تسببت الأمطار التي تساقطت الشهر الماضي على مدينة أمبود جنوب موريتانيا في تحطيم السد الرملي الذي يحمي المدينة من السيول، مما أدّى إلى غمر المياه لأجزاء كبيرة من المدينة، فتشرّدت مئات الأسر وتحطّمت مئات المنازل وتلفت المحاصيل الزراعية التي كان السكان يخزنونها من حصاد العام الماضي، وهو ما فاقم الموقف لأن أغلب السكان يعتمدون على ما يخزنون من محاصيلهم.
هكذا بدأ سكان المدينة في عيش جزء جديد من قصة معاناتهم، فأغلبهم يعانون من الفقر المدقع، ومنازلهم مبنية بالطين بلا شروط صحية مقبولة.
صرخة النشطاء
لم تجد قصة معاناة أمبود مكانها اللائق في المحتوى المقدّم على المواقع الإخبارية ولا التلفزيونات المستقلة، لذلك بدأ النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعية بإطلاق حملات لإنقاذ السكان ومؤازرتهم، حيث ركزوا على ضرورة أن تقوم المؤسسات الإعلامية بدورها في نقل المأساة للضغط على السلطة لتقوم بمسؤوليتها تجاه المواطنين المنكوبين. وقد أدّى ذلك الى حضور قضية أمبود في وسائل الإعلام الموريتانية وأن تتحوّل إلى قضية رأي عام. ويقول الناشط يسلم محمود: «بعد ثلاثة أيام من وقوع الكارثة ووصول أولى الصور من المدينة، وبعد أن تجاهل الإعلام الرسمي والحر الموضوع، بدأ الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعية بحملة للفت الانتباه الى الكارثة الإنسانية الناتجة عن سيول أتت على الجزء الهش من المدينة وخاصة منطقة أدباي. كان الهدف الأساسي من هذه الحملة ممارسة الضغط على الحكومة كي تتدخل وفضح وسائل الإعلام المنشغلة في أمور تافهة.
ونتج عنها أن أرسلت الحكومة مئة خيمة وبعض المواد الغذائية لمدينة تضرّرت فيها 591 أسرة حسب الإحصاءات الرسمية و700 أسرة حسب إحصاءات السكان المحليين». لم يقتصر دور شبكات التواصل الاجتماعية في قضية أمبود على الدعم الإعلامي وإحراج وسائل الإعلام المحلية وتقديم قصة المعاناة بل تعدّاها، فقد ظهرت مبادرات تهدف إلى التبرع إلى سكان المدينة وتسيير القوافل الإغاثية لهم، كقافلة جمعية الإرادة التي نجحت في إيصال مساعدات لمصلحة مئة أسرة قدّمت لهم الملابس والغذاء والدواء والاستشارات الطبية. وحسب الناشطة في حملة جمعية الإرادة فاطمة منت أنديان، فقد وصلت نسبة المتبرعين عن طريق موقع فيسبوك إلى 98 في المئة من الحصيلة النهائية للمبالغ النقدية المتبرع بها للحملة، فيما كان الباقي عن طريق يوم إذاعي مفتوح والتبرعات المباشرة. وكان لحملة فيسبوك تأثير واضح في عملية التبرعات العينية».
الحكومة لها رأي آخر
أما الحكومة الموريتانية، فترى أنها قامت بالواجب تجاه المواطنين وأن الشروع في ترميم الساتر الرملي المنهار وانتهاج سياسة الغذاء مقابل العمل في بنائه وتقسيم بعض الأسماك والخيام على بعض المتضررين يكفي. وحسب وزير الإعلام فالقضية تمّ تضخيمها من قبل المعارضة ووسائل الإعلام. الأزمة في الواقع أعمق من بعض المساعدات الآنية غير الشاملة، فالمدينة تحتاج إلى سد عصري لا يتضرر بسبب هطول المطر. فقد سبق أن انهار هذا السد في العام 1984 ليرمم بعد ذلك، وتكررت قصة الانهيار سنة 2010، حيث تدمرت بعض أجزائه ليتم ترميمها لاحقاً. يحتاج السكان إلى أن تقوم الدولة بدعم زراعتهم المهدّدة بسبب ضيق اليد والسيول وهجرة أبناء المدينة بحثاً عن العمل في العاصمة نواكشوط، وأن تضع لهم الحكومة برامج تنموية تقوّي من قدرتهم الاقتصادية حتى تنتشلهم من حالة الفقر والعوز، وتساعدهم في إعادة إعمار منازلهم المهدمة بشكل يتحمل الأمطار...
أمبود ليست استثناء
تهديد التساقطات المطرية لا يقتصر في موريتانيا على مدينة أمبود، فأغلب المدن والقرى غير مهيأة لكميات كبيرة من الأمطار، وهي تسبّبت في تشريد مئات الأسر في مدينة سيليبابي عاصمة ولاية غيديماغة الواقعة جنوب موريتانيا، حيث خلفت أضراراً بالغة في بعض أحياء المدينة وسوقها الرئيسية. وكان دور السلطات المحلية منعدماً حيث تركت السكان يصارعون وحدهم على المياه الغاضبة. وتقول أبحاث خبراء أن سبب تلك السيول هو خلل حدث أثناء تشييد طريق كيهيدي - سيليبابي، نتج عنه تعديل مسار أودية وإغلاق بعض المجاري، وهو ما يهدد مقاطعة سيليبابي وبعض القرى والبلديات القريبة منها. كما تشهد قرى موريتانية أخرى الواقع نفسه أو سبق أن عاشته، وقد يتكرر الأمر في بقية بقاع موريتانيا مع تصاعد وتيرة الأمطار التي ما زالت في بداية موسمها.