هل حصلت الجزائر عما تريد من تونس؟

نجحت تونس منذ عقود في النأي بنفسها عن النزاع الإقليمي الجزائري المغربي بشأن الصحراء الغربية، والذي عجزت كل الوساطات والجهود الأممية عن وضع حد له. لكن استقبال الرئيس قيس سعيّد لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي بدا وكأنه انحياز لموقف البوليساريو ومِن ورائها الجزائر. فما الذي حدث؟
2022-09-15

صغيّر الحيدري

صحافي من تونس


شارك
الحدود التونسية الجزائرية

أظهرت الأزمة الدبلوماسية بين تونس والمغرب التي بدأت في 27 آب/اغسطس بسبب استقبال الرئيس قيس سعيّد لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، تحولاً لافتاً في موقف تونس بشأن الصحراء الغربية والنزاع القائم بين الرباط والجبهة الانفصالية المدعومة من الجزائر.

نجحت تونس منذ عقود في النأي بنفسها عن هذا النزاع الإقليمي، الذي عجزت كل الوساطات والجهود الأممية عن وضع حد له. لكن موقف الرئيس سعيد بدا وكأنه انحياز لموقف البوليساريو ومن ورائها الجزائر.

وجاء هذا الانحياز بعد فترة من الفتور في العلاقات بين تونس والجزائر، فهل يعني ذلك أن الجزائر حصلت من تونس على ما تريد؟

الجزائر وورقة الحدود

على الرغم من وجود روابط متينة بين الجزائريين والتونسيين على حد سواء إلا أن التوتر الصامت الذي طبع العلاقات بين بلديهما في وقت سابق تجلى في الإبقاء على الحدود مغلقة لأكثر من سنتين منذ 2020، ولم تُفتح إلا في شهر تموز/يوليو الفائت. فما الذي كان يريده البلدان؟

كانت تونس تطمح لتأمين إمداداتها من الغاز الطبيعي وفتح الحدود التي تُعد ملاذاً للتجار التونسيين وحتى المهربين الذين ينشطون بكثافة لنقل المحروقات وغيرها، ما يوفر مورد عيش لسكان المناطق الحدودية المهمشة منذ عقود.

لكن الحدود ظلت مغلقة لسنتين ونصف لدواع لطالما رددت السلطات الجزائرية بأنها صحية بحتة تتعلق بالحد من تفشي فيروس كوفيد-19. غير أن غياب الانسجام في المواقف في عدة ملفات إقليمية هامة، على غرار قضية الصحراء والأزمة الليبية، أعطى الانطباع بأن الجزائر تضغط على تونس بورقة الحدود.

والمتابع للوضع الصحي في كلا البلدين يلحظ أن الإصابات بالوباء عرفت تراجعاً كبيراً بعد حملات التلقيح وذلك منذ فترة طويلة.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لدى توديعه نظيره التونسي قيس سعيّد، الذي حل ضيفاً عليه بمناسبة احتفال الجزائر بذكرى استقلالها الستين عن فرنسا، قد أعلن عن قرار بلاده فتح الحدود ليشكل ذلك بمثابة الانفراجة في العلاقات بين البلدين.

كانت تونس تطمح لتأمين إمداداتها من الغاز الطبيعي وفتح الحدود مع الجزائر التي تُعد ملاذاً للتجار التونسيين وحتى للمهربين الذين ينشطون بكثافة لنقل المحروقات وغيرها، ما يوفر مورد عيش لسكان المناطق الحدودية المهمشة منذ عقود. لكن الحدود بين تونس والجزائر ظلت مغلقة لسنتين ونصف لدواع لطالما رددت السلطات الجزائرية بأنها صحية بحتة تتعلق بالحد من تفشي فيروس كوفيد-19. 

وكان الإعلان متوقعاً، لكن توقيته كان لافتاً حيث جاء بعد تصاعد مطالب التونسيين بفتح الحدود بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي تئن تحت وطأتها بلادهم. ويتدفق سنوياً عبر هذه الحدود آلاف السياح من الجزائر إلى تونس لقضاء عطلهم وهو ما يوفر للبلاد عملة صعبة هي في أمس الحاجة إليها.

مصالح على المحك 

دفعت التساؤلات المتصاعدة عن الدوافع الكامنة وراء إبقاء الجزائر على حدودها مغلقة العديد من المسؤولين والسياسيين الجزائريين إلى الخروج لتبرير الموقف، وهو ما يعكس أن قرار الاغلاق سياسي بالدرجة الأولى.

قال القيادي في جبهة التحرير الوطني، قاسي عبد القادر، إن "سحاب صيفي عابر مر على العلاقات بين البلدين، لكن الأمور بدأت تعود إلى مسارها الطبيعي، نحن نخشى أكيد أي انزلاق في تونس لأن حدودنا مشتعلة أصلاً".

يُعطي ذلك لمحة كافية على أن الجزائر ليس من مصلحتها حدوث أي تصعيد في تونس، ذلك أنها تواجه معادلة إقليمية صعبة تهدد الدور الإقليمي الذي تتطلع للعبه. فالوضع الأمني على حدودها الجنوبية في "مالي" مضطرب في ظل الانقلابات المتتالية التي يشهدها البلد وحيث تنتشر جماعات مسلحة، ويسود في ليبيا على حدودها الشرقية هدوء حذر وسط محاولات للتصعيد بين الفرقاء.

لذلك تسعى الجزائر إلى الحؤول دون تفجر الوضع في تونس. ولكن الرئيس سعيد لم يعط أي إشارة على عزمه القيام بخطوات تهدئة مع معارضيه منذ الانعطافة التي شهدتها البلاد على يده العام الماضي.

تزدهر العلاقات بين الجزائر وتركيا، وهو ما عكسه تصريح الرئيس "تبون" خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة عن سعي الجزائر لرفع الاستثمارات التركية فيها إلى 10 مليار دولار لافتاً إلى أن العلاقات بين البلدين قوية، بينما دخلت العلاقات بين تونس وتركيا في مرحلة من عدم اليقين. وعجّل انتقاد الرئيس التركي لقرار الرئيس التونسي بحل البرلمان باستدعاء السفير التركي في تونس. 

دعمت الجزائر منذ البداية إجراءات الخامس والعشرين من تموز/يوليو التي اتخذها الرئيس سعيد والتي أطاح من خلالها بخصومه الإسلاميين وأثار بذلك مخاوف مشروعة عن مستقبل الحريات والديمقراطية في بلد كان مهد ثورات الربيع العربي.

بل إن الأمر وصل بالرئيس "تبون" إلى القول بأن سعيد أبلغه أموراً بشأن الوضع في تونس لا يمكنه البوح بها وأنه يرفض أي ضغط يمارس على الجارة الشرقية. تغيرت الأمور في الأشهر الأخيرة وهو ما بدا واضحاً عند خروج الرئيس الجزائري نفسه في العاصمة الإيطالية بعد زيارته لروما يتحدث عن مأزق سياسي تشهده تونس، ووجود توافق بين إيطاليا وبلاده لمساعدتها على تخطيه والعودة إلى الديمقراطية.

وفي ذلك مفارقة، حيث يُتهم الرئيس "تبون" نفسه بقمع معارضيه سواء من نشطاء الحراك الشعبي الذي اندلع في 2019 لوضع حد لرئاسة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة والمطالبة بالديمقراطية أو بقية المعارضين.

على طرفي نقيض 

الفتور الذي مرت به العلاقات بين الجزائر وتونس في الأشهر الأخيرة قبل الانفراجة يتعدى الأزمة السياسية الداخلية لتونس ليشمل أيضاً ملفات إقليمية أخرى مثل الصحراء الغربية والأزمة في ليبيا.

وإذا كانت تونس تقف على الحياد في الملف الأول، وهو ما أثار حفيظة الجزائر التي تواجه إلى جانب حليفتها جبهة البوليساريو وضعاً صعباً بسبب اعتراف عدة قوى بأحقية المغرب في هذا الإقليم، وهو موقف الولايات المتحدة وإسبانيا ودول عربية وأفريقية أخرى، فقد وجدت الجزائر وتونس نفسيهما في الملف الثاني على طرفي نقيض.

أعلنت الجزائر بلا مواربة عن مواصلة دعمها واعترافها ب"حكومة الوحدة الوطنية" المنتهية ولايتها في ليبيا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، فيما أحجمت تونس عن ذلك، لكنها استضافت لفترة خصمه رئيس الحكومة الجديد فتحي باشاغا الذي حاول وضع ترتيبات دخول العاصمة طرابلس من تونس بعد رفض الدبيبة تسليم السلطة بشكل سلس.

كما يقف البلدان على طرفي نقيض في العلاقة مع تركيا وجماعة الإخوان المسلمين، فبينما لا يجد "تبون" حرجاً في استقبال وإشراك الأحزاب التي ولدت من رحم الجماعة في العملية السياسية في بلاده، فإن "سعيّد" دخل في مواجهة مع "حركة النهضة" الاسلامية وبدأ القضاء التونسي يجر قياداتها إلى التحقيق في تطورات تثير مخاوف من التصعيد.

وفيما تزدهر العلاقات بين الجزائر وتركيا، وهو ما عكسه تصريح "تبون" خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة عندما تحدث عن سعي لرفع الاستثمارات التركية في الجزائر إلى 10 مليار دولار لافتاً إلى أن العلاقات بين البلدين قوية، دخلت العلاقات بين تونس وتركيا في مرحلة من عدم اليقين. 

وعجل انتقاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقرار الرئيس سعيّد بحل البرلمان باستدعاء السفير التركي في تونس واحتجاج الأخيرة رسمياً وتأكيدها على أن ذلك يعد تدخلاً سافراً في شؤونها. وتتقارب تونس الآن بشكل كبير مع مصر وفرنسا وهو ما يثير قلقاً من الجزائر نظراً لتحالفاتها الإقليمية التي تتصادم مع هذه القوى.

تطبيع تونسي محتمل

في الواقع، لم تتوقف النقاط التي نغّصت على العلاقات التونسية-الجزائرية على ذلك، حيث زادت تكهنات بشأن محاولات لجر تونس إلى التطبيع مع إسرائيل من الطين بلة.

وتحدث الكثير من المتابعين عن مخاوف جزائرية من التطبيع التونسي المحتمل، إلى أن خرج الأمين العام لاتحاد الشغل، النقابة ذات الثقل الشعبي والتاريخي القوي في تونس، ليحذر من حملة لجر تونس إلى التطبيع كاشفاً أن ذلك يهدف إلى محاصرة الجزائر في إشارة إلى تطبيع المملكة المغربية أيضاً.

ليس من مصلحة الجزائر حدوث توترات في تونس، لأنها تواجه أوضاعاً صعبة تهدد الدور الإقليمي الذي تتطلع للعبه. فالوضع الأمني في "مالي" على حدودها الجنوبية مضطرب، ويسود في ليبيا على حدودها الشرقية هدوء حذر وسط محاولات للتصعيد بين الفرقاء. لذلك تسعى الجزائر إلى الحؤول دون تفجر الوضع في تونس.

الخلاف حول ليبيا جلي، فقد أعلنت الجزائر عن مواصلة دعمها واعترافها ب"حكومة الوحدة الوطنية" المنتهية ولايتها في ليبيا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، فيما أحجمت تونس عن ذلك لكنها استضافت لفترة خصمه رئيس الحكومة الجديد فتحي باشاغا الذي حاول وضع ترتيبات دخول العاصمة طرابلس من تونس بعد رفض الدبيبة تسليم السلطة بشكل سلس. 

لكن تونس نفت أي نية لديها للتطبيع مع إسرائيل، خاصة أن سعيّد، الذي يقود بمقتضى الصلاحيات سواء تلك التي يخولها له دستور 2014 الذي علق العمل بأغلب فصوله، أو بمقتضى المراسيم التي أصدرها منذ سيطرته على أغلب الصلاحيات الدبلوماسية التونسية، كان قد صعد إلى دفة الرئاسة بتصريح لافت وهو أن "التطبيع خيانةٌ عُظمى".

وسيبقى الغموض يلف هذه القضية خاصة أن تونس سبق وأن فتحت قنوات اتصال مع إسرائيل خاصة في فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي الذي أطاحته انتفاضة 2011 الشعبية. كما يوجد تطبيع اقتصادي غير رسمي بينهما.

مقالات ذات صلة

في المحصلة، على الرغم من تغنّي كثيرين في تونس والجزائر بشعارات التقارب مثل "خاوة خاوة" وغيرها، إلا أن المصالح هي التي تحكم في نهاية المطاف العلاقات بين البلدين. والأرجح أن قرار الجزائر فتح الحدود كان مقروناً بموافقة تونس على مشاركة جبهة البوليساريو في "منتدى طوكيو للتنمية في أفريقيا" الذي احتضنته تونس في آب/أغسطس الماضي.  

مقالات من تونس

للكاتب نفسه