كيف نفهم "صواريخ غزة" الأخيرة؟

يتقلّب قطاع غزة منذ عام 2008 بين الحرب والهدوء. ولوتيرة إطلاق الصواريخ في العام الواحد دلالات.
2023-03-11

فادي الشافعي

صحافي من غزة


شارك
صواريخ من غزة وعليها

ظهرت الصواريخ كلغة تواصل بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة و"إسرائيل" خلال العقد الماضي، اتّسمت هذه اللغة بالفوضى وغياب القواعد في الأعوام السابقة لـ 2008، ثم أرست الهجمة الجوية الموسعة الأولى ضد غزة في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008 القاعدة الأولى ومفادها أنّ أي ضربات جويّة ضد قطاع غزة يقابلها رد بإطلاق الصواريخ على جنوب "إسرائيل"، للدفاع عن مدنه المحاصرة، ثمّ اتسع مدى الضربات.

يتقلّب قطاع غزة منذ عام 2008 بين الحرب والهدوء. ولوتيرة إطلاق الصواريخ في العام الواحد دلالات: فالأعوام التي أطلقت فيها غزة ما بين 1600 و4400 صاروخ كانت اعوام 2008، 2012، 2014، 2021. والأعوام التي أطلقت فيها بضع مئات من الصواريخ كانت 2009، 2010، 2011. والأعوام التي أطلق فيها بضع عشرات أو أقل من الصواريخ كانت 2013، 2015، 2016، 2017،. فكيف يمكن تفسير ذلك؟

"تنقيط الصواريخ"

أسمى وزير الحرب "الإسرائيلي" موشي يعلون (2013 – 2016) ظاهرة إطلاق بضع عشرات من الصواريخ في العام الواحد من قطاع غزة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، كما في الأعوام الأربعة المشابهة، سياسة "تنقيط الصواريخ".

وواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي "تنقيط الصواريخ" بغارات جوية منضبطة، حيث يشن سلاح الجو سلسلة غارات ليلية ومحدودة جداً على مواقع عسكرية تابعة للمقاومة وأراض زراعية فارغة ومبانٍ مهجورة. ثمّ يروّج الناطقون العسكريون باسم جيش الاحتلال أنّ الغارات الليلية استهدفت منصات إطلاق صواريخ ومصانع تطويرها فوق وتحت الأرض، ولا تقع عادةً خسائر بشرية في مثل هذه الغارات لأنّ إعلام "إسرائيل" يعلن مسبقاً نيّة جيشه تنفيذها، وتضع "إسرائيل" هذه الغارات ضمن استراتيجية "المعركة بين الحروب" التي تهدف وفق الرؤية الإسرائيلية إلى إرباك تعاظم العدو والحفاظ على الردع تمهيداً لاحتمال نشوب حرب في المستقبل.

لجأت المقاومة في غزة، التي تقودها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ سيطرتها على قطاع غزة عام 2007 خلال سنوات حكم نتنياهو إلى "تنقيط الصواريخ" بغية الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتحصيل مكاسب لاحقة على طريق فك الحصار الإسرائيلي عن القطاع.

ارتبط "تنقيط الصواريخ" والرد عليها بسلسلة غارات الـ"معركة بين الحروب" في أعوام الهدوء وفي فترة حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تولى مقاليد الحكم في "إسرائيل" لأربع مرات بين عامي 2009 - 2023، ولم تفلت مقاليد الحكم من يد نتنياهو خلال تلك المدّة إلا عام 2022 وهو العام الذي تقاسم فيه رئاسة الوزراء في إسرائيل نفتالي بينيت ويائير لبيد، وجنحت المقاومة في غزة خلاله إلى هدوء غير مسبوق، أي توقَّف "تنقيط الصواريخ".

"ما كان ليس ما سيكون"

لجأت المقاومة في غزة، التي تقودها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ سيطرتها على قطاع غزة عام 2007 خلال سنوات حكم نتنياهو إلى "تنقيط الصواريخ" بغية الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتحصيل مكاسب لاحقة على طريق فك الحصار الإسرائيلي عن القطاع. بينما قدّمت حكومة بينيت/ لابيد "حوافز اقتصادية" مسبقة لتفادي الدخول إلى دوامة "تنقيط الصواريخ" التي وصمت العلاقة بين غزة وحكومات نتنياهو، ورفع بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي في حكومة "بينيت/لابيد، شعار "ما كان ليس ما سيكون" أي "ما كان في عهد نتنياهو ليس هو ما سيكون في العهد الجديد"، وباشر بالرد بشكل أعنف على أيّ احتكاكات على الحدود مع قطاع غزة، حتى وإنّ لم ترقَ إلى مستوى إطلاق صاروخ، وأمر بالرد على أي فعاليات مقاومة شعبية "خشنة" قرب السياج ب"غارات نتنياهو" نفسها التي كانت مقابلة لـ"تنقيط الصواريخ".

"الربط بين الجبهات"

مع عودة نتنياهو إلى الحكم في "إسرائيل" بداية العام 2023، ظلت "حوافز حكومة "بينيت/ لابيد" الاقتصادية لغزة سارية بينما عادت المقاومة في غزة إلى "تنقيط الصواريخ" حيث أطلق من غزة خلال الشهرين الأولين من العام 33 صاروخاً وهي وتيرة تعني أن المقاومة في غزة تسعى لتحقيق مكاسب ما. والمفارقة أنّها لم تعد تريد هذه المكاسب لغزة فحسب، بل لوقف جرائم الاحتلال بالضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، وهذا ما أطلقت حماس عليه: "الربط بين الجبهات" وترى أنه الإنجاز الأهم لها عام 2021.

لم تذهب المقاومة في غزة إلى تفعيل قوتها الصاروخية كاملة كما في العام 2021، بل عادت إلى سياسة "تنقط الصواريخ" التي أضحى هدفها الرد على جرائم جيش الاحتلال بالضفة لا في غزة فحسب، وهذا سياق لافت.

دشّنت المقاومة في غزة معادلة تفعيل قوتها الصاروخية رداً على الاعتداءات الإسرائيلية على مناطق فلسطينية غير قطاع غزة عام 2021، بينما سعت إسرائيل إلى نفي هذه المعادلة، وهي التي جهدت على مدار السنوات، لفصل القطاع وقضاياه عن باقي الحيّز الفلسطيني سواء في الضفة الغربية بما فيها القدس، والداخل المحتل عام 1948.

بدورها، حاولت حكومة "بينيت/لابيد" تقويض انجاز 2021، وبمجرد أنّ لوّحت، في آب / أغسطس، حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وهي إحدى فصائل المقاومة في غزة، أنّها ستفعِّل قوتها الصاروخية الكاملة للرد على ما حدث في مدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، استبق جيش الاحتلال رد غزة واغتال أحد أبرز قادة ذراعها العسكري، وشنّ عدواناً جوّياً واسعاً ضدّها، فصدّت حركة الجهاد العدوان منفردة، واستمر القتال 66 ساعة في سيناريو مماثل لـ"أيام القتال" عام 2019، وآخر أقل شبهاً حدث في 2018.

خلال الشهرين الماضيين سرعان ما كانت أنظار الجماهير الفلسطينية المؤيدة للمقاومة والأوساط العسكرية الإسرائيلية تلتفت إلى قطاع غزة فور ارتكاب جيش الاحتلال لأي جريمة بالضفة الغربية، وهو ما جرى أكثر من مرة منذ بداية العام الحالي، حينما ارتكب جيش الاحتلال جريمة في جنين راح ضحيتها 9 شهداء وأخرى في أريحا راح ضحيتها 5 شهداء وأخرى في نابلس راح ضحيتها 11 شهيداً. إلا أنّ المقاومة بغزة لم تذهب إلى تفعيل قوتها الصاروخية كاملة كما في العام 2021 بل عادت إلى سياسة "تنقيط الصواريخ" التي أضحى هدفها الرد على جرائم جيش الاحتلال بالضفة لا في غزة فحسب، وهذا سياق لافت. إذ أعادت المقاومة في غزة تجديد هدف "تنقيط الصواريخ" من طلب الحوافز الاقتصادية للقطاع فحسب إلى تثبيت سياستها المعلنة بالعمل على ربط جبهتي المقاومة في الضفة وغزة، دون الدخول في معركة عسكرية واسعة. 

مقالات من فلسطين

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...

للكاتب نفسه

الحركة الطلابية الفلسطينية بالضفّة: أنا أقاوم.. أنا موجود

الحراك الطلابي في الشهر المنصرم داخل جامعات الضفة الغربية سياسي في جوهره، ويأتي في سياق محاولات الحركة الطلابية خلال السنوات الأخيرة استعادة تأثيرها على الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالنشاط...

"تفكيك الأونروا": الحل التقني في مواجهة الحقوق التاريخية

ظهرت الدعوة في واشنطن لتفكيك "الأونروا" عبر طرح مؤيدي إسرائيل لقضيتي "المناهج" و"توريث اللجوء" في النقاش داخل الكونغرس. ومع تعاقب الإدارات الأمريكية، طُرحت ثلاثة "حلولٍ"، أولها سحب صفة "لاجئ فلسطيني"...