ظهرت منذ عدة أيام في شهر سبتمبر/أيلول الحالي حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتويتر باسم #نطالب_الجيش_بتنفيذ _مشروع_رملة_بولاق. وأخذ أصحاب الحملة في كتابة تغريدات بهذا المعنى. المنطقة المسماة رملة بولاق تقع في أقصى شمال حي بولاق وخلف أبراج "نايل سيتي" التي تحوي فندق فرمونت وملهى ليليا وعددا من المحال التجارية والسينمات إضافة لبرج ضخم يضم عدداً من المكاتب الإدارية منها شركة "موبينيل" وهي من كبرى شركات الاتصالات في مصر ومجموعة أوراسكوم متعددة النشاطات (ساويرس). منطقة رملة بولاق، وعلى الأخص المنطقة التي طالب أصحاب الحملة بتطويرها، تُسمى "عشش الكفراوي"، وتبلغ مساحتها 4 أفدنة وتسكنها حوالي 600 أسرة، وهي تُصنف بأنها "غير آمنة" حسب "صندوق تطوير المناطق العشوائية"، كما تسمى "عشوائية" حسب الألفاظ المُجتمعية الدارجة. عشش الكفراوي هي منطقة بَناها سكانها في أوائل القرن العشرين، والبيوت في حالة عمرانية وإنشائية متدهورة، كما تعاني من نقص شديد في الخدمات الأساسية التي لا تمدها الدولة بها.
المشروع
في حملتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، نشر أفراد المجموعة صورة لمنطقة عشش الكفراوي بجانب صورة أخرى لأبراج عالية فاخرة تتكون من اثني عشر أو خمسة عشر طابقاً، وكتبوا عليها "عايزين نحول العشش دي لأبراج زي دي، وننقل الناس فيها، ادعمونا". وفي وصفهم للمشروع قالوا: "سكان رملة بولاق يعيشون في عشش غير آدمية على مساحة 4 أفدنة. الأرض ملك الدولة، ولذلك نطالب الدولة برفع العبء عن الأهالي وهدم الأكشاك وبناء أبراج سكنية وسوق تجاري ومحال ومركز ثقافي علي مساحة 4 آلاف متر، وأن تستفيد الدولة بالـ12 ألف متر المتبقية لعمل مشروع سكني واستثماري. ويا ريت المشروع ده تقوم بيه القوات المسلحة، فهي الأصدق والأولى والأكفأ بذلك. فائدة المشروع ستعم على الجميع. سيستفيد الفقراء بالسكن في أبراج فخمة مجانا، وتستفيد الدولة من الاستثمار في باقي المساحة، وسيتغير جزء كبير من شكل العاصمة للأفضل". وظلوا يذْكرون محاسن القوات المسلحة والجيش ويُفندون عيوب المعارضين لهم بذكر مشروع قناة السويس وكيف أن تنفيذه عظيم. كما ذكروا رغبة رجال الأعمال في قطعة الأرض نفسها وكيف يجب أن تُمنع عنهم وتستفيد منها الدولة.
الجيش
تتمتع "الهيئة الهندسية للجيش المصري وقواته المسلحة" بسمعة مهنية طيبة، وتشتهر بتنفيذ المشاريع الهندسية بتقنيات وجودة عالية، خاصة مشاريع الطرق والجسور، ومنها مشروع طريق القاهرة ــ العين السخنة. في السنتين الأخيرتين، بعد 3 تموز/ يوليو 2013 (عزل مرسي واستلام الجيش والجنرال السيسي زمام الأمور) تولت هذه الهيئة عددا من المشاريع الضخمة والهامة. ولكن أياً من قياداتها الهندسية لا يظهرون في الاجتماعات والمؤتمرات التي تختص بمناقشات حول السكن والعمران. وهكذا، فتدخلهم الدائم والهام، الذي يُغير من خريطة وخطة العمران في مصر، يحدث دائما بعيداً عن أعين المهتمين والمجتمع المدني. وبالمقابل فلا يعرف أحد من هم هؤلاء المطالبين بتولي الجيش لمهمة إعادة إعمار عشش الكفراوي، ولا عن علاقاتهم بالحكومة أو بالجيش، لو وُجدت.
الأهالي
في شهر آذار /مارس 2013، أُعلن عن مشروع لتطوير منطقة رملة بولاق، وخاصة منطقة عشش الكفراوي في جريدة "الحرية والعدالة"، وكانت حينذاك جريدة الحزب الحاكم لجماعة الإخوان المسلمين. ضم المشروع بناء 4 أبراج سكنية بارتفاع 12 طابقا، يحتوي كل منها على 8 وحدات سكنية، تبلغ مساحة الوحدة 62 متراً مسطحاً. وأفيد أن المشروع يوفر 368 وحدة سكنية و40 وحدة تجارية و8 وحدات إدارية. وأوضح الخبر أنه سيحتل مساحة 4 آلاف متر مسطح، وعليه يتبقى 12 ألف متر مسطح ستُباع بسعر 50 ألف جنيه مصري للمتر المسطح الواحد، ما يجعل عائد الأرض يصل إلى 600 مليون جنيه مصري.
ثار سكان المنطقة بشدة عندما وصلت إلى أسماعهم الأخبار المنشورة في الصحف، والتي ذكر بها أن المشروع يتم بمشاركتهم وعلمهم، وهو غير صحيح. فقرروا تنفيذ مسيرة احتجاجية، جرت في 2 نيسان/ أبريل 2013، فساروا من منطقتهم حتى "مبنى ماسبيرو" وهو مبنى الإذاعة والتلفزيون الحكومي الرسمي في منطقة بولاق نفسها، ولكنه يقع أقصى جنوبها. ركزت جوانب اعتراض الأهالي على المشروع، في أوجه منها، على أن عدد الأسر في المنطقة يبلغ 600 أسرة وليس العدد المذكور في الجريدة، ما يعني أن نصف السكان سوف يرحّلون عنها، وهو ما يرفضونه بشدة. الأبراج الأربعة المعلن عنها تقع في أقصى شمال المنطقة، وهو مكان يقع بجوار شريط السكك الحديدية، الذي تمر عليه كل بضع ساعات قطارات تذهب من شمال مصر إلى جنوبها، وهو ما سيلف بيوتهم بصخب القطارات وأيضا باهتزازتها، هذا بالإضافة إلى الخطر على حياة أطفالهم في اللعب بالقرب من السكك الحديدية. واعترض عدد كبير من الأهالي على فكرة الأبراج لأنها لا تلائم ثقافتهم، فهم يعيشون في بيوت مكوّنة من طابقين أو ثلاثة طوابق، ولا يريدون أن ينتقلوا إلى أبراج ويسكنوا في طوابق مرتفعة، لأنهم لا يستطيعون التعامل مع المصاعد ويرفضون تغيير شكل حياتهم اليومية. واعتبروا مساحة الوحدة السكنية (62 متراً مسطحاً) فاعتبروها صغيرة، وليست تعويضاً مناسباً بالمرة عن تركهم لبيوتهم التي تبلغ مساحتها عادةً أكثر من 150 مترا مسطحا، وتعيش فيها عائلات لا أسر، فكيف لهم أن ينتقلوا لوحدة صغيرة كتلك.
لا تَمِنّوا على الفقراء
أصحاب حملة #نطالب_الجيش_بتنفيذ_مشروع_رملة_بولاق لا يعرفون أي شيء عن الأهالي. الصور والمعلومات التي يملكونها وينشرونها توحي أنهم على علاقة بأحد المسؤولين، سواء في الحكومة أو في القوات المسلحة، لكنهم ليسوا على علاقة بأهالي المنطقة التي يدّعون أنهم يريدون إنقاذهم. هذا بجانب أن مشروعهم المقدم هو نفسه المشروع ذاك المُقدّم من الحكومة وصندوق تطوير المناطق العشوائية. وتَدعي تلك المجموعة المطالبة بالمشروع أن الدولة تملك أرض المنطقة. وهذا ليس صحيحاً، حيث تلك الأرض ملك خاص يعود لعائلتي الكفراوي والعزاوي.
... في أحيان كثيرة، يظن بعض المتخصصين العمرانيين والمعماريين، وحتى العامة، أنهم يحلون مشاكل الفقراء بإعادة تسكينهم في أبراج ذات وحدات سكنية تحوي حجرتين صغيرتين ومكانا للاستقبال، وهي الوحدات التي تعكس ثقافة الطبقة الوسطى في مصر والعالم. لا يفكر هؤلاء بأن نمط وثقافة الطبقة الوسطى لا يصلحان لغيرها. ظنهم أن تلك الوحدة السكنية بالبرج الفاخر (على حد وصفهم) سوف تغير من حياة مواطني الأحياء المحرومة عمرانياً، بل سوف ترتقي بهم إلى طبقات أخرى. ولكن ذلك في الواقع يجعلهم يعانون، وهو يخلق نوعاً من العنف الاجتماعي داخل أسرهم نفسها، لضيق المساحات التي يعيشون فيها. تحسين وتطوير حياة السكان الذين يقطنون مناطق "بُنى الأهالي"، أمر محمود بالتأكيد، ولكن لا بد لهذه المبادرات أن تفهم ماهية تطوير المناطق العمرانية التي لا تنفصل أبداً عن البعد المجتمعي. ولا بد من سؤال الناس، أي أهالي تلك المناطق، عن الكيفية التي يرون بها تغيير شكل حياتهم.