بعد رحيلها عن "نادي وادي دجلة" المصري في موسم 2017. وهناك اللاعبة المغربية رجاء الغزالي التي لعبت في عدد من الفرق الإسبانية. فيما تُعتبر زميلتاها روزيلا أيان، لاعبة الفريق النسوي لـ"توتنهام" الإنجليزي لكرة القدم، ونسرين الداودي لاعبة فريق "تولوز" الفرنسي، من أهم اللاعبات المحترفات اللواتي تعود أصولهن إلى المنطقة العربية.
من الحلم إلى الواقع
تُجمع الآراء وتصريحات اللاعبات والمسؤولات على ضرورة إعادة بناء الأندية، حتى يتماسك مستوى المنتخبات، وعلى الحرص على وجود بطولة احترافية لها كامل الشروط التي تتمتع بها البطولة الرجالية. بالإضافة إلى إحداث بطولة وطنية للأقل من 17 سنة، مع إيجاد مدارس كرة للفتيات والناشئات، وضبط الحد الأدنى لأجور اللاعبات، وتوفير ضمان اجتماعي، وتأمين يحقق استقراراً مادياً ونفسياً لهن، ومع وضع خطط سنوية محددة ومعروفة مسبقاً للمنتخبات، تتضمن إقامة المعسكرات والمباريات الودية، على أن تتزامن مع الالتزامات القارّية والإقليمية للمنتخبات بفئاتها العمرية المختلفة.
كرة القدم: لعبة الشعب والسياسة في العراق
17-05-2023
على الصعيد الاجتماعي والثقافي، ثمة حاجة إلى تسليط ضوء الإعلام والمجتمع المدني على كرة القدم النسائية، لمساعدة الفتيات اللاتي يرغبن في تحقيق حلمهن بممارسة تلك الرياضة، وتشجيع مزيد من المؤسسات الرياضية على تبنيها. مع ضرورة الاستثمار في كرة القدم النسائية، حتى تتمكن من الاقتراب من المساواة مع الرجال. فلا شك أن المال هو الدافع الأساسي لقاطرة الرياضة في العالم، وخصوصاً الأجور، التي تكفل دفع كرة القدم للسيدات إلى الأمام بشكل أسرع، وفي ضوء زيادة جماهيرية الكرة النسائية مقارنة بسنوات البداية.
مع الإشارة إلى أن كثيراًمن الأندية الأوروبية بدأت في الاستثمار في فرق الكرة، وضمّت اللوائح لدى بعض الاتحادات، ما يجبرها على تكوين أندية نسائية. وهي خطوة تبدو ضرورية لتشجيع كرة القدم النسوية، بتوفير حاضنة طبيعية هي الأندية الاحترافية.
محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.
1- عائشة بلحاج، كرة القدم... للنساء أيضا، السفير العربي، 25/04/2023. https://t.ly/XGSeh
2- سليمان بكباش، حان موعد إعطاء كرة القدم النسوية حقها من الاهتمام، موقع تاجة سبور.https://t.ly/_FnU
3- المرجع السابق.
4- عائشة جعفري، فيفا يشيد بانطلاق أول بطولة كرة قدم نسائية في السعودية، صحيفة الشرق الأوسط، 5 تشرين الاول/ أكتوبر 2019ـ bit.ly/3IXtQ4C
5- إيهاب زهدي، كرة القدم النسائية... العدالة الغائبة، جريدة البيان، فبراير 2021. https://www.albayan.ae/sports/emirates/2021-02-03-1.4082490
6- زهور باقي، لاعبات مغربيات محترفات: تحدينا الجميع لنلعب الكرة!، أصوات مغاربية، في 18 يناير 2018. https://t.ly/3xkZ