"مصر اتجنّنت"، جاء في أحد التعليقات على فيديو لنائب رئيس حي العجوزة، في القاهرة، وهو "يداهم" المقاهي لـ "ضبط" شبان يجتمعون فيها نهاراً في أيام شهر رمضان، فيدخل مع رجاله ويبدأ فوراً بالإشارة لهم بجمع الكراسي والطاولات والإيعاز للزبائن بالخروج. "ممنوع الإجهار، ممنوع!" يقول فرج لنادل في أحد المقاهي، ويقرر "اتخاذ الإجراءات اللازمة" وتحرير محاضر بحقهم.
"كده مصر انتهت للأبد"، يقول معلّق ثانٍ على الفيديو، ليضيف ثالث "داعش في مصر؟".
الرجل يفتح الواجهات المغلقة ليكتشف "عصابة" المفطرين.. تذكر الأخبار أن الحملة الموسّعة صادرت 177 كرسياً و50 طاولة و25 شيشة.. إنجاز! البلطجة صار لها طابع مقدس فجأة! وكلّه تحت راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ما حصل في حي العجوزة يجد تبريراً وأساساً له في دار الإفتاء المصرية، فـ "المجاهرة بالفطر في نهار رمضان لا يدخل ضمن الحرية الشخصية للإنسان، بل هي نوع من الفوضى والاعتداء على قدسيّة الإسلام، لأن المجاهرة بالفطر في نهار رمضان مجاهرة بالمعصية، وهي حرام فضلاً عن أنها خروج على الذوق العام في بلاد المسلمين، وانتهاك صريح لحرمة المجتمع وحقه في احترام مقدساته". هذا ما جاء على الصفحة الرسمية لدار الإفتاء المصرية على فايسبوك، مستفزاً أكثر من ألفَي تعليق بين مستنكِر ومؤيّد. هكذا تسمح دار الإفتاء بتحريم وتجريم الإفطار جهاراً وتمنع مجموعة من الناس من ممارسة حرية بسيطة واختيار طريقة ممارسة العبادات (أو عدمها)، وبعد أن تحشر نفسها في مساحة حريتهم الخاصة جداً وتتّهمهم هم بالعدوان.
إنه زمن "الإيمان بالعافية".
المستنكِرون يسألون، ماذا عن المجاهرة بأفعال كاعتقال الأبرياء وسرقة المال العام؟ ماذا عن القمع؟ ماذا عن التطبيع مع إسرائيل؟ ماذا عن بيع الأرض؟ حلال أم حرام يا مولانا؟
حتّى الإسلاميون، ومنهم رئيس اتّحاد طلّاب جامعة الأزهر (الإخواني) علّق بالقول "شيوخ عسكر صحيح..".
في الصين "فتوى" حكومية في المقلب الآخر، حيث تمنع الحكومة موظفي الشأن العام والطلاب والأساتذة من الصيام في رمضان حتى في المناطق ذات الغالبية المسلمة بمنطقة زينجيانغ (حسب ما جاء في جريدة "الاندبندنت" البريطانية). حالة معاكسة للحالة المصرية، لكن مشابهة جداً في نوع القمع الذي تمارسه على الناس بمنعهم من أمر بديهي: اختيار ممارسة شعائر دينية أو الامتناع عنها، علناً أو خفاء.
لكن المقلِق في مصر هو واقع أنّ جميع أنواع السلطات انحرفت عن أداء أدوارها الطبيعية وأُغرقت البلاد في حالة مخيفة من الضغط الرقابي. السلطات السياسية والأمنية تتلهّى بالقبض على الأولاد والفرق الموسيقية (أطفال الشوارع مثلاً) وملاحقة الباحثين المصريين (اسماعيل اسكندراني مثلاً) والأجانب (فضيحة مقتل جيوليو ريجيني)، فيما السلطات الدينية تقرر باستعلاء حظراً على الحرية الشخصية، وتحرّض ـ مع علمها أو بدونه ـ على المواطنين الذين قررت أنهم يرتكبون المعصية تحت عينها.