تفاجأ رؤوف أحد الفلاحين الصغار في ولاية المهدية، كغيره من مربي·ات الماشية مطلع شهر ماي، بزيادة "مشطة" كما وصفتها وزارة التجارة في بيان لها، على أسعار العلف إذ ارتفع سعر الكيس الواحد بوزن 50 كغ من 48 دينارا إلى 79 دينارا مسجلة يوم 5 ماي. يقول رؤوف إن الوضع كان صعبا منذ مدة، لكن الارتفاع الأخير لسعر الأعلاف "كارثي". ويضيف: "حتى لو حلبنا من البقرة الواحدة 30 لترا في اليوم فلن تكفي ولن تغطي على الزيادة التي حصلت." كان هذا الارتفاع موحدا من قبل معظم الشركات المصنعة للعلف المركب لإنتاج الحليب، إضافة إلى جميع أنواع العلف المركب الأخرى.
كان سينتج عن التغير الذي طرأ على أسعار الأعلاف لو تم تفعيله ارتفاع بحوالي 200 مليم في سعر الأربع بيضات للمستهلك، وبنحو 400 مليم في سعر لتر الحليب، ودينار واحد في سعر لحوم الدواجن، حسبما صرح به رئيس المنظمة التونسية لحماية المستهلك لطفي الرياحي لإذاعة شمس أف أم. وأعلن وزير الفلاحة محمود إلياس حمزة في مقابلة للتلفزة الوطنية، أمرا من نفس القبيل، حين وضح بأنه ستقع مراجعة سعر البيع، بما يضمن هامش الربح بالنسبة للمنتج، قائلا: "سيقع الإعلان عن قرارات جديدة يوم 12 ماي، المطابق ليوم الجلاء الزراعي ومن جملتها سعر البيع." وعن تأثير هذه الزيادة على سعر استهلاك المواد الأساسية، دعا الوزير المستهلكَ والمستهلكة إلى مساندة الفلاح التونسي في هذا الوضع الدقيق.
"لماذا الزيادة في سعر الاستهلاك؟ هل يستطيع المواطن ذو الدخل المنخفض شراء البيض والحليب بأسعار مرتفعة؟" ينتفض نزار التيساوي 42 سنة، وهو مربّي ماشية في أحد أرياف جندوبة الشمالية معلّقا على تصريح الوزير. ويرى نزار أن الفلاح هو أيضا مستهلك، والأولى ألا تكون هناك زيادة على ثمن العلف من الأساس، بل ينبغي أن يكون السعر مناسبا للفلاح ما يضمن بالتالي عدم ارتفاع أسعار الحليب على المستهلك.
موجة احتجاجات الفلاحين·ات في مناطق إنتاج الألبان
على الطريق المؤدية لجندوبة من بوسالم، تجمهر الفلاحون وأغلقوا الشارع احتجاجا على ارتفاع أسعار الأعلاف، أما جهة المهدية، اعتصم صغار الفلاحون أمام مصنع فيتالي، أين سكبوا الحليب وقضوا ليالي أمام المصنع في ظروف صعبة، رافضين مبارحة المكان إلا بتحقيق مطالبهم. في سجنان اصطحب المربّون مواشيهم وقطعوا الطريق، متوعدين بتخصيص محصولهم من القمح هذا العام لإطعام أبقارهم بعد هذه الزيادة. وفي غضون أسبوع واحد، تعددت وقفات الفلاحين·ات الاحتجاجية وأيام الغضب أمام مقرات العديد من الولايات.
يشارك خالد 35 عاما في الاعتصام أمام مركزية الألبان في المهدية، وهو مربي ماشية من منطقة أولاد جاب الله. قرر الفلاّح الشاب الانخراط في حركات احتجاجية مختلفة مع الفلاحين، واتخاذ خطوات تصعيدية في حال لم تتم الاستجابة لهم، إذ تشكل تربية الأبقار مصدر رزقه الوحيد هو وشقيقه ووالديهما. "لا يعلم بحالنا إلا الله، يأتون بين ليلة وضحاها بزيادة قدرها 15 دينارا على الكيس، فماذا عساي أفعل؟ هذا مورد رزقنا الوحيد. ليس منا من هو موظف، ولا رواتب شهرية قارة أو أي مورد آخر أو حتى فِلاحة أخرى." يقول الفلاح.
يروي حمدي قيزة، عضو تنسيقية صغار الفلاحة بأولاد جاب الله كيف بدأ التحرك "بغلق الطرقات محلّيا، على مستوى الطريق بين جبنيانة وقصور الساف. ثم اتّخذ التحرّك منحى جهويا فوطنيّا". وتم الترتيب - كما يوضح الفلاح الشاب - مع تنسيقيات صغار الفلاحين·ات في المنطقة وفي جهات الشمال، والشمال الغربي في غضون الأيام الأولى التي تلت الزيادة. يروي حمدي: "دعونا الفلاحين في الجهة لاجتماع. وأجمع كلّهم على التصعيد في الاحتجاج. تم فقط الاتفاق على الدخول في اعتصام كأنجع وسيلة."
لا يختلف الحال كثيرا بالنسبة إلى نزار في منطقة بني البشير في جندوبة، إذ بدأ ببيع أبقاره منذ حوالي 3 سنوات حسبما حدّث إنكفاضة. ولكنه اضطر لبيعهم مع الارتفاع التدريجي لسعر العلف، "فليست هذه الزيادة هي الأولى من نوعها ولكنها الأعلى من بين جميع الزيادات"، حسب روايته. ذلك أنّ تربية أبقاره "تأثرت بارتفاع ثمن التكلفة وأصبح العمل بالخسارة". ولا يخفي نزار حسرته "إذا ما استمر الوضع على حاله، سأبيع أيضا البقرة الوحيدة التي بقيت لدي."
اتخذ الاحتجاج خطوات تصاعدية سريعة، خاصة لدى فلاحي المهدية. قرر فلاحو أولاد جاب الله والمناطق المجاورة لها عدم بيع الحليب للمجمّعين، ليشمل هذا القرار كامل ولاية المهدية وعددا من مناطق ولايتي المنستير وصفاقس. وقاطع الفلاّحون في بعض المناطق شراء العلف أيضا.
تتلخص مطالب الفلاحين·ات المعتصمين·ات في مطلبين أساسيين، أولهما إدراج الأعلاف المركّبة ضمن المواد الأساسية والمسعّرة، وتحديد هامش الربح بنسبة لا تتجاوز 5%، وثانيهما إرساء قانون يقضي بالزيادة في سعر إنتاج الحليب والبيض كلما ارتفعت تكلفة الإنتاج.
من جانبها، أوردت شركة فيتالي في بيان أصدرته إثر هذا الاعتصام أن "مركزية الألبان بالمهدية ليست من يقرّر الزيادة في سعر الحليب عند الشراء، لأن مادة الحليب كما يعلم الجميع مسعّرة من قبل الدولة، وتقتني الشركة هذه المادة من الفلاحين مقابل الأسعار المعمول بها."
بقية الروبرتاج على موقع إنكفاضة