لا تزال قضية أربعة صحافيين يمنيين محكوم عليهم بالإعدام تمثل عنواناً بارزاً لوضع الصحافة في اليمن. فهي تعود إلى الأشهر الأولى من اندلاع الحرب في 2015، لكن ملابساتها مستمرة حتى اليوم، وهي بطبيعة الحال لا تدعو إلى التفاؤل.
في النصف الأول من شباط /فبراير 2022 أعلن الاتحاد الدولي للصحافيين عن إطلاق حملة عالمية لإنقاذ الصحافيين الأربعة، بعد سنوات من البيانات والمناشدات التي لم تلقَ أي استجابة.
الصحافيون الأربعة هم عبد الخالق عمران، وأكرم الوليدي، وحارث حمید، وتوفیق المنصوري، وقد اختطفوا في حزيران/يونيو 2015، من قبل السلطات التابعة لجماعة الحوثي في صنعاء، وفي نسيان/ أبريل 2020 جرت محاكمتهم بتهمة "الخيانة والتجسس لصالح دول معادية" وحُكِمَ عليهم بالإعدام.
عن الاغتيالات في اليمن
28-01-2017
دعا الاتحاد الدولي للصحافيين في حملته جميع المنظمات النقابية وكل الصحافيين والعاملين الإعلاميين في جميع أنحاء العالم للمشاركة في الضغط من أجل إسقاط أحكام الإعدام وإطلاق سراح الصحافيين. لكن بياناً لنقابة الصحافيين اليمنيين نشر في مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2022، أشار إلى "تعرض الصحافي توفيق المنصوري للتعذيب والضرب على رأسه حتى كُسرت جمجمته، كما تم نقله مع الصحافيين عبد الخالق عمران وحارث حميد إلى زنازين انفرادية".
قد تسجل نقطة البدء في محنة الصحافة في اليمن من توقف معظم الصحف عن الصدور بعد حملات مصادرة واعتداءات على طواقمها مع بدء الحرب، قبل أن يتطور الأمر إلى نهب وإحراق مقراتها، ثم حجب مئات المنصات والمواقع الإلكترونية، وتعرض عشرات الصحافيين للقتل، والخطف، والاعتقال، والتعذيب. كما أن معظم الصحافيين فقدوا أعمالهم.
1400 انتهاك
بحسب تقرير نقابة الصحافيين، وصل عدد الانتهاكات التي ارتكبت بحق الصحافة والصحافيين في اليمن منذ بداية الحرب (أواخر أذار/مارس 2015) إلى 1400 انتهاك. وهي موزعة بين القتل والاغتيالات والخطف والإخفاء القسري والتعذيب وأحكام الإعدام وإغلاق الصحف وحجب المواقع الإلكترونية، وصولاً إلى قطع الراتب والتمييز في أماكن العمل والفصل التعسفي.
قتل 45 صحافياً منذ بداية الحرب بحسب تقرير آخر. 17 منها بيد جماعة الحوثيين بينما ارتكب "التحالف العربي" 14 اغتيالاً، وسجلت 12 واقعة ضد مجهول، وحالتان ضد جهات إرهابية.
محاولة اغتيال الصحافي اليمني نبيل سبيع
03-01-2016
وخلال النصف الأول من العام الفائت 2022، رصدت نقابة الصحافيين 50 حالة انتهاك متنوع. وجاءت جماعة الحوثي متصدرة للانتهاكات ولم تسلم منها حتى الإذاعات المجتمعية، وهي إذاعات ليس لها علاقة بالسياسة. وكان زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي قد ظهر في خطاب متلفز يقول إن الصحافيين أخطر من المقاتلين، بحسب ما وثّقه الاتحاد الدولي للصحافيين.
شح الفرص جعل الكثير من الإعلاميين يعملون في تغطية الحرب دون أن تتوفر لهم وسائل الحماية، سواء على مستوى أدوات السلامة أو على مستوى التأهيل والتدريب. نتج عن هذا أنْ قُتل وأصيب عشرات الإعلاميين خلال الأعوام الماضية، معظمهم يخاطرون بأنفسهم دون أن يكون لديهم عقود رسمية مع المؤسسات التي يعملون لصالحها... ما يجعلهم دون حقوق في حال تعرضوا لمكروه
بالمقابل في عدن، عاصمة الحكومة المعترف بها دولياً، يأخذ استهداف الصحافيين منحى أخطر. حيث سجلت حتى الآن خمسة اغتيالات لصحافيين قتلوا بمفخخات، كان أبرزها ما حدث للصحافية رشا الحرازي في تشرين الثاني/ نوفمبر2021، عندما كانت مع زوجها الصحافي محمود العتمي في طريقهما إلى المستشفى للولادة، فانفجرت بهما عبوة ناسفة زرعت في السيارة، ما أدى إلى مقتل الصحافية وجنينها وإصابة زوجها إصابات خطيرة. وعلى الرغم من مرور أكثر من عام على الجريمة وأكثر من عامين على أول جريمة من هذا النوع، إلا أن نتائج التحقيقات لم تظهر حتى الآن.
كل هذا جعل اليمن تحل في المرتبة 169 في مؤشر حرية الصحافة العالمي، بحسب تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود.
الفوضى كمجال استقطاب
خلال سنوات الحرب، سادت الفوضى في الصحافة اليمنية، وأصبح الإعلام ميداناً موازياً للحرب الدائرة. غابت التغطية المهنية للأحداث، وحضرت بدلاً عن ذلك الشائعات والتوظيف وعدم الدقة.
أصبح من النادر العثور على منصة صحافية تعمل باستقلالية. فمن مظاهر الفوضى السائدة، الاستقطاب الحاد الذي شهده الوسط الصحافي والإعلامي خلال سنوات الحرب، سواء من قبل أطراف محلية أو جهات خارجية متورطة في الشأن اليمني. غالباً ما تكون أدوات الاستقطاب هي الوسائط الإعلامية التابعة لهذه الجهات كونها تستطيع أن توفِّر فرص عمل للصحافيين. وإذا تمكن الصحافي من وضع مسافة بين عمله والتوجه السائد في المؤسسة التي يعمل لصالحها، سرعان ما يصبح غير مرغوب به، أو على الأقل لن يسْلم من التصنيف وما ينتج عنه من تحريض.
كما أن شح الفرص جعل الكثير من الصحافيين والإعلاميين مجبرين على العمل في تغطية أحداث الحرب وتعريض أنفسهم للخطر، دون أن تتوفر لهم وسائل الحماية، سواء على مستوى أدوات السلامة أو على مستوى التأهيل والتدريب على طرق الحماية الجسدية والنفسية. نتج عن هذا الوضع أنْ قُتل وأصيب عشرات الصحافيين والإعلاميين خلال الأعوام الماضية.
والأدهى من ذلك أن معظم هؤلاء يخاطرون بأنفسهم، دون أن يكون لديهم عقود رسمية مع المؤسسات التي يعملون لصالحها... ما يجعلهم دون أي حقوق في حال تعرضوا لمكروه.
لهذا بات من الشائع انسحاب كثير من الصحافيين من المشهد وتوقفهم عن ممارسة المهنة للحفاظ على سلامتهم. البعض لجأ إلى ممارسة أعمال أخرى بينما هناك من وجد نفسه واقعاً تحت سطوة المعاناة الاقتصادية والنفسية.
• عُقد المؤتمر العام الرابع لنقابة الصحافيين اليمنيين (آخر مؤتمر عام)، ما بين 14 و17 أذار/مارس 2009، تحت شعار "دفاعاً عن حقوق الصحافيين وحرية الصحافة"، بحضور 1013 صحافيا من قوام الجمعية العمومية البالغ 1278 عضواً (بحسب المركز الوطني للمعلومات)
• قبل اندلاع الحرب في 2015 كان عدد الصحف في اليمن قد وصل إلى 260 صحيفة، منها 38 حكومية و160 مستقلة و45 حزبية. اليوم لم يعد هناك أي صحيفة حزبية أو مستقلة تصدر من صنعاء، أما في تعز فلا يوجد أي صحيفة. هناك فقط صحف الحوثيين في صنعاء، وصحيفة 14 أكتوبر الرسمية وعدد من الصحف الأهلية في عدن.
تعميق المأزق
يتعمق مأزق الصحافة في اليمن، بالنظر إلى وضع نقابة الصحافيين اليمنيين التي نالها نصيب وافر من الاستهداف الممنهج جعلها غير قادرة على القيام بدورها. بدأ الأمر مع ظهور مسمى "اتحاد الإعلاميين اليمنيين" خلال الأشهر الأولى من الحرب، ليتضح أنه كيان يجمع الصحافيين والإعلاميين والكتاب الذين يتبنون التوجه السياسي والمذهبي لجماعة الحوثي. المحدد الأبرز للانتماء لهذا الاتحاد هو "مواجهة العدوان" (يطلق المصطلح على "التحالف العربي" بقيادة السعودية والإمارات).
خلال سنوات الحرب، سادت الفوضى في الصحافة اليمنية، وأصبح الإعلام ميداناً موازياً للحرب الدائرة. غابت التغطية المهنية للأحداث، وحضرت بدلاً عن ذلك الشائعات والتوظيف وعدم الدقة
جاء هذا الاتحاد كمقدمة للهيمنة على وسائل الإعلام الحكومية في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، وهو ما تحقق بعد طرد معظم الصحافيين الذين لا يتبنون الخط الإعلامي للجماعة. ولكي يصبح هذا الاتحاد بمثابة كيان بديل لنقابة الصحافيين اليمنيين، قامت سلطات الحوثي بإغلاق المقر الرئيسي للنقابة في العاصمة صنعاء، وتجميد أموالها، والتضييق على من تبقى من هيئتها الإدارية وأعضائها ومنعهم من ممارسة أي نشاط.
الحوثيون بين السياسة والقبيلة والمذهب
02-09-2019
على الخطى نفسها، ظهر مؤخراً في عدن مسمى "الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي"، ككيان نقابي بديل يتبع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتبنى خطاب انفصال جنوب اليمن عن شماله. وهو الآخر موجه ضد نقابة الصحافيين التي باتت توصف في بعض المنابر الإعلامية الجنوبية بأنها "تمثل الصحافيين في الشمال". وقد انعكس هذا التوجه باقتحام مجموعة مسلحة لمقر النقابة في عدن ومحاولة الاستيلاء عليه في أيلول/سبتمبر 2022.
في المقابل، يقتصر دور نقابة الصحافيين في مواجهة هذا الواقع على إصدار البلاغات والبيانات عقب كل انتهاك. كما تقوم برصد الانتهاكات أولاً بأول، واستعراضها من خلال تقارير دورية فصلية، نصف سنوية وسنوية.
غالباً ما تشير هذه التقارير للأطراف التي تمارس الانتهاك، بالتوازي مع مطالب بإطلاق سراح الصحافيين المعتقلين ثم مطالبة المنظمات الأممية المعنية بالمهنة وتلك المعنية بحماية الحقوق والحريات القيام بدورها. لكن هذه المطالبات تحولت إلى كلام رتيب مكرر باعتبارها غير مقرونة بآليات ضغط وقنوات تواصل فاعلة يمكن لمس أثرها في الواقع.
كان الإعلان عن اتحاد الإعلاميين اليمنيين" مقدمة للهيمنة على وسائل الإعلام الحكومية في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثيين، وهو ما تحقق بعد طرد معظم الصحافيين الذين لا يتبنون الخط الإعلامي للجماعة. وقامت سلطات الحوثيين بإغلاق المقر الرئيسي للنقابة في العاصمة صنعاء، وتجميد أموالها.
ظهر مؤخراً في عدن مسمى "الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي"، ككيان نقابي بديل يتبع "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يتبنى خطاب انفصال جنوب اليمن عن شماله. وهو الآخر موجه ضد نقابة الصحافيين التي باتت توصف في بعض المنابر الإعلامية الجنوبية بأنها "تمثل الصحافيين في الشمال"!
تحظى نقابة الصحافيين اليمنيين بدعم كبير من الاتحاد الدولي للصحافيين، الذي بدوره يستند على بيانات النقابة في إصدار مواقف التضامن مع الصحافيين اليمنيين. غير أنّ هذا الدعم ظل مقتصراً على الآليات المعهودة، باستثناء الحملة التي أطلقها الاتحاد الدولي للمطالبة بالإفراج عن الصحافيين الأربعة المحكوم عليهم بالإعدام، ودعوة الصحافة العالمية والهيئات الدولية للمشاركة في الحملة والضغط على جماعة الحوثي لإطلاق سراحهم وإنقاذ حياتهم.
ولكن هذا النشاط لا يؤدي إلى نتائج ملموسة، على عكس التعامل مع الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون من قبل المؤسسات التي يعملون فيها أو يتعاونون معها. في هذه الحالة، تقوم النقابة بدور فاعل وتنجح في إسناد الصحافيين بطرق شتى أبرزها التواصل مع الجهة المنتهِكة ثم اقتراح الحلول وأحياناً إشراك شخصيات نقابية قديمة ومثقفين لهم تأثيرهم للضغط على تلك الجهات، وأيضاً إصدار البيانات والبلاغات القوية عند الفشل في التوصل إلى حل. وفي الغالب تنجح النقابة في الانتصار للصحافي وتمكينه من استعادة حقوقه.
سياق ضعف أداء النقابة
هناك عوامل كثيرة ساهمت في ضعف أداء نقابة الصحافيين اليمنيين، غير أن العامل الأبرز يتعلق بوضع هيئتها التي لم تعد فاعلة، وهذا ليس وليد سنوات الحرب فقط، بل يعود بدرجة رئيسية إلى الفترة التي أعقبت ثورة شباط/فبراير 2011.
حينها بدأ مشهد سياسي جديد بالتشكل، ساد جو من الحرية وغاب التضييق على الصحافيين وحدثت طفرة في الإعلام، على المستوى الكمي والكيفي. تأسس عدد من القنوات التلفزيونية والإذاعات وهو أمر كان شبه محظور في السابق. الصحف التي كانت أسبوعية أصبحت يومية، وهناك صحف جديدة ظهرت، كما زاد عدد الصحافيين والعاملين في الصحافة إلى أضعاف ما كان موجوداً في السابق، سواء من الخريجين من كليات الإعلام أو ممن احترفوا الصحافة بدفع من الوضع الجديد، إلى جانب انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وأشكال جديدة من الصحافة الإلكترونية.
الصحافة اليمنية في خدمة.. السياسيين
30-06-2014
ثورة "11 فبراير" في اليمن.. من سرق "علبة فول" الشعب؟
10-02-2021
أمام هذا المشهد، وجدت نقابة الصحافيين نفسها عاجزة عن المواكبة، أو بعبارة أدق لم تبدِ أي محاولة للمواكبة، على الرغم من أن هناك برنامج عمل يفترض انه مُرحّل من الفترة السابقة، خاصة بما يتعلق بمناقشة وإقرار ميثاق الشرف المهني، وأيضاً تنظيم الإعلام الإلكتروني، وليس انتهاء بعقد المؤتمر العام للنقابة (يفترض عقده كل أربعة أعوام، وآخر مؤتمر عام عقد في 2009). غير أن هذا لم يحدث، ومع اندلاع الحرب كان قد أضيف لهذه الإشكاليات وجود عدد من أعضاء مجلس النقابة (الهيئة) الذين جرى تعيينهم في مناصب حكومية عليا، بينما قسم آخر صار يعيش خارج البلد.
للنقابة تاريخ نضالي عريق، فقد رفضت مشروع قانون الإعلام السمعي والبصري الذي حاولت فرضه السلطة المنتصرة في حرب صيف 1994، والذي "كان يحتوي على أكثر من 30 فعلاً مجرِّماً". وقد نجحت بفضل حركتها القوية وتضامن الرأي العام الداخلي والخارجي في منع صدور ذلك القانون. لكن الأحداث تجاوزتها بعد انتفاضة 2011 التي ساهمت هي نفسها في إطلاقها
من أصل 12 عضواً يشكلون مجلس النقابة، لم يعد هناك من يمارس مهامه بشكل فعلي سوى عضو واحد هو أمين عام النقابة الحالي. كما أن معظم فروع النقابة في المحافظات شبه مجمدة، أبرزها فرع تعز التي تعد أكبر محافظة يوجد فيها صحافيون.
العودة للقصة الأساسية
لا يمكن لوضع الصحافة في اليمن أن يتغير من تلقاء نفسه، كما أن انتظار انتهاء الحرب لكي تنتهي محنة الصحافيين اليمنيين لا يتفق مع طبيعة المهنة التي من واجبها العمل في مختلف الظروف. وهذا ليس مجرد افتراض نظري، بل هو العنصر الأساسي في قصة نقابة الصحافيين اليمنيين منذ تأسيسها في التاسع من حزيران/يونيو 1990، خلفاً لاتحاد جمعية الصحافيين في الشمال ومنظمة الصحافيين في الجنوب، عقب أسابيع من تحقيق الوحدة اليمنية بين الشطرين.
حينها سعت نقابة الصحافيين الوليدة إلى التخلص من تركة النظامين السابقين في الشمال والجنوب، واستثمار عهد الانفتاح السياسي والشروع بتأسيس ساحة نقاش فاعلة. وعلى الرغم من أن الأعوام الثلاثة الأولى التي أعقبت تحقيق الوحدة اليمنية كانت بمثابة عصر ذهبي للصحافة اليمنية، حيث ظهر عدد كبير من الصحف الحزبية والمستقلة بسقف حرية غير مسبوق، إلا أن الكيان النقابي الموحد ظل يخوض معركته في وجه التشريعات القانونية التي حاولت أن تلتف على وعد الحرية المنصوص عليه دستورياً، لتبدأ أول معركة بالتزامن مع إقرار قانون الصحافة الذي كان يشترط لإصدار الصحيفة الحصول على ترخيص من وزارة الإعلام.
لم تتوقف نقابة الصحافيين عن رفض السياسات التي تحاول النيل من الحريات المكتسَبة، حتى بعد أن اندلعت الحرب في 1994 وعودة النظام الاستبدادي. دائماً كانت هناك معركة ينبغي على نقابة الصحافيين خوضها وتحقيق انتصارات فيها، صحيح بحسب المتاح، لكن أيضاً من خلال الحركة الدؤوبة وعدم الرضوخ لشروط الواقع.
من أصل 12 عضواً يشكلون مجلس النقابة، لم يعد هناك من يمارس مهامه بشكل فعلي سوى عضو واحد هو أمين عام النقابة الحالي. كما أن معظم فروع النقابة في المحافظات شبه مجمدة، أبرزها فرع تعز التي تعد أكبر محافظة يوجد فيها صحافيين.
رفضت النقابة مشروع قانون الإعلام السمعي والبصري الذي حاولت فرضه السلطة المنتصرة في حرب صيف 1994 والذي "كان يحتوي على أكثر من 30 فعلاً مجرِّماً" (1) وقد نجحت بفضل حركتها القوية وتضامن الرأي العام الداخلي والخارجي بمنع صدور ذلك القانون.
وخلال السنوات اللاحقة، لعبت النقابة دوراً بارزاً على المستوى الحقوقي وإسناد الصحافيين الذين يتعرضون لانتهاكات، والانتصار لهم، وكان هذا يعزز من ترابط الصحافيين وينعكس على أدائهم اثناء ممارسة المهنة. وهو ما يغيب عن واقع الصحافة في اليمن في الوقت الحالي.
ومع مطلع الألفية الثالثة، وبالاستناد للدور الفاعل للنقابة، بدأت الصحافة تتجرأ على فتح ملفات ذات طابع سياسي حساس كما هو الحال مع مشروع التوريث، وقد ساهم هذا في تشكّل معارضة قوية للنظام من خلال تحالف سياسي واسع جمع بين من كانوا خصوماً حتى وقت قريب. وقد نجح ذلك التحالف في إعادة فتح المجال العام وساهم في تفجر الثورة الشعبية مطلع العام 2011. وكانت نقابة الصحافيين اليمنيين في طليعة القوى التي شاركت في الفعاليات الاحتجاجية التي سبقت اندلاع الثورة في 11 شباط/ فبراير 2011. ففي التاسع والعشرين من كانون الثاني/ يناير من العام نفسه، نظمت نقابة الصحافيين مظاهرة خرجت من أمام مقرها في العاصمة صنعاء تضامناً مع ثورة الشعب المصري، لكنها رفعت أيضاً شعارات تطالب برحيل النظام. وانخرط معظم أعضاء النقابة في الاحتجاجات العامة التي كانت تتصل بنضالهم على صعيد تحسين شروط ممارسة المهنة وبمواجهة تنكيل السلطة وممارساتها.
1 - علي الضبيبي، "عبدالباري طاهر المدافع الأعزل عن الحريات والسلام"، خيوط، 3 مايو/ أيار 2020.