الياقات البيض والأكف النظيفة والأقلام التي تتحرك دون أن تكتب كلمة في الحوارات التلفزيونية، تتساءل عن العنف ورؤوسنا الطيّارة في الهواء، لكنها تنحت صخرة العذاب وصليب المجزرة بدم بارد وبوجه بارد وبأسئلة باردة. وتحيك أحياناً وجه السلفي القاتل بأقلامها وأفكارها.
وتساهم دون أن تدري، وهي تسخف وتختصر شخصية المتطرف بلحية وجلباب أسود، بإدامة سوء الفهم، لأن التطرف الديني "مثقف" وعميق. ما نراه في الشاشات والأخبار والتغريدات والمعارك هو الوجه الذي تستطيع الشاشات والأخبار والتغريدات والمعارك أن تفهمه، وما نستطيع أن نفهمه نحن.
هو الوجه التقليدي البسيط للإرهابي.
المتفق عليه نسبياً. أما الوجه الغاطس في عقلانية زائفة والمتخفي بلحية لا مرئية، فهذا هو الصورة الواقعية للإرهاب. لم يخرج من ثقب الماضي والأوراق الصفر والعنعنات الطويلة، هو نفسه حفّارة ثقوب.
الجدل النقدي الذي يعرف كيف يلعب لعبة "الغميضة" بمهارة، ويعرف متى يغض النظر ومتى يفتحه، هو الظهير الثقافي للإرهاب فينا. هؤلاء بأعينهم داعشياً يذبح داراً للأيتام لاتهموا أعينهم بأنها فوتوشوب.
يتحركون وفق المنطق الطائفي، الطائفية لديهم ليست وجهة نظر، بل منظومة تفكير كاملة ومجهزة بكل ما يحتاجه خبير متفجرات لفظية.
بفضلهم انتقلنا من الفهم الشعبوي البسيط للطائفية، إلى مفاهيم جديدة تتسلل اليوم إلى الشارع، وبفضلهم لم تعد عبارات مثل "إخوان سنة وشيعة" تطرب الناس المتعبين من ويلات الاحتراب الأهلي. بفضلهم توصل الناس إلى أن الحلول الشاعرية ليست إلا أسبرين منتهي الصلاحية.
شكراً للإرهاب المثقف!