حرّك إعلان الحكومة الأردنية عن الانتهاء من المراحل الأخيرة من صوغ قانون الانتخاب المياه السياسية التي ركدت بسبب الظروف الإقليمية، لتعود الى السطح قضايا المحاصصة على المناصب السياسية، واتهامات التهميش الممنهج، والإقصاء الممارس على فئات معينة.. لطالما طالب الغرب-أردنيون (ذوو الأصول الفلسطينية) بإنصافهم فيما يتعلق بالتمثيل في مجلس النواب وتوزيع المناصب السياسية والخطط التنموية. كما يطالب أبناء المحافظات والأطراف والمناطق البعيدة عن العاصمة، وغالبيتها من الشرق-أردنيين (سكان الأردن الأصليين)، بالمطالب ذاتها. رسخ النمط الزبائني لسير الدولة في الاردن عقلية النظر إلى "الكعكة" التي يرغب الجميع بحصة أكبر منها. وهو، هذا النمط، أدى الى تعميق التفاوت الطبقي وتعزيز التكتل العشائري والى ضعف ولاء فئات دون أخرى وبمستويات مختلفة..
هل يقع التهميش على فئة دون أخرى؟
فعلياً لا يرتبط التهميش بفئة ذات أصول معينة. لكن آلية كسب الولاء كانت في السابق، عند بداية عهد المملكة، تكمن في إغداق الامتيازات على فئات قليلة من الطرفين، أو ممن يعتبرون مفاتيح مناطقهم وقادرين على ضبطها، كوجهاء العشائر والمخيمات والمتنفذين المحليين ممن لهم شعبية واسعة. ومع الوقت أصبحت هذه الامتيازات حقوقاً مكتسبة لمن ترعرعوا في كنفها.
غالبية فئة المستفيدين من الامتيازات ملتصق بالسلطة وأفرادها تدرجوا في مناصب الدولة المختلفة ويطلق عليهم اسم "قوى الشد العكسي" المترافقة دوما مع من يطلق عليهم "الحرس القديم" الذين لهم بالغالب امتدادات عشائرية، ويعرف عنهم معاداتهم للتكنوقراط كما للتغيير نحو الديموقراطية، الذي قد يعني خسارتهم للسلطة عند تغير شروط اللعبة السياسية حيث سيصبح المال السياسي أقل قيمة، وستعلو أهمية التنظيم والتأطير والتحشيد على أساس فكري او مطلبي، لا مناطقي أو عشائري. ولأن الثروة تُجنى من القرب من السلطة، فقد تتسبب خسارتهم السياسية في تراجع مغانمهم التي اعتادوا على جنيها في السنين السالفة.
وجهت لهذه القوى خلال السنوات القليلة الماضية اتهامات بـ"إجهاض" محاولات الإسراع في عملية الإصلاح (على الرغم من التأكيدات الملكية بأن عجلة الإصلاح تجري كما هو مطلوب). وهي قوى لا تأبه بفئات أخرى من المواطنين الأردنيين يعانون من التهميش أو الإفقار او الظلم، حتى وإن كانوا من أبناء منطقتهم.
وتقوم قوى النفوذ العشائري بتوزيع مناصب الدولة بينها، كما جرى في انتخابات رئاسة مجلس النواب في الدورة العادية، حيث دفع مؤازرو رئيس المجلس، وهو من مناطق جنوب الأردن، بأن الجنوب ليس حاصلاً على حصته من المناصب، بما أن رئيس الوزراء من الوسط ورئيس مجلس الأعيان من الشمال، مما أثار حفيظة التيارات الغرب-اردنية (ذات الاصول الفلسطينية) التي وجدت نفسها خارج الحسابات بعد استقالة رئيس مجلس الأعيان السابق طاهر المصري من منصبه.
وبالحديث عن قانون الانتخاب، فإن مناطق ذات كثافة سكانية عالية كمدن عمان والزرقاء واربد والتي يحتاج النائب بمجلس النواب فيها الى عدة آلاف من الاصوات (5 الى 10 آلاف صوت) للنجاح، تقابلها مناطق البادية التي يحتاج فيها النائب الى اقل من 1000 صوت في بعض الأحيان للنجاح، مما يجعل سكان المناطق ذات الكثافة يشعرون بالغبن، كما يعتبرون ان في هذا التنظيم محاباة للمناطق العشائرية. بالمقابل تشتكي البوادي من الفقر والبطالة، متسائلة عن التنمية المستدامة، مما يوحي أن الدولة تتعامل مع فئات المجتمع الأردني بمنطق يحيلها الى "أقليات مذعورة"، وإبقاء مكونات المجتمع مترصدة ومتخوفة من بعضها.
المواطنة تخسر
يشير تقرير أعده "مشروع تعزيز الحوار العام حول قضايا حقوق الإنسان من خلال الإعلام" ونشره موقع "عمان نت"، إلى أن نسب الاستثناءات في القبول الجامعي تبلغ 49 في المئة، وهي تتوزع على مكرمات الجيش وأبناء المخيمات وأبناء العاملين في الجامعات وأبناء المناطق الأقل حظاً، بينما يتنافس بقية الأردنيين على 51 في المئة من المقاعد. ويندرج هذا التمييز على بقية مسارات الدولة أيضاً، وهو وان بدا مبتغيا العدل بانحيازه الايجابي الى الفئات المستضعفة الا انه يزعزع شعور الانتماء الوطني الجامع القائم على التشارك في المسئولية وفي العوائد، وينمي الانتماءات الضيقة كالمناطقية والعشائرية والاعتداد بالأصول.
ويتغاضى السواد الأعظم عن المطالبة بالمساواة والعدالة في التعامل مع المواطنين والالتزام بأحكام المادة السادسة من القانون التي نصّت على أن الأردنيين أمام القانون سواء، ولا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين... وأما سبب التغاضي فهو الخوف من اتهامات الترويج للوطن البديل!