معارك شبوة كإحدى مخرجات الهدنة العسكرية في اليمن

أحداث "شبوة" الأخيرة جاءت لتقول: إذا توقفت الحرب الكبيرة فهناك حروب صغيرة سوف تتناسل من رحمها. تبدو القصة غير مثالية للهدنة التي يتحدث الجميع عنها كما لو أنها من أجل اليمنيين ولدواعي إنسانية. ولكن وحدها الأهداف غير المعلنة للهدنة تجد طريقها للتحقق!
2022-08-22

وسام محمد

كاتب من اليمن


شارك
هدنة أم جبهات قتال متنقلة

يفترض أن اليمن يعيش منذ أربعة أشهر ونصف في ظل هدنة عسكرية. يفترض أن هذه الهدنة قد جاءت استجابة لدواعي إنسانية بالدرجة الأولى. وطالما هناك هدنة أخيراً، فهذا يعني أن هناك أمل في أن تتوقف الحرب. لكن أحداث "شبوة" الأخيرة جاءت لتقول: إذا توقفت الحرب الكبيرة فهناك حروب صغيرة سوف تتناسل من رحمها.

فاصل توضيحي

في الثاني من نيسان/أبريل من العام الحالي، جرى توقيع أول هدنة عسكرية شاملة في اليمن، وكانت لمدة شهرين، ثم تجددت في الثاني من حزيران/ يونيو لمدة شهرين آخرين، وفي الثاني آب/ أغسطس الماضي تجددت الهدنة للمرة الثالثة لمدة شهرين أيضاً. كانت أبرز بنود الهدنة إيقاف المعارك المسلحة في مختلف الجبهات المشتعلة بين الحكومة المعترف بها دولياً و"التحالف العربي" من جهة وبين جماعة الحوثي من جهة ثانية. ثم السماح بتسيير رحلات عبر مطار صنعاء، والسماح بدخول ناقلات النفط إلى ميناء الحُديدة، وإيداع الضرائب في حساب خاص بفرع البنك المركزي في الحُديدة من أجل صرف رواتب الموظفين في عموم اليمن والمتوقفة منذ سنوات، ثم فتح الطرق المؤدية إلى مدينة "تعز" المحاصرة من ثلاث جهات منذ سبع سنوات. 

قال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الذي قاد مفاوضات الهدنة أن الهدف الرئيسي منها هو "توفير انفراجة ملموسة للمدنيين، وإيجاد بيئة مواتية لبلوغ تسوية سلمية للنزاع من خلال عملية سياسية شاملة". لكن رواتب الموظفين لم تُسلّم، كما لم تُفتح طرق تعز، والخروقات العسكرية في مختلف الجبهات متواصلة. علاوة على اندلاع صراعات بينية داخل معسكر المنتمين إلى الحكومة المعترف بها دولياً، ومعارك تشنها قوات الحوثي ضد احتجاجات محلية في أماكن عديدة أبرزها ما حدث مؤخراً في همدان صنعاء على خلفية احتجاج الأهالي على محاولات أطراف تتبع الجماعة للاستيلاء على أراضيهم...

شرارة "شبوة"

في السادس من آب/ أغسطس الماضي بدأت أحداث "شبوة"، ثالث كبرى محافظات اليمن والواقعة جنوب وسط البلاد محاطة بحضرموت ومأرب وأبين والبيضاء، عندما أصدر المحافظ قراراً بإقالة عدد من القيادات العسكرية والأمنية المحسوبة على "حزب الإصلاح" (تنظيم "الإخوان المسلمون" في اليمن). لكن وزير الداخلية المنتمي لـ "حزب الإصلاح" اعتبر ذلك تعدياً على صلاحياته، فوجه رسالة إلى محافظ شبوة بعد يوم واحد من صدور قراراته ينبهه إلى أن ما وقع فيه تجاوز للصلاحيات. كان ذلك بمثابة الشرارة التي أدت بعد أيام إلى اندلاع معارك عسكرية واسعة. فالقيادات المقالة وجدت الذريعة المناسبة لمواجهة ما اعتبرته استهدافاً سياسياً في المقام الأول وتهميشاً لصالح تمكين قوات منافسة.

بدوره، وفي أول اختبار حقيقي، فشل "مجلس القيادة الرئاسي" المشكّل حديثاً في احتواء الموقف. أصدر قرارات بإقالة القادة العسكريين والأمنيين أنفسهم الذين أقالهم المحافظ، لكن المعارك العسكرية تواصلت بين قوات الأمن الخاصة وبعض الوحدات العسكرية التي كانت توصف في السابق بأنها حكومية، وبين "قوات دفاع شبوة" المشكلة بدعم إماراتي والتي أصبحت بمثابة ذراع للمحافظ .

سقط عشرات الضحايا في المعارك التي استمرت لأيام، وجرى استقدام قوات من خارج المحافظة، كما استمر التحشيد العسكري من قبل الجانبين، ولا يزال فتيل الصراع قابلاً للاشتعال في أي لحظة، خاصة مع استمرار الشحن الإعلامي والسجالات على مواقع التواصل الاجتماعي.

بالطبع هناك سياقات سابقة لاندلاع المعارك الأخيرة أقربها يعود إلى العام 2019، عندما حاول "المجلس الانتقالي الجنوبي" السيطرة على شبوة عقب طرد الحكومة وقوات الرئيس آنذاك عبد ربه منصور هادي من العاصمة المؤقتة "عدن"، وهي المحاولة التي فشلت. قاومت القوات المتمركزة في شبوة مساعي الانتقالي وتمكنت من طرد مسلحيه ثم شن هجوم مضاد وصل إلى مدخل عدن الشرقي وكاد أن ينجح في اقتحام المدينة والسيطرة عليها لولا تدخل الطيران الإماراتي وقصف تلك القوات ومنعها من التقدم.

السياق الأقرب لفهم الأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة شبوة هو ذلك الذي يجعلها جزءاً من معطيات كثيرة سوف تشير في مجملها إلى وجود توجه حكومي بدعم إقليمي ودولي نحو إعادة تصدير النفط، في ظل الأزمة اقتصادية الخانقة، كإحدى الطرق الممكنة لامتلاك شرعية ما على أرض الواقع.

فشل "مجلس القيادة الرئاسي" المشكّل حديثاً في احتواء الموقف. أصدر قرارات بإقالة القادة العسكريين والأمنيين أنفسهم الذين أقالهم المحافظ، لكن المعارك العسكرية تواصلت بين قوات الأمن الخاصة وبعض الوحدات العسكرية التي كانت توصف في السابق بأنها حكومية، وبين "قوات دفاع شبوة" المشكلة بدعم إماراتي. 

غير أن هذه الأحداث أخذت أبعاداً مختلفة تتجاوز جغرافية المحافظة الواقعة جنوب وسط اليمن، وتتجاوز الصراع العسكري البيني المعهود. من هنا تعددت التوصيفات لما جرى. فما وصفه البعض بالتمرد، اعتبره آخرون خيانة وانقلاب وتهيئة للانفصال. أما "حزب الإصلاح" الذي اشترك أنصاره في تبني النوع الثاني من التوصيفات، فقد تعامل مع أحداث "شبوة" كتهديد يستهدف وجوده السياسي والعسكري.

الارتياب المبكر

بعد سقوط العاصمة صنعاء في يد جماعة الحوثي في 21 ايلول/ سبتمبر 2014، بدا أن "حزب الإصلاح" لا يرغب في مواصلة الصراع العسكري، معتبراً أن الدولة هي المعنية بخوض الحرب أما "الإصلاح" فهو حزب سياسي مدني بحسب تصريحات لقياداته في ذلك الوقت. اعتقد الحزب حينها أن هناك مؤامرة داخلية وخارجية تهدف لاجتثاثه ضمن موجة الثورات المضادة التي جرت رعايتها من قبل دول خليجية في أكثر من دولة عربية. لم يتغير موقف الحزب حتى بعد اكتمال نقلات انقلاب جماعة الحوثي وحليفها صالح على سلطة الرئيس هادي بإجباره على تقديم استقالته وفرض الإقامة الجبرية عليه. لكن بعد أن تمكن هادي من الفرار من مقر إقامته والانتقال إلى عدن في 21 شباط/ فبراير 2015، وذهاب جماعة الحوثي لمطاردته إلى عدن ثم استدعائه لـ "التحالف العربي" بقيادة السعودية وبدء الحرب بشكل رسمي في 26 آذار/مارس من العام نفسه، تغير موقف الحزب وبدأت قواعده بالانخراط في المعركة.

لقد تراءى ل"الإصلاح" أن ثمة فرصة لتغير الموقف الإقليمي منه، فالسعودية أصبحت تبحث عن حلفاء على الأرض، وتريد استثمار علاقاتها بالجناح العسكري والقبلي التابع ل "الإصلاح" والذي تربطها به علاقات قديمة وراسخة. لم يكن هناك قوى منظمة على الأرض باستثنائه، لهذا تمكن من خلال انخراطه في المعركة من الهيمنة على جزء كبير من سلطة وقرار الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي استقر به المطاف مقيماً دائماً في الرياض.

انخرط "الإصلاح" في إدارة السلطة من الخلف دون أن يتخلى عن ارتيابه في استمرار الرغبة في استهدافه، على الأقل من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة التي بدأت تبحث عن حلفاء لها ثم استقر بها الحال سريعاً على دعم تشكيلات مسلحة تتبع بعض قوى "الحراك الجنوبي" المطالب بالانفصال والذي كان قد حاز على قاعدة شعبية واسعة في بعض محافظات الجنوب منذ انطلاقه في العام 2007. هذا إلى جانب دعم الجماعات السلفية المنافسة للإصلاح والتي يجمعها عداءٌ مطلق لجماعة الحوثي.

بدوره استغل "الإصلاح" عداء الرئيس هادي للانفصاليين لصالح تعزيز حضوره أكثر في بنية السلطة "الرسمية" التي أصبح الفاعل الأول في إدارتها، لكن ضمن ثلاث مسارات تتوافق مع هواجسه. الأول: الهيمنة على أكبر قدر من المناصب الحكومية في المستويات العليا.. ولاحقاً امتد الأمر إلى أبسط مستوى إداري. الثاني: تعزيز الوجود العسكري من خلال بناء جيش يتبع الحزب أكثر مما يتبع الحكومة المعترف بها دولياً وتكديس أكبر كم من الأسلحة تحسباً لأي معركة قادمة. الثالث: تهميش وإقصاء كل القوى السياسية الأخرى، وتصفية الحساب معها أحياناً بسبب العداوات القديمة وأيضاً بسبب اعتقاده بأنها جزء من المؤامرة.

بعد سقوط صنعاء في يد جماعة الحوثي في 2014، بدا أن "حزب الإصلاح" لا يرغب في مواصلة الصراع العسكري، معتبراً أن الدولة هي المعنية بخوض الحرب أما "الإصلاح" فهو حزب سياسي مدني بحسب تصريحات لقياداتهوقتها. اعتقد الحزب حينها أن هناك مؤامرة داخلية وخارجية تهدف لاجتثاثه ضمن موجة الثورات المضادة التي جرت رعايتها من قبل دول خليجية

باعلان الرئيس هادي عن تفويض صلاحياته الرئاسية لمجلس قيادة رئاسي، بعد يوم واحد من إقالة نائبه علي محسن الأحمر، فقد "حزب الإصلاح " الحماية التي كانت توفرها له "شرعية" هادي والنفوذ العسكري الواسع للأحمر. أما السعودية فكانت قد فقدت الثقة بـ "الإصلاح" عقب سقوط جبهات واسعة في مأرب والجوف والبيضاء وشبوة في يد جماعة الحوثي خلال العامين الأخيرين 

من هذا المنطلق تعامل "حزب الاصلاح" مع الأحداث الأخيرة في "شبوة" التي ظل مسيطراً عليها معظم الوقت خلال سنوات الحرب. ولهذا حمل بيانه الصادر عقب الأحداث تهديداً بأنه سينسحب من كافة المجالات ما لم يتم تغيير محافظ شبوة الذي اتهمه بالوقوف خلف ما وصفه بـ "الفتنة".

انقلاب في موازين القوى

بعد خمسة أيام من إعلان أول هدنة عسكرية شاملة بين الحكومة المعترف بها دولياً وبين جماعة الحوثي، وبينما كانت تجري مشاورات في الرياض بين ممثلين عن مختلف القوى اليمنية، أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي عن تفويض صلاحياته الرئاسية لمجلس قيادة رئاسي مكون من ثمانية أعضاء، وذلك بعد يوم واحد من إقالة نائبه علي محسن الأحمر.

فقد "حزب الإصلاح "بذلك الحماية التي كانت توفرها له "شرعية" هادي والنفوذ العسكري الواسع لعلي محسن الأحمر. أما السعودية فكانت قد فقدت الثقة بـ "الإصلاح" عقب سقوط جبهات واسعة في مأرب والجوف والبيضاء وشبوة في يد جماعة الحوثي خلال العامين الأخيرين، ثم بسبب انخراط قادة محسوبين عليه ضمن محور قطر- عُمان المتعاطف مع الحوثي والمناهض لتحالف السعودية والإمارات. ولعل هذا هو ما جعل السعودية توافق على رغبة الإمارات في تغيير محافظ شبوة الإصلاحي أواخر العام الماضي واستبداله بمحافظ كان برلمانياً عن حزب المؤتمر. كما أن الهدنة وفرت الظروف التي ظلت تبحث عنها الإمارات لخوض معركتها المؤجلة في مواجهة الإصلاح.

من بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي الثمانية، يُعد رئيس المجلس رشاد العليمي (اختيار السعودية) الوحيد الذي لا يمتلك قوات عسكرية على الأرض وليس لديه سند سياسي وشعبي حقيقي. بينما أبرز هدف في البرنامج المرحلي للمجلس هو ذاك المتعلق بإعادة هيكلة ودمج التشكيلات العسكرية التي يجمع بينها العداء أكثر من أي شيء آخر.

مع أحداث "شبوة" الأخيرة سوف يتضح أن العليمي سيعتمد على قوات "المجلس الانتقالي" و"ألوية العمالقة" السلفية لتقليص النفوذ العسكري لـ "حزب الإصلاح" كمقدمة لإعادة الهيكلة.

دور ملف النفط في أحداث شبوة

لعل السياق الأقرب لفهم الأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة شبوة هو ذلك الذي يجعلها جزءاً من معطيات كثيرة سوف تشير في مجملها إلى وجود توجه حكومي بدعم إقليمي ودولي نحو إعادة تصدير النفط، في ظل الأزمة اقتصادية الخانقة، كإحدى الطرق الممكنة لامتلاك شرعية ما على أرض الواقع.

قبل اندلاع الحرب، كانت موازنة اليمن السنوية تعتمد بنسبة 70 في المئة على عائدات النفط والغاز. توقف عملية الاستخراج والتصدير مع اندلاع الحرب أدى إلى فقدان العملة المحلية لنحو 70 في المئة من قيمتها.

ظل نفط اليمن طوال سنوات الحرب منسياً، فقد غادرت معظم الشركات النفطية، أما القدر البسيط الذي كان يجري استخراجه، فقد كانت عائداته المالية تورَّد إلى حساب في البنك الأهلي السعودي، ومنه تصرف بالعملة الصعبة رواتب كبار موظفي الدولة المقيمين في الخارج والتي كانت تصل إلى 10 أضعاف مقارنة برواتبهم بالعملة اليمنية.

قبل أن تظهر أزمة النفط العالمية كإحدى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، كانت جماعة الحوثي قد لفتت الانتباه لهذا الملف الحيوي من خلال توجهها العسكري الحثيث نحو محاولة السيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط.

بدأت معارك جماعة الحوثي باتجاه مأرب مطلع العام 2021، بعد فترة قصيرة من وصول السفير الإيراني الجديد إلى صنعاء والذي ظهرت بصماته واضحة في التخطيط والإشراف على المعركة من خلال اعتماد الحوثيين على استراتيجية "الأنساق البشرية" التي تعود فكرتها الأصلية للإمام الخميني. تعتمد الفكرة على الدفع بأرتال المقاتلين في دفعات مكثفة من أجل تحقيق انتصارات كبيرة وسريعة.

لكن النتيجة كانت أن قتل نحو 15 ألف مقاتل (1) من أتباع جماعة الحوثي ما بين حزيران /يونيو وتشرين الثاني/ نوفمبر 2021. وهناك تقديرات أشارت إلى ضعف هذه الأرقام خصوصاً مع بدء تعالي الأصوات المناهضة لطريقة السفير الإيراني في إدارة المعركة واتهامه بأنه يسوق اليمنيين إلى المحارق. ومع نهاية العام، عندما بدا أن جماعة الحوثي تخسر المعركة بشكل نهائي، ووفاة السفير الإيراني بالكوفيد، توقفت معركة مأرب بعد أن تمكنت "ألوية العمالقة" الجنوبية من استعادة مديريات "شبوة" وأجزاء واسعة من جنوب مأرب.

محافظة "شبوة" هي واحدة من ثلاث محافظات نفطية إلى جانب مأرب وحضرموت. وهي أول محافظة جنوبية اكتشف فيها النفط في العام 1987. وهي تمثل أهمية كبيرة في الخريطة النفطية لليمن، باحتوائها على ما يزيد على 17 حقلاً نفطياً، منها حقول منتجة وأخرى هي قطاعات واعدة ومفتوحة للاستكشاف. وفي مطلع آذار/مارس الماضي، زار المبعوث الأمريكي الخاص لليمن محافظة شبوة بعد زيارته لمحافظتي المهرة وحضرموت. والتقى بقيادة السلطة المحلية في ميناء بلحاف على ساحل البحر العربي. وقد كانت أبرز القضايا التي جرى نقاشها، ملف مكافحة الإرهاب وملف إعادة إنتاج وتصدير النفط والغاز.

أواخر أيار/مايو الماضي أيضاً بدأت قوات تتبع "ألوية العمالقة" السلفية بتأمين حقول النفط في مديرية عسيلان شمال غرب محافظة "شبوة". وقد وصفها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في حديث متلفز بأنها قوات مستقلة عهد لها مهام حماية حقول النفط في شبوة للحد من عمليات استهداف الأنابيب.

ومع أواخر شهر حزيران/يونيو الماضي، بدأت بشكل فعلي عملية ضخ 14 ألف برميل من النفط الخام في القطاع الخامس تمهيداً لإعادة الإنتاج والتصدير. وقد كان هذا متعذراً في ظل ضعف السلطة المركزية ووجود قوات وتشكيلات عسكرية تتبع أشخاصاً أو أحزاباً أو دولاً خارجية.

هدنة لأجل أسواق النفط العالمية

كل المعطيات تشير إلى أن ملف النفط بأبعاده المحلية والإقليمية والدولية هو أحد أبرز الدوافع لتوقيع الهدنة في اليمن. فقد كان للولايات المتحدة الأمريكية دور كبير في الضغط من أجل التوقيع على الهدنة وفي الضغط من أجل تجديدها في المرة الثانية والثالثة. كما تطمح أمريكا لتجديد الهدنة في المرة القادمة لمدة ستة أشهر بحسب تصريحات قادة أمريكيين. كما أنها تريد أن يستمر إنتاج النفط في حقول السعودية وأن تضمن عدم تعرضها للقصف الصاروخي أو عبر الطيران المسيّر، وهو الأمر الذي كانت قد درجت جماعة الحوثي على القيام به. كما تريد أن تضمن أمن الملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر. السعودية بدورها بعد أن استجابت لرغبة أمريكا تريد أن تستغل الهدنة لإعادة ترتيب الملف اليمني وضمان مصادر دخل تخفف عليها الأعباء المالية وعلى النحو الذي يسمح لها بالانسحاب من اليمن.

محافظة "شبوة" هي إحدى ثلاث محافظات نفطية إلى جانب مأرب وحضرموت. وهي أول محافظة جنوبية اكتشف فيها النفط في العام 1987. وتمثل أهمية كبيرة في الخريطة النفطية لليمن، باحتوائها على ما يزيد على 17 حقلاً نفطياً، منها حقول منتجة وأخرى واعدة ومفتوحة للاستكشاف. وفي مطلع آذار/مارس الماضي، زار المبعوث الأمريكي الخاص لليمن محافظة شبوة بعد زيارته لمحافظتي المهرة وحضرموت. 

لكن جماعة الحوثي لا يبدو أنها توافق على تحقيق رغبات الجميع. فهي قد ترضخ لما تريده أمريكا وحتى السعودية بألاّ تستهدف حقول النفط وألاّ تهدد أمن الملاحة الدولية. لكن عندما يتعلق الأمر بمجلس القيادة الرئاسي، لن تقبل بالتوقيع على تمديد الهدنة ما لم تضمن حصتها من عائدات النفط. ما فشلت في الحصول عليه بالحرب سوف تسعى للحصول عليه بالهدنة التي تخدم مصالح أطراف متعددة. وقد بدأت مؤشرات ذلك تظهر من خلال حديث الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي الذي طالب بدفع رواتب جميع موظفي الدولة في الشمال والجنوب من عائدات النفط. بينما كان قيادي آخر في جماعة الحوثي قد ألمح قبل أيام في تغريدة له على "تويتر"، أنه سيجري استهداف ناقلات وخزانات تصدير النفط اليمني.

تبدو هذه قصة غير مثالية للهدنة التي يتحدث الجميع عنها كما لو أنها من أجل اليمنيين ولدواعي إنسانية. ولكن وحدها الأهداف غير المعلنة للهدنة تجد طريقها للتحقق. 

______________________

1- بحسب ما نشرته وكالة فرانس 24 حينها على لسان مسئول في وزارة الدفاع التابعة للجماعة، بينما قال "التحالف العربي" أن عدد قتلى الحوثي منذ بداية العام يصل إلى 27 ألفاً. 

مقالات من اليمن

تحوُّلات العاصمة في اليمن

يُعدّ الإعلان الرئاسي عن نقل العاصمة الى "عدن"، في معناه القانوني، إجراءً رمزيّاً، لأن نقل العاصمة يقتضي إجراء تعديلات في الدستور اليمني، الذي لا يزال ينص على أن مدينة "صنعاء"...

للكاتب نفسه