نورزان الشمري: القتل أهون من شربة ماء

قتلت نورزان (نور الهدى) عبد الصاحب الشمري - 20 عاماً - في ليلة 25 آب/ أغسطس بطعنات متفرقة في جسدها في مكان مزدحم بالناس في بغداد، عند عودتها من العمل في مصنع للحلويات ليلاً، واتضح أن القاتل هو أخوها واثنين من أولاد عمها. وهي كانت رفضت الزواج من أحدهما.
2021-08-31

ديمة ياسين

كاتبة صحافية، من العراق


شارك
علا الأيوبي - سوريا

بعد أيام قليلة على مرور الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الناشطة العراقية ريهام يعقوب في مدينة البصرة جنوب العراق، شهدت شوارع البلاد جريمةً جديدة، ضحيتها شابةٌ عراقية أخرى، قتلت في مكان عام في وسط بغداد، وتحت أنظار عشرات المواطنين. ربما تبدو أسباب الاغتيال بين الضحية الجديدة نورزان الشمري وريهام يعقوب مختلفة، فالأخيرة ناشطةٌ سياسية كان لها دورٌ بارز في "حراك تشرين 2019" بينما الأولى فتاة فقيرة، ويتيمة الأب تعمل في مصنع للحلويات لتعيل نفسها ووالدتها.

لكن الحقيقة هي أن الأسباب الرئيسية متشابهةٌ، وتتمثل باستسهال القتل باعتبار غياب العقاب. والحقيقة الأشد قبحاً، هي أن بين مقتل ريهام ومقتل نورزان، كان هناك العشرات من النساء اللواتي قُتلن في العراق لأسباب عدة ودون محاسبة. فتتبارى وسائل التواصل الاجتماعي في نشر صورة الضحية بعد قتلها إلى أن تظهر صورةٌ ضحية جديدة، فندخل في دوامة لا نهائية من الفزع وتكرار الجرائم.

عندما شاع خبر مقتل نورزان منذ أيام قليلة، وجرى تداول صورتها على وسائل التواصل الاجتماعي، سارع البعض لتخمين أن ما حدث هو اعتداء جنسي. وبدأت سلسلة من إعادة تدوير للخطاب الذكوري العام الذي لا يكلّ من توجيه الاتهام للضحية وترك الجاني."التبرج" و"السفور" و"العمل خارج البيت" و"التواجد في الشارع ليلاً"، كانت من ضمن الأسباب التي وضعها بعض من علّق على جريمة قتل نورزان، تماهياً مع الفكر الذي تبثه الأحزاب الدينية في العراق منذ ما يقارب العقدين من الزمن. وهي الأحزاب ذاتها التي تساهم في الانفلات الأمني المستمر، وتُحرّض ضد كل مَن يعارضها، وهي ذاتها التي تقف ضد تمرير قانون العنف الأسري، وقوانين العقوبات التي تحمي النساء بالذات.

"نحن النساء في هذا المجتمع مجرد فطائس!" هذا ما كتبته فتاة عراقية وتم تناقله على تويتر. فقد نشر أهل الضحية أن من قتل نورزان ذات الـ 20 ربيعاً كان من أقاربها، وأنها كانت تتلقى تهديدات مستمرة من عمها الذي فرض عليها الزواج وهي في سن الـ 13، من رجل يكبرها بعشرين عاماً. وعندما أنهَت زواجها هذا، عاد عمها وفرض عليها الزواج مرةً أخرى من رجل مصاب بمشاكل نفسية، وكان يُعنفّها. وأنها عُنِفت من قبل عمها عندما حاولت الطلاق. حصلت نورزان على الطلاق ورفضت الزواج من ابن عمها، وبدأت بالعمل في معمل للحلويات في بغداد لإعالة نفسها ووالدتها. وأفصحت للمقربين لها بأنها ما زالت تتعرض للتهديد والترويع من قبل عمها ذاته، وأن إخوتها غير الأشقاء قد تخلوا عن حمايتها منه. قتلت نورزان (نور الهدى) عبد الصاحب الشمري في ليلة 25 آب/ أغسطس بطعنات متفرقة في جسدها في مكان مزدحم بالناس في بغداد عند عودتها من العمل ليلاً، واتضح أن القاتل هو أخوها واثنين من أولاد عمها.

سارع البعض لتخمين أن ما حدث هو اعتداء جنسي. وبدأت سلسلة من إعادة تدوير للخطاب الذكوري العام الذي لا يكلّ من توجيه الاتهام للضحية، ويترك الجاني: "التبرج" و"السفور" و"العمل خارج البيت" و"التواجد في الشارع ليلاً".. كانت من ضمن الأسباب المفترضة.

يأتي هذا كله بعد أسابيع قليلة من تصريح للرئيس العراقي برهم صالح كشف فيه عن مشروع قانون عقوبات جديد "جرى فيه مراعاة الاتفاقات والمعاهدات الدولية كافة". الغريب في الموضوع أن نص القانون وتفاصيله لم يُعلن عنها حتى الآن. وأن كل ما سُرّب منه هو عبارةٌ عن وعود بعقوبات رادعة للفساد المالي والإداري، عقوبة ضد كل من يسب لفظ الجلالة، إضافةً إلى جملة تبدو مبهمةً، ولا توضح الكثير، وهي أن " القانون يولي اهتماماً بالغاً بحماية الأسرة وتجريم الأفعال المرتكبة ضدها". 

غير أن خبراً منقولاً عن وكالة الأنباء العراقية يوضّح أن رئاسة الجمهورية قد صرحت بأن "قانون "حرمة الحياة الخاصة" يتعلق بالأسرار الأسرية التي تخص التصوير والنشر وتسريب المحادثات الخاصة حيث تم وضع عقوبة خاصة بذلك"، علماً بأن الكثير من جرائم العنف الأسري تم كشفها عن طريق نشر فيديوهات وتسريب محادثات على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً في ظل عجز أجهزة الدولة وأجهزة حماية الأسرة عن توفير الأمن للضحايا، مما جعلهم يتجهون إلى الرأي العام لحمايتهم.

كانت تتلقى تهديدات مستمرة من عمها الذي فرض عليها الزواج وهي في سن الـ 13، من رجل يكبرها بعشرين عاماً. وعندما أنهَت زواجها هذا، عاد عمها وفرض عليها الزواج مرةً أخرى من رجل مصاب بمشاكل نفسية، وكان يُعنفّها... ولكنها تمكنت من تطليقه بالضد من إرادة عمها، وقررت العمل لإعالة نفسها ووالدتها.

 ويذكر أن تلك الأجهزة اضطرت في كثير من الأحيان لاتخاذ إجراءات ضد مرتكبي التعنيف بسبب الضجة التي تُحدثها وسائل التواصل الاجتماعي. فهل يأتي هذا القانون لحماية الأسرة فعلاً؟ أم لحماية مرتكب العنف؟ مع الحفاظ على تقاعس الأجهزة الأمنية كما هو، وفي الخفاء.

طرح صالح مشروع القانون أمام مجلس النواب بعد الاستعانة "بالدوائر الفقهية المختلفة" حسب تصريحه، فهل هذا يعني أن القانون يعتمد إذاً على أسس دينية وفقهية؟ وهل يثق المواطن العراقي بتلك الدوائر الفقهية بعد كل ما عاناه منها في العقدين الأخيرين في العراق؟

كما جرت العادة بعد كل حادثة اعتداء أو جريمة اغتيال وقتل في العراق، يظهر فيديو من الكاميرات التي تنتشر في كل زاوية من زوايا البلاد، وتلتقط كل ما يحدث في الشوارع، إلا أنها لا تستخدم فعلياً للقبض على الجناة إلا فيما ندر. الفيديو الذي نشرته وزارة الداخلية العراقية يُبيّن اللحظات الأخيرة لمقتل الشابة نورزان الشمري، فتظهر الضحية بعد طعنها وهي تركض بما تبقى لديها من قوة، هاربةً نحو أكثر شوارع العاصمة ازدحاماً، تسقط أرضاً محاولة التقاط أنفاسها، بينما تمر السيارات من جانبها دون توقف، ويدور مجموعة من الناس من حولها بفزع دون الاقتراب منها أو مدّ يد العون لها. الفيديو كان صادماً وأصاب الشارع العراقي بالهلع، فهو بالتأكيد يتناقض مع ما يتفاخر به العراقيون دائماً ويسمونه "الغيرة (النخوة) العراقية". إلا أن الجميع يعلم أن السبب الرئيسي لخوف الناس من الاقتراب من الضحية وعدم مساعدتها وهي تصارع الموت، هو أن من يتسيّد العراق، ويتحكم به مع وجود السلاح المنفلت، هي سطوة العشائر. وهذه وسعت دائرة "عمل" تمتهنه لتحصيل الأموال، يسمى "الفصل". ففي أي حادثة تحصل في العراق هناك فصل عشائري، تُدفع خلاله الديّة التي قد تصل إلى الملايين.

 رئاسة الجمهورية بأن "قانون "حرمة الحياة الخاصة" يتعلق "بالأسرار الأسرية التي تخص التصوير والنشر وتسريب المحادثات الخاصة، حيث وضعت عقوبة خاصة بذلك"، علماً بأن الكثير من جرائم العنف الأسري كشفت عن طريق نشر فيديوهات، وتسريب محادثات على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً في ظل عجز أجهزة الدولة وأجهزة حماية الأسرة عن توفير الأمن للضحايا.

 المشكلة الأكبر هي أن المسعف في أي حادث قد يجد نفسه متهماً في الجرم حسب عُرف العشائر، ومتورطاً في دفع الديّة عن جرمٍ لم يرتكبه، بل حاول الحد من ضرره. مما جعل الناس تفكر ألف مرة قبل التدخل في أي حادثة، هذا بالإضافة إلى أن الجرائم المرتكبة ضد النساء عادةً ما توضع تحت بند "قضايا الشرف"، وقد يصبح التدخل بها أكثر تعقيداً في مجتمع تزداد فيه أحوال النساء سوءاً في ظل ضعف القانون المدني. والسؤال هنا، هل فكّرت رئاسة الجمهورية في مشروعها لقانون العقوبات الجديد أن بند "الأسرار الأسرية " وتجريم التسريبات، المذكور في المشروع ، موضوعٌ لحماية هذه السطوة، ومجاملتها على حساب حياة العراقيين، الذين أدركوا أنهم يعاملون من قبل دولتهم كـ "الفطائس"؟ 

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

نخلات غزة تشبه نخلات العراق

ديمة ياسين 2024-02-09

يمسك الميكرفون رجل ستيني يتحدث بإنجليزية مثقلة بلكنة عربية واضحة، تشبه ثقل عناقيد التمر في نخل بلادنا، بطيئة، بل متمهلة، مثل ثمار الزيتون وهي تكبر وتعمّر في أرض فلسطين "لا...

جيل الفراق

ديمة ياسين 2023-09-14

أنا من جيل احتفل بنهاية الحرب صيف عام 1988، في شوارع ضجت بالناس والأغاني والرقص لثلاثة أيام كاملة، بعد إعلان وقف إطلاق النار. مارسنا احتفالاً آشورياً قديماً برش الماء على...