يتميز العراق (40 مليوناً بحسب آخر تعداد للسكان) باحتوائه على طوائف ومذاهب دينية عديدة، وكذلك على أعراق وقوميات متنوعة، وهي حقيقة لا يلغيها أن أغلبية العراقيين الساحقة (بما يتجاوز 95 في المئة من أبنائه) هم من المسلمين (شيعة وسنة)، بجانب المسيحيين والأزيديين والصابئة واليهود وسواهم، وأن أغلبية العراقيين هم من العرب (75 في المئة من السكان)، مقابل 15 في المئة من الكُرد، والباقون من قوميات متنوعة، منها التركمان والآشوريون وسواهم...
وربما كانت الصابئة المندائية من أكثر الديانات التي أثيرت حولها الشبهات والشائعات، وحيكت بخصوصها القصص والأساطير، مثل أن أتباعها يعبدون الكواكب والنجوم، ويرهقون أرواح المحتضرين منهم. وربما يعود سبب غموض هذه الديانة إلى قدمها، إذ يعتقد الصابئة أنهم أقدم ديانة سماوية على وجه الأرض، وأن كتبهم هي صحف سادة البشر الأولين: آدم وشيث وأدريس ونوح، ويرفعهم ذلك إلى مصاف الأديان والشرائع الموحِّدة في التاريخ. لكن هناك سبب آخر، وهو أن المندائيين لا يُشْهرون طقوسهم، فديانتهم أقرب إلى السرية لأن اتباعها اعتادوا العيش تحت الاضطهاد من قبل السلطات، إضافةً إلى متطرفي الأديان الأخرى، كما أنها ديانة غير تبشيرية.
وينبذ المندائيون الحرب حتى ولو دفاعاً عن النفس، وهم تمرسوا على الصبر الذي اتخذوه وسيلةً لمقاومة استفزاز المحيطين بهم، مما جعلهم يحافظون على كيانهم لعشرات القرون.
الأزيديون العراقيون، محنة لم تنتهِ بعد
07-02-2021
ذكر القرآن الصابئة في ثلاثٍ من سوره، وهي الحج والبقرة والمائدة، ويلفت بعض الباحثين إلى أنه من الصعب أن يُعرف للديانة المندائية مؤسّس، وهذه الخاصية ميزتهم عن اليهودية والمسيحية والمانوية وحتى الإسلام وغيرها من الديانات العالمية. ومن كتبهم المقدسة، كتاب "الكنزا ربا" أي الكتاب العظيم، ويحتوي على صحف الأنبياء الذين يؤمنون بهم كآدم وشيت وإدريس ويحيى. وحول هذا يقول الباحث رشيد الخيون [1]، إن "من يدرس كتاب المندائيين "كنزاربا"، ويقارنه بنصوص القرآن، ويدرس فقههم ويقارنه بالفقه الإسلامي، سيجد الموافقة واضحةً بين الديانتين".
ومن كتبهم الأقل أهمية من الـ"كنزا ربا"، "كتاب الأنفس" و"ديوان أبارثر" وغيرها، ويعتقد الصابئة أن كتاباً من كتبهم نزل على يحيى بشهادة القرآن الكريم "يا يحيى خذ الكتاب بقوة"، إلا أن المسلمين يختلفون معهم، ويقولون إن الآية تقصد كتاب التوراة لا الكتاب المندائي. وقد ترجم كتاب "كنزا ربا" في زمن هارون الرشيد إلى اللغة العربية، وبعد ذلك حصلت ترجمات أخرى.
ربما يعود سبب غموض هذه الديانة إلى قدمها، إذ يعتقد الصابئة أنهم أقدم ديانة سماوية على وجه الأرض، وأن كتبهم هي صحف سادة البشر الأولين، ويرفعهم ذلك إلى مصاف الأديان والشرائع الموحِّدة في التاريخ. لكن هناك سبب آخر، وهو أن المندائيين لا يُشْهرون طقوسهم، فديانتهم أقرب إلى السرية، ديانة غير تبشيرية. وينبذ المندائيون الحرب حتى ولو دفاعاً عن النفس.
أما لغتهم فهي المندائية التي تنحدر من الآرامية، لكن قليلين جداً من يتحدثون بها، إذ أصبحت مقتصرةً على الكهان ورجال الدين، يتكلمون بها خلال الطقوس التعبدية. وتتكون درجات الرجال عندهم أعلاها الرباني، التي لم يحصل عليها سوى يحيى المعمدان.
وهم يعيشون على ضفاف نهري دجلة والفرات، وبالأخص في محافظات العراق الجنوبية. وقد اشتهروا بكونهم من الصاغة المهرة، وأن لديهم أسلوبهم المميز والخاص بهم في صياغة الحلي الفضية والذهبية. وقد لا يتعدى عددهم اليوم بضعة آلاف، بسبب ما تعرضوا له من تنكيل دفع بهم إلى الهجرة من البلاد، بينما كانوا قبيل العام 2003 حوالي 50 ألفاً.
أصل التسمية
اختلف الباحثون في أصل تسميتهم بالصابئة، فرجّح بعضهم أنها جاءت من كلمة "مصبتا" الآرامية التي تعني الارتماس بالماء الجاري، والتي يرد ذكرها في التعميد الذي يعتبر من أهم طقوسهم. وكلمة الصابئة مأخوذة من الفعل الآرامي "صبا"، ومعناها غطس أو غسل بالماء الجاري، ومنها مصبوته وتعني التعميد. أما معنى "مندائي"، فتتصل بكلمة الملاك مندادهيي، وهو الأثري العارف الأول بالحق الأزلي، وتتصل بالمانا وتعني العقل. وتُعرف معابدهم بالمنديات، أو بيوت المندي، وبالتالي تعني مفردة المندائي "الموحِّد العارف بالله"، بحسب ما جاء في مصطلحات ال"كنزا ربا". ومن الجدير بالذكر أن كلمة "ميسان" اسم المحافظة التي يتواجد فيها بعض المندائيين جنوب العراق فأن أصلها مندائي "مي سيانة"، أي الماء الطيني.
بماذا يتميز المندائيون عن غيرهم؟
اختص الصابئة المندائيون دون غيرهم من الديانات الأخرى بالقول بأكثر من آدم، وأكثر من كوكب مأهول بالبشر. فآدمنا خُلق من طين أرضنا، ونزلت روحه من عالم النور بأمر الحي الأزلي، وهناك آدم الخفي ("كسيه")، حيث تقول الخبيرة في الشؤون المندائية الليدي دراوور [2] "أخبرني أحد الكهان أنه يوجد اثنان من كل شيء في الدنيا، الواقع ومقابله المثالي"، مضيفةً أن "لكل شخص على هذه الأرض شبيهاً ("دموثه")، ولدى الوفاة يفارق إنسان الأرض جسمه الترابي، ويلتحق بالجسم الأثيري لشبيهه".
وهي تشبه الإسلام في كونها ديانة توحيدية إبراهيمية قديمة تعتقد بالواحد الأحد، ولكنها تختلف عنه باعتبارها النبي يحيى آخر الأنبياء.
طقوس الديانة المندائية
ترتبط كل طقوس الديانة المندائية ارتباطاً وثيقاً بالماء. وفيما يتعلّق بزيهم الديني وعلاقتهم بالماء يقول أحد نصوصهم المقدسة الواردة في كنزاربا (ص 61): "يا أصفيائي: البسوا الأبيض، واكتسوا الأبيض، ألبسة الضياء وأردية النور، واعتموا بعمائم بيض كالأكاليل الزاهية، وانتطقوا بأحزمة الماء الحي، التي يحملها الأثريون، وانتعلوا واحملوا بأيديكم صولجانات مثل صولجانات الماء الحي التي يحملها الأثريون في بلد النور".
يعيشون على ضفاف نهري دجلة والفرات، وبالأخص في محافظات العراق الجنوبية. وقد اشتهروا بكونهم من الصاغة المهرة، وأن لديهم أسلوبهم المميز والخاص بهم في صياغة الحلي الفضية والذهبية. وقد لا يتعدى عددهم اليوم بضعة آلاف، بسبب ما تعرضوا له من تنكيل دفع بهم إلى الهجرة من البلاد، بينما كانوا قبيل العام 2003 حوالي 50 ألفاً.
ومن شعائرهم الثابتة، العماد [3] والصلاة والصدقة، والعماد المندائي يمارس بثلاثة أنواع، وهي "مصبوتا" وهو الاغتسال العام، و"طماشة" وهو مجرد اغتسال من النجاسات كالجنابة وغيرها، و"درشاقة"، وهو بمثابة الوضوء ويمارس يومياً وتغسل من خلاله أعضاء الجسم. ولدى المندائيين ثلاث صلوات في اليوم، وهي عبارة عن قراءة وتبريكات مع الانحناء، كما وردت كلمة السجود في النص المقروء، كقولهم "قوموا أيها المسلمون أسجدوا وسبحوا الله العظيم"، إضافةً إلى الصلاة الجماعية التي تقام في المندي. بينما هناك صلاة شخصية يصليها المندائي في مناسبات معينة، ويستقبل المصلي عند الصلاة جهة الشمال، وهي القبلة المندائية اعتقاداً منهم أنها الجهة المباركة حيث "مكان الحق". أما الصوم فيقسم عندهم إلى صوم صغير وصوم أكبر ويوزع في السنة على 36 يوماً تختم بالأعياد. ويقوم الصيام على إيقاف الذبح، وعدم تناول كل ما فيه روح من الحيوانات والطير في أيام معلومة تسمى عندهم "المبطلات"، كما يتوقف في هذه الأيام الجنس، ومن تعاليم الصيام عندهم: "امسكوا أفواهكم عن قول الكذب لأن الذي يحل في قلبه البغض ليس مسلماً".
أما الصدقة من المال فتقدم كهبة لأبناء الملة المحتاجين، ومن شروط ثوابها أن تقدم سراً والإعلان عنها يعد خطيئة توازي خطيئة الكفر. والدين المندائي يبارك الزواج والخصب، ويعده فريضة من فرائض الدين، ولذلك نهى بشدة عن العزوبية، بما في ذلك رجال الدين. وتقول تعاليمهم بهذا الشأن، إنه "وأمرنا أن اتخذوا لأنفسكم أزواجاً تعمر بكم الدنيا"، وعند الزواج يجري التأكيد على العذرية، فقعد زواج الثيب لا يتطلب العماد وأداء قسم الإخلاص من قبل الزوجين أمام رجل الدين، بقدر ما يتطلب العقد والشهادة. ويجيز الدين المندائي تعدّد الزوجات في بعض الحالات من قبيل عدم القدرة على الإنجاب أو أي مرض آخر يصيب الزوج شرط أن يعدل بينهن وتأتي الزوجة الأولى بالمرتبة العليا في المناسبات الدينية.
كما يحرِّم الدين المندائي الطلاق إلا في حالات خاصة، وكذلك لا يجوز للمندائي الزواج إلا بالمرأة المندائية، ومن يفعل غير ذلك يخرج من الدين من غير رجعة.
"أخبرني أحد الكهان أنه يوجد اثنان من كل شيء في الدنيا، الواقع ومقابله المثالي"، مضيفةً أن "لكل شخص على هذه الأرض شبيهاً ("دموثه")، ولدى الوفاة يفارق إنسان الأرض جسمه الترابي، ويلتحق بالجسم الأثيري لشبيهه".
أما فيما يخص طقوس التغسيل والدفن، فإن المندائيين يقومون بتغسيل المحتضر وإكسائه الكسوة الدينية البيضاء المعروفة بـ"الرستة"، اعتقاداً منهم أن ذلك يمكّن روحه من الصعود إلى مكانها في "مشوني كشطا" السماوي، أسفل طبقات عالم النور، وهي مطهر ة مما علق بها من نجاسات العالم الأرضي. وجاء في النصوص المندائية المقدسة على لسان المحتضر "أذهب إلى شبيهي، وشبيهي يأتي إلي، يتذكرني ويحتضنني كما لو أنني خارج السجن". أما القبور، فقد عرف عن المندائيين سابقاً عدم اهتمامهم بالمقابر والأضرحة التي تخلّد عادة كبار القوم. فبحسب ما يقولون: إن "الاهتمام بالقبر لا يستمر أكثر من خمسة وأربعين يوماً". أما الآن فللمندائين مقابرهم في العراق وفي الدول التي هاجروا إليها، لكن بناء القبر ليس من تعاليم الدين حسب ما يرى بعض الباحثين.
أعيادهم
عيد رأس السنة الكبير "التكريس"، ويسمونه الضحوة، هو ذكرى هبة الله تعالى الحياة لآدم الإنسان الأول، ويكرس فيه المندائيون أوقاتهم للذكر والعبادة، والعيد الصغير ويسمونه "هبة الله الصغرى"، وهو تمثيل لذكرى عودة الملاك الرسول جبريل وصعوده إلى السماء، وعيد الخمسة أيام، ويسمى عيد الخليقة "بروا نايا"، ويسمى على المستوى الشعبي "البنجة"، وهو ذكرى الأيام التي بلغ بها الخلق تمامه، وعيد التعميد، ويسمى "هبة الله" وهو ذكرى تعميد آدم والآباء الصالحين القدامى. ومن أبرز شخصيات الديانة المندائية، عالم الفلك العراقي عبد العظيم السبتي، والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، وعالم الفيزياء عبد الجبار عبد الله، والشاعرة لميعة عباس عمارة، وغيرهم الكثير.
الطعام عند الصابئة المندائيين
قامت الشاعرة العراقية الشهيرة لميعة عباس عمارة [4]، وهي من المندائيين، بدراسة "أنثروبولوجيا الطعام عند الصابئة المندائيبن وعلاقتها بالصحة والجمال"، وترى أن صحة وجمال المندائيين يعود لنوع الغذاء كالحرص على تناول الأسماك والخضار المفيدة والمكسرات. ولا يباع الطعام عند المندائيين، فذلك يدخل في باب العيب، وتقديم طعام النذور محرم عندهم. وهم يحرصون على عدم مشاركتهم الأكل بسبب الالتزامات المفروضة عليهم دينياً، وعلى عدم تناول كل مادة غير طبيعية كالمواد الكيمياوية. كما أنهم لا يشترون مطلقاً اللحم من الجزارين، ويعتمد المندائيون الخروف، الذكر، الحيوان الوحيد المؤهل للذبح، ويحرمون ذبح الأنثى. أما جميع الأدوية المعتمدة من قبل الصابئة المندائيين فهي "عشبية".
وتشير عمارة إلى أن رجال الدين المندائيين لا يتناولون الخمور مطلقاً، وهي محرمة عندهم، وأما عامة المندائيين فيمكن أن يتناولوه بقدر قليل مع أنهم لا يصنعونه.
المندائيون في معاناتهم وآلامهم
تقول الباحثة في الشأن المندائي، الليدي دراوور، إن "الصابئيين تعرضوا إلى المذابح التي سجلوها في طلاسم، وكأنها مناشير سرية حتى لا يظهر صوت احتجاج لهم، إذ حدثت في زمن حاكم العمارة محسن بن مهدي مذبحةٌ رهيبة طالت كهنتهم وشيوخهم، وكان السبب امرأةً صابئية خرجت من دارها إلى النهر في اليوم الأول من السنة الجديدة في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه جميع أفراد الصابئة داخل بيوتهم، فتعرض لها أعرابٌ كانوا في أسطول من الزوارق راسٍ هناك، ونشب قتال وأعلنت الحرب على الصابئيين فذبح الكهان والرجال والنساء والأطفال وبقيت الطائفة بلا كهان لعدة سنوات".
عودة "جلجامش الحلم" إلى العراق
07-10-2021
وربما من أهم معاناة أبناء الديانة المندائية هو أن بعض فقهاء المسلمين أفتى بنجاستهم لأنهم مشركون وفقاً للآية "إنما المشركون نجس"، على الرغم من أن أبرز طقوسهم ترتبط بالنظافة والطهر، وأباح البعض قتلهم. ومن التهميش التاريخي الذي تعرضوا له أن الدولة العثمانية لم تعترف بهم كطائفة، وبسبب ذلك فإنها قبلت منهم البدل العسكري أسوةً بالعثمانيين غير المسلمين. أما في ظل حكمي الاحتلال البريطاني والعهد الملكي، فكانت أجهزة الدولة ووزارة العدلية ومتصرفية لواء العمارة تعطيهم صفة الطائفة كالأيزيديين، واعتبرت أيام أعيادهم حسب القانون عطلةً رسمية.
ما زال العراق يخسر أطيافه يوماً بعد آخر، حتى أصبح مثل لوحة فنية متناثرة ممزقة، حيث إن الصابئة يمثلون طيفاً جميلاً من أطياف الماضي العتيد المتنوع للعراق، ألسنتهم لا تزال تنطق بالآرامية، وهم أهل دين سماوي، وما زالوا يهاجرون من العراق لأسباب شتى أهمها عدم وجود الأمان.
أما في زمن سلطة البعث، فيقول رشيد الخيون، إنه "أصبح هذا التاريخ القديم والجذر الضارب في عمق الأرض العراقية مهدداً بالزوال، فقد انعكس ما سببته سلطة البعث بالعراق من كوارث الحروب والاضطهاد والحصار، على وجود الصابئة المندائيين مثلما انعكس على بقية الأديان والمذاهب، فهجر عدد كبير منهم العراق إلى البلدان الأوروبية"... ويتابع أنه صدرت فتوًى، بعد التاسع من نيسان/ أبريل 2003 عن مؤسسة مكتب الصدر بالبصرة جاء فيها: "اعتادت طائفة من مجتمعنا عموماً وخصوصاً الصابئة منهم، في مناطق متعددة أشهرها شارع الصباغ بممارسة أعمال الدجل والشعوذة، والزنا، والتفريق بين المرء وأهله، وغيرها كثير، فنرجو منهم العودة إلى طاعة الله ورضوانه والتمسك بالعروة الوثقى وترك الشيطان وأعوانه والنفس الأمّارة بالسوء وخاصةً هم بجوارنا نحن المسلمون، فعليهم احترام مناسك ديننا وألا يتجاهروا بالفسق" [5]، الأمر الذي جعل شيخ الطائفة، ستار جبار حلو، يوجه نداءً إلى المجتمع العراقي والدولي شاكياً فيه تعرض الديانة الصابئية إلى الظلم والاضطهاد.
ويرى الدكتور كاظم حبيب [6]، أنه "خلال الفترة الواقعة بين 2003-2016، بلغ عدد القتلى على أيدي الميليشيات الطائفية المسلحة والإرهابية 193 ضحية. وأن الجرائم ضد المندائيين لا تزال ترتكب حتى الآن بهدف إشاعة الرعب في صفوفهم ودفعهم للهجرة من وطنهم والسيطرة على أملاكهم، لافتاً إلى أنها "جريمة مستمرة ولم يوضع لها حد حتى الآن".
... هذا مع العلم أن نصوص كتابهم المقدس قد ورد فيها أن "لا تعشقوا نساء الآخرين، ولا تقربوا الزنا، ولا تغنوا غناء السكير، ولا ترضوا رقص الغجر، احذروا أن يستحوذ على قلوبكم الشيطان المملوء بأحابيل السحر والخداع والغواية".
الأطياف التي تطاردها خفافيش الظلام
ما زال العراق يخسر أطيافه يوماً بعد آخر، حتى أصبح مثل لوحة فنية متناثرة ممزقة، حيث إن الصابئة يمثلون طيفاً جميلاً من أطياف الماضي العتيد المتنوع للعراق، ألسنتهم لا تزال تنطق بالآرامية، وهم أهل دين سماوي، وما زالوا يهاجرون من العراق لأسباب شتى أهمها عدم وجود الأمان.
يقول المواطن الصابئي حازم ماجد، إنه "بعد 2003 حدث تخلخل العراق عامة وأصاب فيمن أصاب الصابئة، لكن المشكلة أن الصابئة محرم عندها القتال والوضع بالعراق يحتاج إثبات وجود، وأن أغلب الصابئة هم من الصياغ، ويوجد تميز عنصري بطريقه التعامل، فمثلًا إن الصابئي لا يستطيع العمل في القطاعات الخاصة بسبب التثقيف ضدهم بأنهم كفرة". أما فيما يتعلق بالشائعات التي تقال عنهم من أنهم يعبدون الكواكب ويمارسون السحر، فيقول ماجد إنه "توجد طائفة كانت تعبد الكواكب والنجوم ويدعون صابئة حران، وليس لنا بهم علاقة، مضيفاً "أما بالنسبة للسحر فهو من المحرمات عندنا". أما المواطن ستار ساري المقيم في سيدني، فيرى أنه إلى "هذه اللحظة ﻻ يوجد أي فتوًى من قبل المرجع السيستاني بأن المندائيين هم أصحاب كتاب، بينما العالم أجمع يقر بأننا أول الأديان الموحدة".
بسبب الإهمال والتهميش الحكومي.. الديوانية تفقد آخر "مندائييها"
28-02-2019
عن الطائفة والدولة في العراق
10-12-2014
وطالب الدكتور أسعد فيصل، وهو من الديانة المندائية، ومقيم في البصرة، بـ"تمثيل رسمي، حيث إلى الآن لا يوجد لنا تمثيل سواء في الحكومة أو مجلس المحافظة". وعن هاجس الهجرة الذي يراود أغلب أبناء الأقليات بالعراق يقول فيصل: "أنا كطبيب أفكر بالهجرة، بعيداً عن كوني صابئي، وإنما لأن الأطباء بالعراق دائماً يهددون ويطالبون بالفصول العشائرية، فلا يوجد قانون مفعّل لحماية الأطباء". وعن هجرة الصابئة، يؤكد فيصل، أن "أغلب أبناء الديانة الصابئية هاجروا لعدم توفر الأمان والعمل، حالهم حال الطوائف والديانات الأخرى بالعراق، ولكونهم في أي لحظة ممكن أن يتعرضوا إلى الخطر تماماً مثل ما حصل للمكونات الأخرى لحظة سقوط الموصل على يد داعش"، مشيراً إلى أن "أغلب أصدقائي هم من المسلمين والمسيحيين، والأمور جداً طبيعية ونتبادل الزيارات وقلوبنا عامرة بالمحبة والسلام بيننا كشعب".
آخر من هاجر!
آخر من غادر، وهو يجر أذيال الحسرة والحزن، هو رئيس مجلس شؤون الصابئة المندائيين فرع الديوانية، خالد ناجي، إذا كتب على حسابه في فيسبوك: "وداعاً بلدي عراق الخيرات والجدود، غادرناك مجبرين لا مخيرين"، مبيناً "أما عن مغادرتنا مجبرين فهي نتيجة الإقصاء والتهميش وعدم توفير مستلزماتنا الحياتية بالعبادة من الحكومة المركزية وعدم تشريع قانون لحماية ورعاية الأقليات، وذلك هو واجب وطني".
وقد طالب رئيس الطائفية المندائية الشيخ ستار جبار الحلو بتشريع قوانين تحد من التطرف، داعياً إلى البحث في مسببات الاحتقان في العراق الذي يتمثل بتقسيمه على أساس مذهبي وديني وعرقي، مطالباً ببناء دولة مدنية تتجاوز المحاصصة
1 - باحث عراقي، من مؤلفاته "الأديان والمذاهب بالعراق"، وهو من ثلاثة أجزاء، صادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث دبي 2003.
2 - باحثة ومستشرقة إنجليزية عاشت في جنوب العراق، واهتمت بالمندائيين وترجمت أغلبية الكتب والمخطوطات المندائية إلى الإنجليزية.
3 - http://www.mandaeanunion.org/ar/culture/item/239-mandaean-mythology
4 - لميعة عباس عمارة (1929- 2021)؛ شاعرة عراقية محدثة، ورائدة من رواد الشعر العربي الحديث، وتعد أحد أعمدة الشعر المعاصر في العراق. وقد صدر كتابها عن دار الرافدين، بغداد، 2018
5 - رشيد الخيون، الأديان والمذاهب في العراق، ج1، ص: 69
6 - كاظم حبيب 1935 - 2021) سياسي واقتصادي وكاتب عراقي.