شوهدت آجام من شجرة "دم الأخوين" النادرة على متن حاويات نقل، جذورها بارزة، وما تزال على رؤوس سيقانها تيجان نضيرة بأوراق كثيفة تلتف فوق أغصانها المتشابكة على هيئة مظلة كبيرة. حقاً الأشجار تموت واقفة!
الإعصار أم "العاصفة"؟
"لا توجد هذه الشجرة في أي مكان آخر على هذا الكوكب، وقد يستغرق نموها مئات السنين"، بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي أعرب في حزيران/ يونيو 2021 عن قلقه من تهديدات قلع وجرف شجرة "دم الأخوين"، بسبب الفيضانات والأعاصير المدارية التي تعصف بجزيرة سقطرى اليمنية بين حين وآخر.
غير أن قلق البرنامج الإنمائي يفتقر قدراً من الدقة والجرأة فيما يخص المصدر الأساسي للخطر، إلا إذا كانت "عاصفة الحزم" الجيوسياسية التي قاد التحالف السعودي - الاماراتي عملياتها العسكرية في اليمن منذ آذار/ مارس 2015، كارثة طبيعية.
الشجرة والجبل
لأزيد من 50 مليون سنة، ظلت شجرة دم الأخوين بجذوعها الصلبة والراسخة مصدة حيوية للجزيرة في مهبات الأعاصير والفيضانات الطبيعية، وأحد أهم عوامل الخلود الأزلي للجزيرة الحساسة، الرابضة على المياه المائجة. كل شجرة أثيلة ومتوطنة قلب الجزيرة، تناهز عمر وجذارة جبل.
الجزر اليمنية: عودة الأطماع القديمة
30-06-2021
ويمتد عمر الجيل المعاصر من أحفاد شجرة دم الأخوين لأكثر من 530 سنة، أي ضعف عمر دولتي السعودية والإمارات بمئات السنين، وملايينها في التاريخ الأرضي للسلالة النباتية. ومن أسمائها شجرة " دم العنقاء" المارد الأسطوري في الميثولوجيا التاريخية لكثير من حضارات الشعوب العريقة، الذي يولد كطائر الفينيق مجدداً من رماده. إن شجرة دم الأخوين إكسيرة الحياة الدائمة وتعويذة الخلود برائحتها الطقوسية وفوائدها الطبية الجمة ودمها الروحاني الثمين.. وستبقى رغم القلع الجائر عنقاء التأزل الوجودي لليمن الذي لا يفنى أبداً، و"مظلة الأرض" من أن تميد، في مهب الأعاصير.
الدم واللبان
ما من شجرة في الميثولوجيا التاريخية حظيت بالغموض والأسطرة كما "دم الأخوين" وشجرة اللبان، اللتين تتشابهان حد التوأمة في العراقة الحضارية وقداسة الحضور.. في سحر الشكل وكاريزما المجد المؤسطر مع وحدة النزف والجرح وألق البخور المجيد.
لأزيد من 50 مليون سنة، ظلت شجرة "دم الأخوين" بجذوعها الصلبة والراسخة مصدّة حيوية للجزيرة في مهبات الأعاصير والفيضانات الطبيعية، وأحد أهم عوامل الخلود الأزلي للجزيرة الحساسة، الرابضة على المياه المائجة. كل شجرة أثيلة ومتوطنة قلب الجزيرة، تناهز عمر وجذارة جبل.
تتوطن الأولى أرخبيل سقطرى جنوب شرقي اليمن، وتعد محافظة المهرة البوابة الشرقية لليمن وأمجاد عصر اللبان المقدس، ومنطقة مركزية في سوق تجارته القديمة على الخط العالمي الشهير: طريق اللبان. من مطالع هذه الطريق المزدهرة في طقوس الديانات الحضارية للعالم القديم تبدأ حكاية أخرى لسؤال لا تزيده تفسيرات الأساطير إلا غموضاً: دم الأخوينً.
من هما " الأخوين" ؟
تستدعي إحدى المرويات الأساطيرية، مستندة إلى النص الديني، قصة ابني آدم قابيل و هابيل في معرض تعليلها لتسمية شجرة "العرهيب" السوقاطرية ب" دم الأخوين"، اسم شهرتها التاريخية. هذه المروية هي الأبعد جداً عن الحقيقة، لكنها الأكثر عقلنة وأنسنة في السياق الميثولوجي للتسمية وتفسيراتها المتضاربة التي عادة ما تعللها قصة أخرى، مختلفة الخيال.
وثمة مروية أخرى تتحدث عن صراع بين تنين وفيل، نبتت من دمائهما الشجرة التي يطلق عليها البعض اسم شجرة "دم التنين".
تنزف شجرة "دم الأخوين" سائلاً من عملية تجريح جذوعها، وهو مادة صبغية بلون الدم، وكذلك شجرة اللبان التي تنزف صمغاً أبيض يتجمد لباناً، تحت مباضع عملية التجريح ذاتها. ويحضر الدم والصراع، ثيمة أساسية في كل أساطير التسمية، لشجرة "العرهيب" كما يطلق عليها أبناؤها السقطريون. لكن "الأخوين" هما من يختلفان من سرديةٍ شعبية لأخرى.
أما سردية ابنَيْ آدم قابيل وهابيل فقد منحت التسمية بعداً إنسانياً، لكنه يغفل حقيقة أن أحدهما قاتِل والآخر قتيل، بينما " دم الأخوين" تعني وجود قتيلين شقيقين بضرورة كونهما طرفاً واحداً في معادلة الصراع، ما يزال قاتلهما مجهولاً (الطرف الآخر) .
ولماذا لا يكون هو التنين والفيل؟
المهرة وسقطرى
تتوسط شجرة "دم الأخوين" العلَم الافتراضي لإقليم حضرموت، سادس ستة أقاليم وأكبرها في الخريطة الفيدرالية لدولة اليمن الاتحادي المرسّم في الوثيقة النهائية لمخرجات "مؤتمر الحوار الوطني" ( 2014/2013) ومسودة الدستور الجديد الذي ما زال حبراً على ورق.
لا ترمز الشجرة هنا إلى جزيرة سقطرى حسب الدالة التاريخية لتعريف الجزيرة عالمياً، حيث الشجرة أيقونة هويتها الشخصية ومعلم شهرتها. فلاعتبارات سياسية تتعلق بالظرف الزمني الذي جرت فيه فعاليات مؤتمر الحوار الوطني، ومداخلات أقلمة مناطق الحكم الفيدرالي في اليمن المنتظر، فالشجرة الواقفة وسط العلم تضم في رمزيتها الإدارية المهرة وسقطرى، اللتين شكلتا منذ العام 2012 حراكاً احتجاجياً موحداً في إطار "المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى"، الذي ما زال يرفض بشدة إلحاق المحافظتين ضمن أربع ولايات تشكل إقليم حضرموت، بينها شبوة.
إلى ما قبل خروج الاستعمار البريطاني من جنوب اليمن في1967 ، كانت سقطرى والمهرة سلطنة واحدة في خارطة المحميات البريطانية. وبعد إعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الشطر الجنوبي لليمن سابقاً لحقت سقطرى بمديريات حضرموت على الرغم من أواصر دم الأخوين وقربها التاريخي والجغرافي من المهرة التي كانت المحافظة الإدارية الأوشج صلة بالجزيرة. وبعد الوحدة الاندماجية لشطري اليمن (1990) ظلت سقطرى مديرية حضرمية نائية في المياه البعيدة.
في العام 2013 وفي خطوة مفاجئة، توجه الرئيس عبده ربه منصور هادي إلى الجزيرة المنسية وأعلنها من هناك محافظة إدارية. بدا هادي كمن يستبق خطراً متوقعاً. ويعد هذا هو الإنجاز الاستراتيجي الوحيد المحسوب له لا عليه، منذ توليه الرئاسة. لكن التحالف الخليجي لدعم شرعيته أفسد عليه القيمة التاريخية لمنجزه اليتيم.
وحالياً يناضل أبناء دم الأخوين في المهرة وسقطرى، عبر تنسيقٍ عالٍ للجنة الاعتصام السلمي الموحدة للمحافظتين، من اجل إقليم فيدرالي خاص بهما، كما يتعاضدان معاً في جبهة مواجهة الاحتلال السعودي في المهرة، والعبث الإماراتي في سقطرى.
تتوطن "دم الاخوين" أرخبيل سقطرى جنوب شرقي اليمن، بينما تعد محافظة المهرة البوابة الشرقية لليمن وأمجاد عصر اللبان المقدس، ومنطقة مركزية في سوق تجارته القديمة على الخط العالمي الشهير: طريق اللبان.
تنزف شجرة "دم الأخوين" سائلاً من عملية تجريح جذوعها، وهو مادة صبغية بلون الدم، وكذلك شجرة اللبان التي تنزف صمغاً أبيض يتجمد لباناً، تحت مباضع عملية التجريح ذاتها. ويحضر الدم والصراع، ثيمة أساسية في كل أساطير التسميات.
وما يجري على أرض الأخوين اليمنيين النازفين دماً وصديداً ليس إلا زاوية من ظلال الشجرة الأسطورية التي تتعرض لقلع وتجريف واسعين من قبل التحالف السعودي - الإماراتي، وهو ما يمنحنا تعليلاً أكثر منطقية لسبب تسمية الشجرة الخالدة والمعطاءة بهذا الاسم، وفقا لمقاربات المرويتين السابقتين، في قصة ابني آدم وقصة الفيل والتنين.
كلا القصتين قد يكون على قدر من الواقعية، فيما لو جاءت سرديتهما داخل سياق رواية واحدة، مع مراعاة أن يكون الصراع الدموي بين الإنسان كقتيل، والحيوان كقاتل، بما يمثله الحيوان من حضور رمزي في أيقونات قوى الإمبريالية العالمية، على غرار الدب الروسي والتنين الصيني.
ووفقاً للدكتور فاضل الربيعي في كتابه "العسل والدم"، فإن الأيديولوجيا الدينية لم تعد محركاً أساسياً لعجلة الإمبريالية العالمية الجديدة بل الميثولوجيا.
والإمارات الأقل عمراً من شجرة دم الأخوين هي التجسيد الأجلى لأساطيرية الصراع الجيوسياسي حول الشجرة، الناشئ من تراكمات اللاتجذر وعدمية الذات.. لا يعني اقتلاع الإمارات لشجرة دم الأخوين سوى الإحساس بالفراغ الممتلىء وعقدة النقص بحثاً عن تاريخ لبلد طارىء، لم يمنحه ترصيع تواليت الحمامات بالماس مجداً كافياً، وربما شكلت شجرة دم الأخوين المنهوبة من سقطرى تجذيراً مستعاراً لوجوده الوليد، بالسطو على 50 مليون سنة تاريخية وتزيد، دفعة واحدة.
حالياً، يناضل أبناء دم الأخوين في المهرة وسقطرى، عبر تنسيقٍ عالٍ للجنة الاعتصام السلمي الموحدة للمحافظتين، من أجل إقليم فيدرالي خاص بهما، كما يتعاضدان معاً في جبهة مواجهة الاحتلال السعودي في المهرة، والعبث الإماراتي في سقطرى.
ستنصب الإمارات آجام الشجر المنهوب على جادات شوارع أبوظبي ومداخل قصور الأباطرة الصغار. وهذا يكفي ليغرد مسؤول إماراتي تواً عن المغول الذين أحرقوا المكتبة الإماراتية التي كانت تضم ملايين الكتب من تأليف أجداده.
وبالنسبة للسعودية فهي تتحرك بسياساتها العسكرية على الساحة اليمنية، من منطلق نظرية خرائفية لعرافة بدوية، في أن السعودية و"السعيدة" - أي اليمن - ضدان وجوديان ، بقاء أحدهما يرتبط مصيرياً بإفناء الآخر: "شتان لا يلتقيان على أرض جزيرة العرب".
وتعد الإمارات والسعودية وإيران ثلاثي اللعب الجيوسياسي بالوكالة الدولية على الساحة اليمنية، إنهم تروسات وظيفية جيدة في منظومة أوهام أرض الميعاد وشطحات الأسطرة الإسرائيلية للتاريخ، التي تضع اليمن على خط طريق الخرافة اليهودية نحو ابتلاع الكرة الأرضية. هذه الخرافة تتجسد الآن في قبعات سياح إسرائيليين يستوطنون سقطرى بفيزا إقامة إماراتية وتأشيرة دخول سعودية، معمدتين بدم الأخوين المغدور بهما في مهب العاصفة.