قلتَ إرهاب، قلنا نُحارب (...)
سجنتَ الشباب، وبعتَ التراب
ارحل، خلّي عند أُمّك دمّ
يبدأ الشباب بتناقل الأدوار، يلعبون بينغ ــ بونغ بالكلمات والألحان، فيسلّمون ويستلمون من بعضهم البعض، ويتابعون عرضهم الصغير بسلاسة. بصوت يقلّد نبرة الدوبلاج في مسلسلات الكرتون المعرّبة، يبدأون:
- مدينة البيادة!
- ماذا سنفعل في عيد تحرير سيناء القادم؟
- ما نفعله في كل الاحتفالات! نضع البيادة فوق رؤوسنا..
- آه! ونرفرف بأعلام السعودية!
- حلب تحترق؟ لا، إنها دعاية لفيلم ستار وورز!
- يا له من ماكياج رائع!
- إنهم إخوان..
- دعهم يحترقون..
- همم، يقولون أنّ أمناء الشرطة يقتلون السوّاقين.
- لا، حالات فردية.
- أها.
- يجب أن نقتحم نقابة الصحافيين حتى نقبض عليهم!
- ولكنّ هذا لا يصحّ. الدستور!
- نفعل ما نفعله في كل دستور.. هاهاها
- سنكتب دستوراً جديداً..
الشباب الستة يستخدمون كاميرا هاتف محمول عادية، هذه أداتهم.. يقفون في أي زاوية في أي شارع، هذا مسرحهم.. يؤدّون كلاماً مع أو بدون لحن ويمثلون فيما هم واقفون مكانهم بوجوههم ونبرتهم، وهذا أسلوبهم.. وهم بذلك قد ألّفوا نوعاً جديداً بسيطاً جداً من فنون الأداء. السكتشات الساخرة تتميز بالذكاء والحدّة والانضباط لناحية انسجامهم وإكمال أدوار بعضهم بعضاً. هم ليسوا مجموعة شبان يلهون في الشارع و "يهرّجون"، إنهم يقدّمون نقداً حقيقياً للمجتمع والسلطات، بلغة بسيطة، لكن طريفة ولاذعة.
- أيوه بنقبض عالشباب من عالقهاوي.
- السجن فيه سحلب أحسن من القهوة.
- إنه مجاناً!
بعد صدور الفيديو بعنوان "عبيد البيادة" بأيام، في يوم الثلاثاء 10 أيار/ مايو، داهمت قوّات الأمن منزل عز الدين خالد (19 عاماً)، وهو أصغر شباب "أطفال الشارع" واعتقلته. ثمّ لاحقت رفاقه وألقت القبض عليهم، ليخرج خالد فيما بعد بكفالة، ويبقى رفاقه معتقلين 15 يوماً على ذمة التحقيق.. التحقيق بماذا؟ بفيديو صوّروه بكاميرا تلفون يعبرون به عن رأيهم بأحوال البلد. والتهمة "التحريض على التظاهر" و "نشر ألفاظ نابية مسيئة لمؤسسات الدولة"!
حملة التضامن مع فرقة أطفال الشوارع انطلقت وتوسّعت وانضمّ لها فنانون وصحافيون من مصر والعالم العربي. انتشر بشكل واسع وسم #الحرية_لأطفال_الشوارع ووسم آخر ذو دلالة: #كاميرا_التلفون_بتهزّك؟
"مصر بقت فعلاً مخيفة"، هكذا كان قد علّق محمد عادل، مؤسس الفرقة على اعتقال زميله عز الدين خالد، قبل أن يتمّ اعتقاله هو ورفاقه أيضاً. الإعلامي الساخر باسم يوسف صوّر فيديو يخاطب به السيسي قائلاً "طالما العيال دي جوّه السجن، يبقى انتَ مرعوب!"..
في الأثناء، الروائي أحمد ناجي لا يزال خلف القضبان لنشر فصل من روايته "استخدام الحياة" بتهمة خدش الحياء العام. وفي نفس الأثناء، المصريون ممنوعون من استخدام الحياة فعلاً أو قولاً.