قبل أشهر، عرض فيلم المخرج المغربي نبيل عيوش "الزين اللي فيك" لأوّل مرّة في مهرجان "كان" السينمائي. وهو يتحدّث عن معاناة أربع عاملات جنس مراكشيات من ذكورية الأحياء الفقيرة التي تأتين منها ومن الزبائن في الأماكن التي تعملن فيها. الموضوع وحده كان كفيلاً بأن يمنع عرضه في المغرب حتى قبل أن يمرّ على الرقابة باعتباره يحتوي على مشاهد إباحيّة ويشجّع على الفسق. لكنّ الضجّة التي ثارت بعد قرار المنع جعلت الحكومة المغربية مضطرّة للإفراج عن إحصائيات من عام 2011 تقول إنّ عدد عاملات الجنس في البلد كان 19333 في ذلك العام، ورغم أنّ هذا الرقم قد لا يكون دقيقاً، إلّا أنّ صدور الأرقام يعني الاعتراف بوجود الظاهرة وبالتالي السير خطوة صغيرة نحو وضع قوانين ناظمة لتجارة الجنس حتى لا يبقى الاستغلال المطلق هو السيد، وحتى لا تظلّ عاملات الجنس محكوماتٍ بنظرة ذكوريّة دونية تجعل استباحة أجسادهن ضرباً وإهانةً شيئاً طبيعيّاً. هذه الاستباحة كانت أيضاً من نصيب الممثّلة الرئيسيّة في الفيلم لبنى أبيضار التي نشرت منذ أيام صوراً على صفحتها على فايسبوك تظهر كدمات قالت إنّها نتيجة اعتداء تعرّضت له في أحد شوارع الدار البيضاء، جاء بعد الضجة التي ثارت حول الفيلم الممنوع من العرض وانتشار مقاطع منه على يوتيوب، وبعد استدعائها مع عيوش إلى المحكمة. وعند ذهابها للإبلاغ عن الحادث استقبلها ضابط الشرطة، حسبما كتبت على فايسبوك، بالقول: "لبنى أبيضار، أخيراً ضربوكِ"! في النهاية غادرت لبنى بلدها إلى فرنسا طالبةً اللجوء هناك.
الجنس هو أحد أهم التابوهات في مجتمعاتنا. وبمقدار ما هو محرم، يحيطه الإنكار والعنف.. بمقدار ما يلفه النفاق! يمارس على نطاق واسع: واقعيا أولاً وافتراضيا ثانياً وتخيلاً ثالثاً.. وهناك رابع وخامس. وقد حظيت القصة باهتمام الصحف المغربية والأوروبيّة. فهل سيطرة الإسلاميين على الحكومة المغربية اليوم تجيز بشكل من الأشكال مثل تلك الاعتداءات (على ممثلة، بينما عاملات الجنس باقيات ويتوسعن، ولو بشروط مزرية). ويمكن اعتبار الحادثة وما أحاط بها أحد ملامح أزماتنا الجنسية.
المشكلة الكبيرة الأخرى هنا هي أنّ كلّ تلك التفاعلات تحصل دون أن يشاهد معظم المغاربة الفيلم، حتى وإن كان الظاهر من دعايته أنّه "تجاريّ" يسعى للإفادة من حساسيّة المسألة. لعل ردود الأفعال على الفيلم لم تكن لتتغيّر كثيراً لو أنّه ظهر في الصالات المغربيّة، لكنه كان سيتيح المجال لنقده بموضوعيّة والاستفادة منه لإثارة جدل حول تجارة الجنس بدل جعله مادّة إعلاميّة مثيرة لن تغيّر شيئاً. "الزين اللي فيك" سيعرض بعد أيّام في تونس...
يذكر أن مخرجة مغربية شابة هي دليلة الندر، كانت قد أنتجت منذ سنوات فيلماً رقيقاً عن قصة أربع نساء بائسات في أحياء صفائح التنك في الدار البيضاء، بينهن عاملة جنس، من دون أن يثير ضجة، فهل لعرض الفيلم في "كان" صلة بالمشكل الحالي، أم أن منسوب النفاق يرتفع؟
