التنافس الانتخابي على مقعد الرئاسة في مصر هذه السنة ينحصر بيْن مُرشحيْن فقط، هما المشير عبد الفتاح السيسي والسيد حمدين صباحي. وبالرغم من ذلك ومن تغيُر معطيات الواقع السياسي المصري عمّا كانت عليه في السنوات الأخيرة، إلا أنه ما زالت الكلمات تُطلق تباعا دون آليات عملٍ توضحها أو جدولٍ زمنيّ يحدد ملامح تنفيذها. ويقع في القلب من تلك الخطابات أزمة الفقر والفقراء في مصر التي تتزايد يوما بعد يوم دون وجود علاج حقيقي لها، بينما الخطابة لا تفضي لحل المشكلة.
حجم الفقراء في مصر
أشار مسح الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2012-2013 الصادر من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن نسبة الفقراء وفقًا لمقياس الفقر الوطني هذا العام وصلت إلى 26.3 في المئة مقابل نسبة 25.2 في المئة للعام الماضي، أي بارتفاع 0.9 في المئة. وعلما بأن عدد سكان مصر المقيمين في الداخل بلغ 86 مليون نسمة، فإن حجم الفقراء في مصر يبلغ 22.6 مليون مواطن. كما أن القيمة الإجمالية لخط الفقر الوطني في السنة وصلت إلى 3920 للفرد عام 2012/2013 أي 327 جنيه للفرد في الشهر، أي أن هناك ما يقرب من 23 مليون مواطن مصري يعيش واحدهم بمبلغ 327 جنيه في الشهر... أو اقل!تلك الأرقام صادمة لكل من يقرأها، لكنها صادقة في محتواها. ومع تزايد عدد السكان في مصر يتزايد معدل الفقر، ومن المُلاحظ أنه مع تآكل الموارد الاقتصادية وغياب الأمن وضعف الاستثمارات، فإن نسبة الفقراء ستتزايد بشكل أكبر، إن لم يكن مُضاعفا، خلال السنوات القادمة. الأمر الذي يمثل خطورة ليس على الواقع الاقتصادي فقط، بل أيضا يضرب بقوة في جذور الواقع الاجتماعي بشكل عام في ظل تزايد الفجوة بين الفقراء والأغنياء والتفاوت في التركيبة الاجتماعية بحيث أصبحت الطبقة الوسطى متهتكة بفعل العديد من العوامل، أو بمعنى آخر فإن مصر أصبحت طبقتين: طبقة غنية تزداد غنى، وطبقة فقيرة تزداد فقراً.وليست مشكلة الفقر قائمة بذاتها بل هي ترسُّ أصيلُّ في منظومة شاملة. هناك التعليم، فقد لُوحظ من استقراء نتائج هذا المسح الإحصائي أن انخفاض التعليم هو واحد من أكثر العوامل ارتباطا بمخاطر الفقر في مصر، حيث تتناقص نسبة الفقراء كلما ارتفع مستوى التعليم، فتبلغ نسبة الفقراء بين الأميين لهذا العام 37 في المئة مقابل 8 في المئة لمن حصل على مؤهل جامعي. وهي حلقة مفرغة. فالفقراء لا يتمكنون من الذهاب الى التعليم، والأمية تولّد المزيد من الفقر.
توظيفُّ سياسيّ كلاميّ
وسط الحقائق والأرقام، يقف مرشحو الرئاسة يتحدثون بلهجة برّاقة عن "ضرورة القضاء على الفقر في مصر" دون أن يقدم أي منهما تحليلا واضحا ورؤية متكاملة لعلاج الأزمة. فلم نرى حتى الآن، ونحنُ على مشارف الانتخابات الرئاسية في نهاية الشهر الجاري، البرنامج الانتخابي المتكامل لأيهما حتى يمكن تقييمه وتحليل ما جاء به. وأظن أن أحدهما لا يعرف الحجم الحقيقي للفقراء في مصر بل يتم اختزال القضية برمتها في كلمات رنانة لا تقدم ولا تؤخر. فنجد من ناحية تأكيد المرشح حمدين صباحي في حوار له على قناة "ontv" أنه "لن يتم القضاء على الفقر سوى بتنمية هائلة مشروطة بعدالة التوزيع التي غابت في العهد السابق" .. كلام جيد في المُجمل لكنه يثير تساؤلات ضرورية مُلحة: كيف ستتحقق "التنمية الهائلة" التي يتحدث عنها؟ وكيف سيتم تطبيق هذه العدالة المنشودة في توزيع الموارد على المواطنين؟ ومتى سيتحقق ذلك في وجهة نظره: أبعد عام، اثنان، عشرة؟ومن ناحية أخرى، نرى المرشح الآخر المشير السيسي يتحدث عن الفقراء "باكيًا" في لقاءه مع وفد من الإعلاميين، ويقول: "بتجيلي رسايل من ناس مش لاقية تاكل، وتقول لي مابناكلش وقابلين عشان خاطرك" (صحيفة المصري اليوم بتاريخ 4 أيار/مايو الجاري)، وهذا وهمُّ بيِّن لا مِراء فيه، فلا يمكن للفقراء أن يتحملوا مزيداً من التقشف في مرحلة يظنون أنهم مُلاقون خيراتها، خصوصا وأن المشير أكد في مناسبة سابقة أنه "يتمنى أن يأخذ من الأغنياء ويعطي للفقراء"، "وأن الفقراء لهم الأولوية القصوى". وفي جميع الحالات، فإن الرؤية أيضًا غائبة، ولا يوجد برنامج واضح للمشير يحدد فيه آليات معالجته لأزمة الفقر في البلاد والجدول الزمني لحلها. حتى المشروعات الكبرى التي أُثير الحديث عنها لا نعرف ما هي؟ وكيف ستتم؟ وما مصادر تمويلها؟ وكيف سيتم توزيع عوائد إنتاجها بحيث تنخفض نسبة الفقر والفقراء بشكل تدريجي على الأقل؟