التنوع والتمايز في أصناف الأطعمة هي من خصائص المجتمع اليمني، بما في ذلك التنوع والتمايز بين منطقةٍ وأخرى، من حيث الحضور الأثير لأصنافِ أطعمةٍ معينة والغياب المتفاوت لأصنافٍ أخرى، وذلك اتّساقاً مع التنوع الديمغرافي في البيئة الاجتماعية ذاتها، حيث تظهر هذه السمة بشكل كبيرٍ في المائدة الرمضانية، على اختلاف مكوناتها، وارتباط بعضٍ منها بثقافاتٍ وافدة، نتيجةً لاختلاط اليمنيين بجنسيات وأعراق متعددة، ترتب عليه ظهور أطعمة جديدة في موائدهم، أضفوا عليها مسحةً من خصائصهم الثقافية والاجتماعية.
أطعمة إفطار خاصة
تقترن لحظة الإفطار الرمضاني في اليمن بأكلاتٍ مقصورة ـ بشكل قطعي ـ على أيام شهر الصيام دون غيره من شهور السنة. وعلى رأسها يأتي صحن "الشفوت"، ثم "الشُّربة" التي يتم إعدادها من القمح المجروش الممزوج بالحليب والسكر، أو بحساء اللحم، وكذلك "السنبوسة"، التي يتم حشوها باللحم المفروم أو الجبن أو البطاطا مع الكزبرة. ويدخل في طقوس الإفطار اليمني التمر، والماء، والعصائر، والقهوة، و"الباجية"، و"الخمير الحالي"، و"اللبنية".
الضوء في ليالي رمضان في اليمن
24-03-2022
يتكوّنُ طبق "الشفوت" اليمني من "اللحوح" (خبزٌ رقيقٌ مصنوعٌ من دقيق القمح أو الذرة الرومية)، يتم إعدادُه بوَضْعِ هذا النوع من الخبز في إناء، ثم الإضافة إليه مخفوق اللبن المخلوط بالنعناع الأخضر، مع مقادير مناسبة من البهارات والتوابل والكزبرة والكرنب والثوم. كما تدخل في إعداده أنواعٌ أخرى من الخضار، منها الفجل، والكراث، والبقدونس، والطماطم أو الخيار والجزر بعد تقطيعهما أحجاماً صغيرة. كما قد يُرشُّ بـ "حبة البركة"، وحبات "فاكهة الرمّان"، أو قطعِ "تفّاحٍ" صغيرة.
تعود نشأة هذه الأكلة الرمضانية، إلى التقاليد اليهودية، حيث تشير الدراسات اللغوية إلى أن "الشفوت Shavout" لفظة عبرية، تعني تلك "الأسابيع المقدّسة" التي كان فيها اليهود يتناولون الخبز الرقيق والألبان، وقد سكن اليهود في عددٍ من القرى والمدن اليمنية، ثم اعتاد اليمنيون عموماً على "الشفوت" في الإفطار الرمضاني، مع إضافاتهم تفاصيل إعداده المختلفة.
مائدة بثقافات متنوعة
هناك أصنافٌ تعود جذورها إلى ثقافات متشابكة مع الثقافة اليمنية، أهمها الثقافتان التركية، والهندية، حيث حكم العثمانيون اليمن فترتين متعاقبتين، الأولى (1538 - ـ1635)، والثانية (1635ـ - 1918)، فكان لهم تأثيرهم في عادات وتقاليد المجتمع اليمني. من ذلك "السَّلْتة"، وهي أكلةٌ شعبية قوامُها مزيجٌ من الأرز، والحُلْبَة، والبطاطا، والبيض، وبعض التوابل والخضروات المهروسة، كالبامية، والطماطم. وقد يضاف إليها اللحم المفروم أو المسلوق، أو "التونة".
"الشافوت"، أبرز أطباق الإفطار في رمضان، وتعود نشأته إلى التقاليد اليهودية، حيث تشير الدراسات اللغوية إلى أن "الشفوت" (Shavout) لفظة عبرية، تعني تلك "الأسابيع المقدّسة" التي كان فيها اليهود يتناولون الخبز الرقيق والألبان. وقد سكن اليهود في عددٍ من القرى والمدن اليمنية، ثم اعتاد اليمنيون عموماً على "الشفوت" في الإفطار الرمضاني، مع إضافاتهم تفاصيل إعداده المختلفة.
ويتردد في الثقافة الشعبية اليمنية أن بدايات "السلتة" كانت على هيئة طبقٍ من الطعام، ابتكره اليمنيون العاملون مع الحامية العثمانية في اليمن ، إذ امتهن الأتراكُ خدماً وحراساً يمنيين كانوا يقومون بجمع بقايا الطعام والخضروات من موائد أسيادهم، ويضعونها في صحنٍ واحد، ثم يعيدون طبخها مرةً أخرى، فتستوي من ذلك هذه الأكلة، حتى صارت بعد أزمنةٍ متعاقبة واحدةً من أهم مكونات المائدة اليمنية الحديثة.
رمضان القرية في اليمن أقرب إلى السماء
31-07-2013
وعلى ما في الذهنية الشعبية اليمنية من قَطْعِيّةٍ في إعادة "السلتة" إلى الثقافة التركية، إلّا أن هناك ما يحيل على نشأتها الأقدم في تاريخ الحضارة الإنسانية، حيث تتماهى الأسطورة والتاريخ في سرديتهما لمساحةٍ من التاريخ الإسباني ، التي كان فيها العرب حكّاماً للأندلس (711ــ - 1492)، وفيها ظهر نوعٌ من الطعام، أُطلق عليه مصطلح "باييا Paella"، الذي تذهب أبرز تفسيراته الدلالية إلى أنه مستمد من الكلمة العربية "بقايا". كان الخدم في قصور الأندلس، يجمعون هذا الطعام من بقايا الأطعمة، التي يتركها أمراؤهم وعَلِيّة القوم، ثم يقومون بطهوه ثانيةً، صانعين منه تلك الأكلة، التي عَمِلَ المجتمع الإسباني على تطويرها وتوارُثِها، حتى صارت من أشهر أكلاته في التاريخ الحديث، على اختلاف أنواعها وأشكالها، التي وصلت بها حدَّ اتساعها لاحتواء كل ما يرغب فيه الشخص من إضافات، مع شرطية ألّا يغيب عن إعدادها اثنان من مكوناتها: الأرز، والزعفران، وكذلك المحافظة على خصوصية إعدادها باستخدام "المقلاة".
ومثل ذلك، هي الأطعمة التي استجدت في المائدة اليمنية، كصورةٍ من صور التأثير للتعايش مع التنوع الثقافي والعرقي الذي كان سائداً في مدينة عدن، خلال فترة الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن (1839ـ - 1967)، حيث كان للثقافة الهندية تأثيرها الكبير في المجتمع العدني، لا سيما في فترة الاحتلال التي كان يدير فيها جنوبَ اليمن الحاكمُ العام البريطاني ل"شركة الهند الشرقية" من "بومباي"، إذ امتلأت عدن بالهنود المجندين في الجيش البريطاني، وكذلك الموظفين في المرافق الحكومية، مع نسبة كبيرة من السكان والتجار الهنود.. فكان لهذه المتغيرات الديمغرافية أثرها البالغ وفاعليتها المباشرة في تفاصيل المائدة العدنية، حسب ما أشار إليه الباحث في تاريخ عدن، الأستاذ بلال حسين غلام.
تمايز طبقي بنكهة رمضانية في اليمن
01-08-2012
من الأكلات الهندية التي ظهرت بفاعلية ذلك التأثير والتأثر، أكلة "الصانونة"، التي تقوم صيغةُ إعدادها العدنية بشكل جوهري على الأسماك، حيث استمدها المجتمع العدني من الطبق الهندي "Salan"، الذي يقوم إعدادُه في الهند على أنواع مختلفة من اللحوم. كذلك هي أكلة "الزربيان" "Biryani" التي تُعَدُّ في أصلها طبقاً فارسيّاً، يُطبخ باللحم والزعفران، انتقل إلى الهند، ثم إلى عدن التي أعطته اسمه الجديد. والأمر ذاته في أكلة "الكاتلكس"، التي عادةً ما يتم إعدادها من كرات البطاطا محشوةً باللحم المفروم (ولعل أصولها انجليزية، وهي شائعة في العراق مثلاً)، ومثلها أكلة "التوري"، التي يتم إعدادها على هيئة خليطٍ من الحليب والمكسرات والسمن والأرز...
الحلوى
التنوع في أصناف الحلويات نسقٌ آخر من أنساق الثراء في المائدة اليمنية، والرمضانية منها بوجه خاص. حيث تعود جذور أنواعٍ متعددة من حلويّاتها إلى ثقافاتٍ مختلفة أبرزها ـ أيضاً ـ الثقافة التركية، والثقافة الهندية.
هناك ما يحيل نشأة طبق "السلتة" الى التاريخ الإسباني، حين كان العرب حكّاماً للأندلس (711 - 1492)، وفيها ظهر نوعٌ من الطعام أُطلق عليه مصطلح "باييا Paella والذي تذهب أبرز تفسيراته الدلالية إلى أنه مستمد من الكلمة العربية "بقايا". وكان الخدم في قصور الأندلس، يجمعون هذا الطعام من بقايا الأطعمة التي يتركها أمراؤهم وعَلِيّة القوم، ثم يقومون بطهوه ثانيةً صانعين منه تلك الأكلة.
من أصناف الحلويات تلك "الرواني"، و"الشعوبيات"، و"القطائف"، وهي الحلويات التي اعتادت اليمنيون على ربطها بشهر رمضان على وجه خاص، لا سيما في صنعاء والمناطق المحيطة بها. أما تأثير الثقافة الهندية في الحلويات اليمنية ـ الرمضانية وغير الرمضانية ـ فحلوى "البدامي" التي تعود إلى جغرافيا "الشرق أسيوية"، واشْتُهرت بها عدد من البلدان، من مثل الهند، وماليزيا، وإندونيسيا، وسنغافورة، ووصلت إلى مدينة عدن، ثم تبوّأت مكانةً أثيرة في البلاد، فتصدّرت قائمة الحلويات الرمضانية في حياة الأسرة اليمنية عامة، والأسرة العدنية على نحوٍ خاص.
1- ريان الشيباني، "غذاء اليمنيين المحروس بشواهد القبور"، السفير العربي، 4ـ 4ـ 2019،
https://bit.ly/3LKgPO7
2- عزت القمحاوي، "بورخيس طبّاخ الباييا"، المنصة، 3ـ 1ـ 2023
https://almanassa.com/stories/8859